“هَوزْ نص إنش” لعين أم عمار كانت تروي البساتين.. ثم صارت حديقة يرعاها جار جديد
عبدالله حسن شهاب |
في الطريق إليها استحضرت ذاكرتي صورتها الأخاذة وهي مخبوءة في أحضان سيحة من البساتين الغناء. والنخيل الفارعة التي لطالما روتها بكرمها الجاري على مدى مقرون ربما يصل إلى حد الإسراف.
استرسل شريط الطفولة والصبا، وهو يدوّر أسطوانة الذاكرة الآفل نجمها، المزدحمة مساحتها بشؤون الحياة وشجونها.
ها هي صورتها وزرقة وغزارة مياهها المتدفقة والطرق الزراعية المتعرجة المؤدية لها ماثلة أمامي أراها رأي العين، وكأنني أسترجع فيلماً وثائقياً مسجلاً.
تذكرت أياماً صيفية كثيرة قضيناها برفقة الأصحاب والخلان، ونحن “نطامر” في مياهها العذبة للترويح عن حرارة القيض اللاهبة.
ما إن اقتربنا من “مدفنها” حتى انتابني شعور أننا على بعد مرمى حجر منها.
كيف ذلك..؟ وليس ثمة دلالة أو علامة عليها..!
قلت لرفيقي ونحن نسير في ذلك الشارع الغير منتظم الذي يقع في نهاية العمران ….أظن أن العين هنا… رد علي صاحبي : لا شيئ واضح ….معقولة صارت ” أم عمار ” أرض وأقيم عليها بيت؟
قلت له يارفيقي كل شيئ وارد…!! لكن إحساسي أننا بجانب “أم عمار”
الشارع فارغ إلا من ذلك الرجل المتجه صوبنا… توقفنا بجانبه وأقترب هو منا…
ـ سألناه: يالطيب ..أين مكان العين ؟
ـ تقصدون: عين إم عمار ؟
ـ نعم مقصودنا عين أم عمار …وهل في هذه السيحة عين غيرها ؟
ـ قال: وصلتو خير …العين جارتي.
أوقفو سيارتكم وتعالوا معي.
ترجلنا عن السيارة.. بعد السلام و الترحاب و التعارف.. قال لنا الحاج “أبوخليل”: هذا هو مكان عين “أم عمار”. وأشار بسبابته إلى حديقة صغيرة تلاصق منزله، وقد زرعت بالعشب وبعض الشجيرات حفاظاً على مكانها من التعدي وعبث العابثين. وقد تعهدها الرجل مشكورا بالسقاية والرعاية وفاء وتقديراً منه لـ “أم عمار”.
العين التي كانت تروي السيحات والبساتين في كل اتجاه؛ هاهي تُروى بـ “هَوْزْ نص إنش”، أثرها على قيد الحياة شكلا بعد أن قطعت شرايينها وأوردتها قسراً.. قسراً.
بحسرة وغصة أخذنا سويا نستذكر جمال “أم عمار” وزرقة مائها وحلاوة جداولها “المتطمطمة” العذبة تسقي بساتين ساحات الحلة وأطراف الشويكة.
انتهى اللقاء.. كما انتهت “أم عمار” وصارت أثراً بعد عين..!