[3 من 3] أليف شافاك مرّة أخرى.. أيا صوفيا، سانت بييترو، تاج محل

محمد الماجد

أكره أن أكون خبير جرافيك وأنا في هذا السّن وإن كنت تواقاً ومحبّاً دائماً لهذا الفن، ولا أمانع إن قررت يوماً أن أبدأ حياتي من جديد أن أكون أحد الحالمين بالانتساب اليه، ومع ذلك أجد صعوبة كبيرة، أنا القليل الخبرة، في اخفاء امتعاضي من كيفية اخراج الغلاف الخاص بالنسخة العربية من الرواية الصادرة عن (دار الآداب) وبترجمة محمود درويش، فلا العنوان ولا قالب الجرافيك من الممكن أن يقارنا بالنسخة الإنجليزية للرواية، فبعدما انتزعت دار الآداب مفردة (معماري) من العنوان فأفرغته من محتوه، ألصقت به جسد فيل شغل معظم مساحة الغلاف، وكأنه فيل هرب من صفحات كليلة ودمنة واختار أن يستقر هنا على صدر هذه الرواية، وما كان ينقص الدار لتكمل إهانتها لموضوع الرواية هو أن تضع الكتاب في رف من رفوف مكتبات الأطفال.

وعلى النقيض تماماً، كان بإمكان القارئ للنسخة الإنجليزية التي تمثل الأصل والصادرة عن (دار Viking) أن يضع سبابته بسهولة تامة على مفردة المعماري (the ARCHITECT) ،كبيرة وبالأحمر في أعلى الغلاف، مضافاً إليها كلمة المتدرب (APPRINTICE)، ثم نزولاً على سلم الجرافيك المذهب بعناية والتي يبدو أن الدار الإنجليزية قد استوحته من إشارة لإليف في كلمتها المثبتة في آخر الرواية إلى كتاب “عصر سنان: الثقافة المعمارية في الإمبراطورية العثمانية” لمؤلفته غولرو نيجيبو غلو، ليصبح ترتيب درجات سلم الجرافيك بفضل غولرو كما يلي: مسجد السليمانية، ثم رسم الفيل الأبيض شوتا، ثم المتدرب الصغير جاهان، ثم أسوار اسطنبول، ثم أخيراً السؤال الكبير الذي سيخامر خيال القارىء المأخوذ بروعة التصميم: هل عليّ أن أكمل قراءة الرواية بعد كل ما رأيت؟!. وإذا ما قرر أن يكملها، فإنه سيفعل ذلك فقط لأنه يريد أن يعرف ما الذي يخفيه هذا البحر من المآذن والأسوار والأشكال الهندسية التي كان يسبح فيها ذلك الفيل مع مروضه جهان.

باختصار: في دار (Viking) هناك من أشعل فتيل الرواية أمام جيش من القراء التواقين أبداً لدخول القلاع العثمانية والتعرف على أسرارها، وفي دار (الآداب) هناك من حول الرواية إلى فصل مليء بألعاب الأطفال، ولا عزاء للقراء العرب، خصوصاً أولئك المفطورين على التوسل برسومات الأغلفة لمعالجة خيالهم الروائي في كل مرة يتهيؤون فيها للدخول إلى أول عتبات السّرد!

أمّا إذا ما قررنا تجاوز موضوع الغلاف، فلا نملك إلا أن نعجب بالطريقة التي تسللت بواسطتها صورة شوتا إلى داخل الرواية لتقوم – إلى جانب رسومات أيقونية صغيرة أخرى- بدور الناظم لفقرات السرد، وطريقة صف الكلمات، والكتابة إجمالاً، وكأن ملاكاً غير مرئيٍ دفعه للعب هذا الدور ليبيّن كم لهذا الحيوان الوديع من أثر جرافيكي وبصري سرعان ما سيزرعان فيه الثقة كي يأخذ الفرصة التي وهبتها إياه أليف على محمل الجد، الجد الذي لا يعني شيئا سوى أن شوتا سيكون أحد أكثر الشخصيات الرئيسية أثراً في الرواية، وبهذا لن يكون فيل أليف هو مصدر القلق والاطمئنان في الغلافَين معاً، وإنما هو كذلك أيضاً فيما يتصل بالأربعمئة صفحة الأولى من الرواية، مسيطراً حتى على كل ما تريد أليف أن تقوله أو تفعله بحيوات السرد بدأً من السلاطين سليمان، وسليم الثاني، ومراد، ومروراً بحضيرة القصر السلطاني ومروضيها، وانتهاء برئيس المعماريين سنان وتلامذته الأربعة بمن فيهم مروض الفيل جهان بالطبع.

هل أستطيع صياغة ما أود قوله صراحة وبصيغة مقرري الأخبار: إن معضلة حجم الفيل شوتا التي بدت الشغل الشاغل لداري (Viking) و(الآداب)، كانت قد انتقلت – بما لا يترك وراءه أي شك في نية أليف المضمرة بخصوص الدور الرئيسي لفيلها – من صدر الغلافَين إلى داخل الكتاب دون أن يخسر شوتا شىء من وزنه، أو من حس الدعابة التي يتمتع به، أو حتى من تأثيره على المحيطين به، هنا أتذكر فيل ابن المقفع وقصته مع القبرة التي داس على عشها وهشم كل بيضاتها تحت رجليه، السبب الذي دفع القبرة المفجوعة لتستعين بمجموعة من الطيور لتفقأ عيني الفيل، ثم بمجموعة من الضفادع لتستدرج عطش الفيل الأعمي إلى بئر فيسقط فيه، وهذا ما قامت به أليف حين أسندت إلى شوتا مهمات روائية كبيرة ومؤثرة فاستدرجته بها إلى بئر السرد دون رحمة فغرق فيه حتى أذنيه، ولم يعد في وسع القارىء، حتى أكثر القراء حساسية تجاه الفيلة، أن يمحت شىء من ماء الرواية دون أن تجرح قلبه صورة شوتا المسكين وهي تملأ كفيه برجاء انقاذه من أليف ومهماتها الرسولية.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com