عبدالله العوامي.. مصرفيّ بدأت معرفته بـ “الفلوس” من “خرجية قرشين” حش للبقر.. وبنّى "اشروب" البقل.. ويعترف: لم أكن من الأذكياء
أم الحمام: ليلى الخميري
“درست في بيوت قديمة وكان مصروفي اليومي قرشين”، بهذه الكلمات عاد المصرفي عبدالله سلمان علي العوامي، بحنينه إلى ذكريات الدراسة أيام الابتدائية، وسرد لـ “صبرة” تفاصيل تعود للستينيات في قلب قرية أم الحمام الغنية بمائها ونخيلها.
كان العوامي طفلاً نحيل الجسم وضعيف البنية، مهندما ومتواضعا ميسور الحال، يكابد المسير إلى المدرسة مثل أقرانه من صبيان القرية، واجتهد وثابر وصنع من نفسه شخصية إجتماعية رائدة.
العوامي من مواليد أم الحمام القطيف شرقي المملكة، وهو شخصية تتعلق بالاقتصاد والتقنية والسلوك والرفاهية، مدير تنفيذي سابق في تقنية المعلومات وتمويل الشركات، ومتقاعد من بنك سامبا، تقلَّد مناصب إدارية واجتماعية مرموقة، ذهب إلى أمريكا في أواخر أغسطس عام 2015م، ليكون قريباً من ابنه أحمد وابنته فاطمة اللذان تخرجا ويعملان في أمريكا حالياً، وكل ما عاوده الحنين عاد لمسقط رأسه، ليتزود من زيارات الأهل والأصدقاء مرة أو مرتين في السنة ليعود أدراجه مرة أخرى.
في الجبلة
يقول العوامي “أتذكر دراستي في أحد البيوت القديمة، وكان موقعه قريباً من مسجد الجبلة الحالي، ثم التحقت بالمدرسة الحكومية والتي يطلق عليها حالياً مدرسة ابن بطوطة، وكنت حينها أعمل في النخل مع أفراد العائلة الممتدة بمركزية جدي المرحوم الحاج علي سلمان العوامي مع أبنائه سلمان الأكبر أبي، حسن، محمد، بالإضافة الى اثنين من زوجة ثانية وهما فيصل وجمال وهما أصغر مني، والجميع يعيش في بيت واحد مع جميع الأطفال”.
وأضاف “وقتها كنا نقضي معظم الوقت بعد المدرسة في أمور (النخيل) ومنها توفير الحشيش للبقر، وسقي النخيل، وتنظيف الزرع من العوالق الضارة، وفي الليل يكون الإعداد والتجهيز للواجب المدرسي، ومن عدم القدرة الكاملة لفهم الموضوع بالإضافة إلى الخوف من المدرس لمن لم يقدم الواجب المدرسي، فاستمر في الصياح الشديد بجانب الفانوس في غرفة من بيوت العشيش، وعدم النوم حتى يقوم أخي الأكبر علي بالمساعدة، وبعدها أخلد للنوم”.
خرجية قرشين
ويضيف العوامي “كنت وقتها أحصل على قرشين وبهما يمكن أن أشتري خبزة واحدة فقط ويطلق عليها (قرص)، بينما البعض كان لديه 4 قروش، أما عليّة القوم فلديهم نصف ريال كمصروف يومي، ولم أذكر يوماً أن أحداً قد تنمَّر علي، مع العلم أن حالتي وقتها كانت متواضعة جداً من حيث الشكل والهندام وحتى البنية العضلية، فقد كنت وقتها ضعيفاً ونحيلا”.
الطيبة المتناهية
يتابع العوامي “أتذكر أن معظم الطلبة كانوا يحترمون المعلم احتراماً شديداً لثلاثة أسباب، أولها عدم الخبرة، حيث كلمة المدرسة كانت مفردة جديدة لمعظم الطلبة باستثناء البعض الذي ذهب للكتاب أو “المعلم”، وثانياً الطيبة المتناهية لمجتمع القرية، وثالثاً شدة قسوة المدرس بالكلمات الجارحة وأيضاً بالعصى الغليظة، ولهذه الأسباب تسود حالة الهدوء وقت حضور المعلم، وحتى أن البعض كان يتبوَّل على نفسه خشية أن ينهره المدرس حين الاستئذان بالذهاب للحمام، وحيث أن المدارس حديثة في مجتمع القرية، فكان الحضور مزيج من الأعمار، فهناك الصغار مثلي والأخ جعفر عيسى عبد رب النبي، وهناك من يكبرني سناً مثل الأخوة جعفر جبر، علي عبدالله شملاوي، وأخيه جعفر”.
مكانة المعلم بالبلدة
وأضح العوامي “كان للمعلمين مكانة محترمة بين وجهاء القرية، حيث يقومون بدعوتهم لولائم الغداء، والعشاء في بيوتهم وتكريمهم بحيث يجلسون في قلب المجلس، ويفخر البعض أنه صديقاً لهم.
وأضاف “أتذكر المعلم عبداللطيف هذا المدرس فلسطيني الجنسية، تميَّز بشدته وغلاظته في الضرب المبرح فكان اسماً لامعا في هذا الاتجاه لعدة سنوات، ولم يجرؤ أحداً في معارضته، وإن حصل فالمعارضة قد تكون محدودة بتقديم شكوى ضده عند الإدارة، ولكن سلوكه يبقى بدون تغيير، وكان شديد الغلظة على البعض من الطلبة، وأتذكر من مقولاته التي كان يرددها على الطلبة “أطبخ عدس وانفخ تحته”، و “ما أطقع من الخال إلا ابن أخته”، وكان يدرس مادة الحساب ومادة التجويد، ومن سوء حظي وبحكم صغر سني كنت أجلس في الكراسي الأمامية للفصل، وكان زميلي الأخ جعفر عيسى عبد رب النبي، وحين يقوم هذا المدرس بضرب الطلاب، أقوم أنا والأخ جعفر عيسى بإمساك يديه ليتمكن المدرس من ضربه بسهوله.
ويضيف “أتذكر المدير علي المرزوق، فقد تميَّز هذا المدير السعودي بأخلاقياته الطيبة وبعلاقاته الواسعة مع الشخصيات الاجتماعية في القرية، وكان يصغي لمطالب الناس والاستماع إليهم بجدية.
المتوسطة والثانوية
يسرد العوامي قصته مستذكراً اجتهاده في المرحلتين المتوسطة والثانوية “يعمد معظم الطلاب عادة إلى قراءة المنهج من أجل فهمه وحفظه أحياناً، حيث أن جميع الأسئلة تأتي من أصل المنهج، ولكن أحد المعلمين في المرحلة المتوسطة فاجئنا ذات مرة ببعض الأسئلة من تلك التفاصيل الإضافية والتي عادة تكتب في أسفل الصفحة وبخط صغير جداً، ومن حسن حظي إني قرأت تلك التفاصيل بعجالة قبل الامتحان، وربما كنت أنا الوحيد من حصل على علامة كاملة في ذلك الاختبار.”
وأضاف “أعترف بأني لم أكن ذكياً ولا أستطيع البتة منافسة الأذكياء في حسن البديهة أو قوة الذاكرة، ولكن أعتمد دائماً على قضاء وقت أكثر في التحضير والمراجعة والذي أهلني بأن تكون علاماتي في مستوى جيد جداً، وأحياناً في مستوى الممتاز، ومن المحطات المهمة في هذا المضمار هي حصولي على الدرجة الكاملة في اختبارات الكيمياء على الدفعة كاملة بالسنة التحضيرية في جامعة البترول، من ضمن أربعة أشخاص فقط استطاعوا تحصيل هذه الدرجة، مع العلم أن شهادتي كانت من الثانوية التجارية، وأغلبية الدفعة من حملة شهادة الثانوية العامة قسم علمي، وكذلك الحصول على مرتبة الشرف أكثر من مرة في جامعة البترول، والتفوق في بعض الدورات التدريبية التخصصية على الأقران الذين يحملون الشهادات الأكاديمية في نفس المجال.”
أكاديمياً
يقول العوامي “حصلت على درجة البكالوريوس، شهادة في علوم الكمبيوتر من جامعة ولاية كاليفورنيا للفنون التطبيقية، بومونا، كاليفورنيا، 1991، حصلت على دبلوم الدراسات العليا في برنامج تطوير الإداريين من كلية إدارة الأعمال بجامعة ميشيغان الأمريكية والمعهد المصرفي في عام 1998، بالإضافة الى العديد من الدورات التدريبية في تمويل الشركات وتقنية المعلومات.”
الشغف يولد الإبداع
يضيف العوامي “من حسن الحظ أنن تعاملت مع بعض المدراء الذين يؤمنون بثقافة البحث والتطوير، وأسندوا إليَّ البحث في تطوير خدمات وحلول جديدة للعملاء، حيث نكسب من خلال ذلك ولائهم المستمر، وفي الجهة المقابلة تدر أرباحاً للمؤسسة التي أعمل فيها، ولم يتم هذا الإنجاز بدون الشغف الشديد والعمل الدؤوب وصرف المزيد من الوقت والجهد، بالإضافة إلى الدعم الكامل من المدير وتوفر فريق متجانس يعمل معي في هذا المجال، وقد استطعنا كفريق من تطوير العديد من المنتجات الرائدة وشكلت علامات فارقة في الخدمات المصرفية، مما جعل الكثير من البنوك الكبرى محلياً وإقليمياً تدخل حلبة التنافس.”
وظيفياً
يرتب العوامي أفكاره ليذكر العديد من المناصب القيادية خلال حياته المهنية الطويلة قائلاً “عملت لأكثر من عشرين عاماً في مجموعة سامبا المالية، بدأت حياتي المهنية في مجال تكنولوجيا المعلومات، ثم انتقلت من تكنولوجيا المعلومات كمدير مشاريع أول إلى الجانب التجاري في البنك كرئيس لتطوير منتجات الشركات، في ضجيج وسقوط الإنترنت في أوائل عام 2000، أنشأ نموذجاً ناجحاً جديداً في التجارة الإلكترونية من خلال رئاسة قسم جديد، وهو e-Biz الذي يوجه جميع احتياجات العملاء من الشركات عبر الويب، بما في ذلك مشروع كبير إلى أرامكو السعودية، من خلال دمج الخدمات لمنصة أرامكو SAP، خلال تلك الفترة.”
ويتابع العوامي “تمكنت أيضاً بصفتي رئيس مجلس الإدارة التوجيهية لمبادرة B2B لجميع البنوك السعودية المحلية بالإضافة إلى سابك ومجموعة الفيصلية، و في مرحلتي المهنية الأخيرة في البنك، انتقلت من الرياض إلى مجموعة الخدمات المصرفية للشركات في مكتب الخبر الإقليمي لتمويل الشركات، حيث عملت لعدة سنوات كرئيس إقليمي للخدمات المصرفية للشركات المحلية في المنطقة الشرقية، واجتماعياً شغلت منصب عضو شرف في نادي الابتسام ومؤسس منتدى بناء الثقافي وأحد المؤسسين لجائزة التفوق الدراسي بأم الحمام.”
التقاعد
ويسرد ” طورت مدونة تسمى فضائيات العوامي awamispaces.net، تقدم مقتطفات مترجمة ومقالات شخصية تتعلق بالاقتصاد والتقنية والسلوك والرفاهية، ونشرت كتاباً باسم “للسعادة حكايات وللنجاح تجارب”، ساهمت في التحدث وإلقاء المحاضرات في العديد من المؤتمرات الطلابية بتقديم ورش عمل حول التكنولوجيا وسوق العمل.
الأوراق البحثية والمحاضرات للعوامي
1. أنت الشخص الذي يقرر حجم وظيفتك في مدينة جنات لويس بولاية ميسوري.
2. وظيفتك في عصر الذكاء الاصطناعي، مدينة سانت، لويس بولاية ميسوري.
3. مبادئ الائتمان والاستثمار، مدينة سانت، لويس بولاية ميسوري.
4. نموذج أعمال جديد ضمن ندوة الخدمات الإلكترونية، مدينة الخبر شرقي السعودية.
5. المهمة الحرجة، إدارة التغيير الإلكتروني، مؤتمر التمويل الإلكتروني، المغرب.
6. دول مجلس التعاون الخليجي، لمحة عن المستقبل، مؤتمر الخدمات المصرفية الإلكترونية، دبي.
7. سامبا الإلكترونية، دراسة حالة للبنك، مؤتمر التجارة الإلكترونية، الرياض.
8. التجارة الإلكترونية B2B، الضجيج والواقع، مؤتمر المصرفيين العرب، دبي.
الأخ العزيز عبدالله العوامي
اتذكر هذا الاسم قديما أول ما بدأت بعض المواقع الاخبارية تنشر مقالات، قرأت له حينها وكنت ارى مقالاته مميزة وازداد اعجابي لما قرأت سيرته الذاتية في هذه المقابلة.
من يأخذ التفوق تحدي، لا شعوريا يعمل في مجال البحث عن كل ما هو جديد في العلم والتقنية التي هي تحدي المستقبل وسلاح الباحث عن وظيفة وعن التسابق والتنافس مع الآخر الذي يؤمن بأن المعرفة أساس النجاح.
في الثلاث السنوات الأخيرة تعرفت على الاخ العزيز عبدالله العوامي عن قرب من خلال ترجماته لبعض الكتب والدراسات وحواراته ومناقشاته الهادئة المقدر للاختلاف بالرأي في منتدى القراء، اهتمامه بما يصد باللغة الانجليزية خصوصا الاقتصادية ونشرها للفائدة المعرفية، قليل من يهتم بالاقتصاد كتخصص لأنه علم الألم ويصعب فهمه في وسط اقتصادي معولم محكوم بعوامل خارجية ارتبطت مشاكله وتعددت عناصره بين النمو والانكماش والتضخم، وازداد الاقتصاد تعقيدا بدخوله مرحلة اقتصاد المعرفة المعتمد على الفكرة وتحويلها منتجا اقتصادي في زمن الثورة المعلوماتية.
الاستاذ العوامي من مسيرته العلمية والمهنية يتبين للقارئ أنه في تحدي مستمر مع ذاته ومع ما يستجد معرفيا واقتصاديا والسبيل الوحيد لتجديد الحياة الشخصية بعد التقاعد هي القراءة والتزود بالمعرفة.
الاهتمام بالترجمة مؤشر آخر على التحدي في شخصية العوامي، ما يصدر باللغة الانجليزية من دراسات وكتب في جوانب المعرفة والعلم يجعل من الصعب على المترجم اختيار الموضوع المناسب للقارئ السعودي والخليجي والعربي، فحسن الاختيار دلالة أخرى على شغف العوامي بالمعرفة وحبه على الاطلاع على ما هو جديد بالتقنية وعلاقتها بالحياة مهنيا واجتماعيا ومشاركته الآخرين بالمعرفة.
مشروع الترجمة الهادفة مهارة ثقافية في سد ما ينقص القارئ العربي وتزويده بما يحتاجه في عصر المعرفة المجانية المتدفق بالمعلومات والبيانات التي يصعب حتى على المهتم المتابع مواكبة الاصدارات العلمية والمعرفية.
سعة أفق الفرد وقبوله للآخر المختلف معه لا تأتي إلا من استعداد نفسي وترويض ذاتي بأن لدى الآخر ما يفيدك حتى لو كان يناقض فكرتك ورأيك، كذلك حب الشخص للمعرفة وتجاربه المهنية تكسبه خصائص الشخصية المرنة، وغالبا كل من يقرأ الأفكار والآراء ويتحقق من وثاقة مصادرها ويتأمل في معانيها تكون شخصيته رحبة ويحاول تجنب الانحياز الذاتي مثل الاخ ابواحمد، فالفرد الذي لديه شغف بالمعلومات والمعارف تصبح ذهنيته اسفنجية مرنة يقدر رأي المعارض له في الرأي ولديه القدرة على كسبه، وهذه خلاصة تجارب الإنسان في تقدير اختلاف الناس وتباين ثقافتاهم وآرائهم والتعايش معهم بروح التسامح وايمانه أن رأيه ليس صوابا مائة بالمائة.
الاهتمام بالثقافة ونقل المعرفة للمجتمع يعني عمق الاحساس بالمجتمع وحب مشاركتهم الفائدة لتكون شخصيته ومعرفته جزء من ثقافة المجتمع مثل ما يفعل عزيزنا ابواحمد عبدالله العوامي الله يمتعه بالصحة والعافية.