“أنا أستطيع”.. السرطان مهزوماً في الخُبر الغامدي واجه علة النخاع الشوكي 14 سنة وحقق الدكتوراه.. وقلب أم طرابزوني أنجحه

الخبر: شذى المرزوق

تصوير: حسن الخلف

بين مقاعد الدراسة وأسرة المستشفيات، صاغ الدكتور حمد بن جروان الغامدي تفاصيل قصة ملهمة، أثبت فيها ذاته، وحقق أهدافه، متمسكاً بالأمل في الحياة، رغم إصابته بالسرطان، ليؤكد لمن يهمه الأمر بأن المرض، ولو كان بحجم السرطان، لا ينبغي أن يُعيق الإنسان عن تحقيق كل ما يسعى إليه ويحلم به.

هذا الأمل نفسه، هو الذي دفع الغامدي، نحو الإنجاز الحقيقي، مُسجلاً اسمه ضمن قائمة الشباب السعودي الطموح والمنجز، خاصةً بعد حصوله على الدكتوراه في الرياضيات، رغم آلام المرض.

قصة الغامدي، جاءت في ثنايا الملتقى الصحي الأول في المنطقة الشرقية “أنا أستطيع”، الذي تنظمه المديرية العامة للشؤون الصحية في المنطقة، وانطلق أمس (الإثنين) في قاعة فندق الميرديان في الخبر.

وحرص الملتقى على توجيه رسالة، أعادة فيها الأمل من جديد بتسليط الضوء على الجوانب المشرقة، التي قد لا يلتفت إليها البعض في حياة مرضى السرطان، وبخاصة ذوي العزيمة والإرادة منهم.

وبحسب ما ذكر الغامدي في “تجربة مُلهم” التي عرضها خلال الملتقى، فقد بدأ في رحلة محاربة السرطان، الذي سيطر على النخاع الشوكي لديه منذ كان في العشرين من عمره، مؤثراً على جسده وحركته.

رحلة معاناة الغامدي مع المرض عمرها اليوم 14 عاماً، ومع أنها رحلة متعبة ومؤلمة، إلا أنه استطاع أن يُكمل دراسته في تخصص الرياضيات، حاصلاً على البكالوريوس ثم الماجستير، وصولاً إلى الدكتوراه.

ضمن تجربة مُلهم.. كلمة الدكتور حمد بن جروان.. مصاب بالسرطان

ولفت الغامدي إلى أنه ماضٍ في مسيرة العلاج دون يأس، وبأمل كبير، وقال إنه سيسافر الأسبوع المقبل إلى ألمانيا لاستكمال العلاج، عسى أن يكتب الله له الشفاء من هذا المرض.

رسالة محارب

 باعتزاز تصاحبه نبرة التشجيع، قال الغامدي مُخاطباً الحضور في الملتقي “أقف أمامكم الآن بعد حصولي على الدكتوراه، كما أملك رصيداً جيداً من المؤلفات العلمية الصحية، وحصلت على جوائز صحية عالمية، هذا كله قد يبدو إنجازاً عادياً لأي شاب في المملكة، وهو أمر غير مستغرب في وطننا الزاخر بالمنجزين والكفاءات، لكن المختلف في هذا الأمر، أنني استطعت الإنجاز واستكمال دراستي العليا، وتحقيق ما وصلت إليه، وأنا مصاب بالسرطان بنوعه الخبيث، الذي لا علاج له”.

ووجه الغامدي نصيحته للمرضى، قال فيها ”رسالتي للمريض المتعافي أو المصاب، يومك المعلوم لن تغيره، فقدرك مكتوب سواء كنت بكامل عافيتك أم لا، لكن العزيمة والإرادة والروح الإيجابية إذا لازمتك، فهي ستحدث فرقاً في حياتك بكل تأكيد”.

سوبرمان صغير

إذا كان الدكتور حمد بن جروان محارباً ملهماً لمرض السرطان، فإن الإعلامي والمؤثر في وسائل التواصل الإجتماعي المعتصم بالله طرابزوني ملهم آخر لمرضى السرطان، واستطاع الانتقال من محاربة المرض إلى مرحلة التعافي.  

المتعافي طرابزوني ذكر في قصته، التي سردها افتراضياً من خلال مشاركته في الملتقى، عبر مقطع فيديو، أن الحافز الأول له للتعافي، هو والدته، التي طلبت منه أن يكون “سوبرمان صغير”، ويتلقى العلاج بكل صبر، حتى يتعافى، وهو ما جعله يتقبل العلاج المؤلم الذي كان يخضع له، وهو يعيش سن المراهقة، بعد أن تم اكتشاف إصابته بسرطان الغدد اللمفاوية، في الجانب الأيمن من أسفل رقبته، وهو ما كشفه للحضور بعد أن أزاح ياقة ثوبه، لإظهار أثر العملية الجراحية التي تم خلالها استئصال الورم، الذي تضخم، وتسبب له بأعراض أخرى، شملت ارتفاع درجة الحرارة والحكة.

كلمة افتراضيه للاعلامي المعتصم بالله طرابزوني المتعافي من المرض

وكشف طرابزوني عن رحلة علاج طويلة ومرهقة مر بها، منذ أخذ الخزعة من موقع الورم للفحص، وصولاً إلى إجراء الفحوصات التي استلزمت سحب عينة من النخاع، وهي التجربة الأكثر إيلاماً التي استقرت في ذاكرته منذ كان طفلاً، واستمر بتحفيز ودعم من والدته في تلقي العلاج، بما فيه العلاج الكيماوي والمناعي وماتبعه من أعراض تساقط الشعر، والضعف والوهن الذي أصاب جسده حتى مرحلة التعافي.

أنا أستطيع

جاءت قصة الغامدي وطرابزوني ضمن قصص وتجارب، لتأكيد ما اختصره اسم الملتقى التوعوي “أنا أستطيع” الذي أطلقه أمير المنطقة الشرقية الأمير سعود بن نايف  صباح أمس (الإثنين) في ديوان الإمارة برعاية كريمة منه.

 وقدمت للملتقى الإعلامية نهى الحربي، وسط حضور متنوع من الجنسين، يتقدمهم مدير عام الشؤون الصحية في المنطقة الدكتور إبراهيم العريفي وعدد من المسؤولين.

وبدأ مسار الملتقى بكلمة من الدكتور العريفي قال فيها “يسعدني وجودي هنا بين نخبة من العلماء، والأطباء، والباحثين، والاختصاصيين والاجتماعيين ومشاهير المجتمع، وثلة من المهتمين بموضوع التوعية بالسرطان والوقاية منه.

وأكمل “تشرفنا هذا العام برعاية أمير المنطقة لهذا الملتقى، وهو داعم كبير جداً لأي نشاط علمي، ثقافي، توعوي، ومجتمعي، فضلاً عن المتابعة المستمرة منه ومن نائبه الأمير أحمد بن فهد بن عبدالعزيز”.

مدير عام الشؤون الصحية في المنطقة الدكتور ابراهيم العريفي

وتابع “وجهة نظر صحة الشرقية في هذا الملتقى أننا جزء لايتجزأ من هذا الوطن، نمثل رؤية قيادتنا الحكيمة من خلال وضع لبنة في سبيل توعية أبناء الوطن عن هذا المرض الخبيث، وكيفية الوقاية منه، وكيفية الحد ومنع حدوثه بقدر المستطاع، كما أننا سعدنا بمشاركة مجموعة من المتحدثين من الاختصاصيين والأطباء والباحثين، ليقدموا لنا في هذه الليلة المباركة، ما يستفاد منه في التوعية عن المرض”.

جلسة ومتحدثون

وكان الملتقى قد خصص فقرة توعوية لجلسة حوارية، أدارتها استشارية طب الأسرة الدكتورة لمياء البراهيم بمشاركة 4 متحدثين (استشارية أشعة الثدي والكشف المبكر الدكتورة فاتنة الطحان، والأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الدكتور عبدالله الفوزان، وعالم الأبحاث الطبية في السرطان البروفسور فهد الخضيري، والمدير التنفيذي لمركز طب الأسرة والمجتمع الدكتور شاهر الشهري).

مقدمة الملتقى نهى الحربي

وبـ 4 محاور أساسية، دارت الجلسة التي شملت التعرف على سبل الوقاية من السرطان، وأهمية الفحص المبكر، ودور الأسرة والدور المجتمعي في دعم مريض السرطان”.

مفعول الوقاية

وفي المحور الأول حول الوقاية، قال الدكتور فهد الخضيري “هناك سبل للوقاية، وأيضاً خطط دورية لبرنامج منع السرطان الذي انطلق عام 2014 في الولايات المتحدة الأمريكية، وتبعها بذلك عدد من الدول الأوروبية، بهدف تحقيق الانخفاض في عدد الإصابات في 2025”.

وأوضح “من سبل الوقاية التي ينصح بها كثيراً، المبادرة بالكشف المبكر، والعناية بالتغذية الصحية،  السمنة المفرطة، وتجنب المسرطنات على رأسها التدخين، والتعرض الكبير للإشعاعات، ولعل أبرز ما يمكن أن يؤثر في صحة الفرد، هو أسلوب الحياة الذي يعيشه، فنحن بحاجة للتثقيف المستمر لنكون صحيين”.

ولفت أن “اتخاذ السبل الوقائية من المرض ذا مفعول ناجح بنسبة تصل إلى 90 % في الحد من تأثير السرطان والإصابة به”.

رئيسة الجلسة الدكتورة لمياء البراهيم

معضلة وتوصية

وأكمل “هناك معضلة حقيقية في سير علاج المريض في المملكة، وهي إهدار وقت كبير في التنقل بين المستشفيات، حتى يتم تشخيص الحالة، التي قد تتدهور خلال ذلك، وتصبح حالة متقدمة، يصعب فيها العلاج، لذلك أوصي بالإسراع في التشخيص، والمبادرة بالكشف المبكر، وفرز الحالات، والبدء المباشر بمرحلة العلاج في المكان المناسب والوقت المناسب”.

الكشف المبكر

بدورها، أوضحت الدكتورة فاتنة الطحان الفرق بين قسمي الكشف المبكر وقالت “هناك اكتشاف المرض في مراحله الأولى، قبل أن يصبح واضحاً اكلينيكاً، حيث يمكن كشفه قبل نحو 5- 6 سنوات من ظهوره، مثال ذلك أنواع السرطان البطيئة النمو، مثل سرطان الثدي، وهنا لابد من المبادرة بالكشف عند بلوغ الشخص لعمر معين حتى مع عدم وجود أعراض”.

 واستدركت “هنا نوصي الطبيب عند عدم وجود أي أعراض، لا تقل للمريض أنت بخير، فلا داعي لقدومك للكشف مرة أخرى، بل شجعه على الكشف المستمر بين فترة وأخرى”.

دكتورة فاتنة الطحان

نسبة عالية

وأكملت “هناك نوع آخر، وهو الكشف المبكر اللا سريري، حين ظهور أي من الأعراض، يتوجب على الشخص المبادرة بسرعة للفحص والكشف”، موضحةً أن “أكثر من 60٪؜ من الحالات بمراحل سرطانية متقدمة، سببها التأخر في الكشف، والخوف يتصدر قائمة أسباب هذا التأخر”.

ونوهت الدكتورة الطحان أن نسبة الشفاء من المرض، قد تتجاوز 95 % في حال الكشف المبكر، والتزام العلاجات، وكذلك بينت أهمية الكشف في التقليل من الوفيات”.

كلمة مؤلمة

وعن المضاعفات في الحالات، ذكرت الطحان “من أصعب الأمور، هو عندما تستحوذ فكرة بتر العضو المصاب على المريض، مثلاً هل سيتم بتر الثدي؟ البتر كلمة مؤلمة نفسياً، وهنا علينا أن نوضح أن ما يحدث هو اسئصال  الكتلة الورمية في الثدي فقط، لا استئصال لكامل الثدي، ولا بتره، وقد لا تحتاج بعض الحالات المرضية بالسرطان حين مبادرتها للكشف المبكر للعلاج الاشعاعي والكيماوي المتعب، وبالتالي تمارس حياتها الطبيعية متعافيةً”.

الثدي والرحم

وتحدثت الدكتور الطحان عن الكشوف ودورها في اكتشاف المرض، وقالت “الماموغرام يعد نوعاً من طرق الكشف المبكر لسرطان الثدي للسيدات، ممن تجاوزن 45 عاماً ويملك هذا النوع من السرطان رقمًا كبيراً في الحالات النسائية المصابة به”.

وتابعت “سرطان عنق الرحم، وهو غير شائع لدينا، وهو السرطان الوحيد الذي يمكن القضاء عليه، وقد شاركت المملكة في حملة عالمية عنه”.

30 “باكيت” دخان

بينما يحتل سرطان القولون المركز الأول لدى الرجال، ومثله سرطان الرئة، ويمكن اكتشافه بالكشف المبكر على وجه الخصوص لدى المدخن الذي يدخن أكثر من 30 “باكيت” في السنة الواحدة، وهو ما يعد عامل خطر كبير، لتعرض المدخن للمسرطنات. 

أما سرطان البروستات، فهو سرطان خاص لفئة الرجال أيضاً، ويمكن الكشف المبكر عنه بعد تجاوز الـ50 عاماً.

وبتوصية، وجهت الدكتورة الطحان بضرورة تخصيص يوم صحي في السنة، للكشف واجراء الفحوصات والاهتمام بالمتابعة الصحية.

دور الأسرة

من جانبه، قال الدكتور الفوزان “لاشك أن السرطان من الأمراض التي تتعطل بها الحياة البشرية، ونشهد هذا اليوم العديد من مثيرات المرض المتنوعة، وهو ما يؤثر سلباً على نفسية المصاب به بشكل يستلزم معه التدخل العلاجي عبر نافذة صحية واجتماعية ونفسية”.

الدكتور عبدالله الفوزان والدكتورة لمياء البراهيم

واقترح “لنعش سيناريو مايحدث في داخل شخص، اكتشف إصابته بالسرطان حتى نظهر بالصورة المناسبة للدور الاجتماعي في مساندته، والأقرب لذلك الدعم هم عائلته”. 

أسئلة الصدمة

وعن طبيعة الأسئلة التي تتبادر غالباً في ذهن المريض، قال إنها “أسئلة مؤلمة، واقعية، وقد تبدو أحياناً غير منطقية، حيث يبدأ بالسؤال بأسلوب الصدمة هل أنا مصاب حقاً؟ ثم  أسلوب الإنكار هل هذا الخبر صحيح؟ وهنا تتطور لحالة الفزع، ومنها للإحساس بالذنب ماذا فعلت؟ ماذا فعلت حتى أعاقب بالمرض؟ وما هو ذنبي؟”.

ثم تتحول الأسئلة لنوع من الواقعية الممزوجة بالخوف من المجهول أين أذهب؟ ماذا أفعل؟ هل سيقبل بي شريك حياتي؟ ماذا عن المستقبل للشريك؟ وهل سأبقى في عملي ومصدر رزقي؟ هل سيتقبلني الأصدقاء؟ كيف سينظر الناس لي؟.

إصابة العائل

وتابع الفوزان “هذا النوع من الأسئلة مُهدد للصحة النفسية أكثر، وتزيد آلامه أكثر لأنها مرتبطة بالبعد الاجتماعي، خاصة لدى العائل للأسرة الذي يتسبب اكتشافه للإصابة بهذا المرض، بقلق كبير على مستقبل عائلته وأبنائه وتأثير ذلك على مصدر رزقه وشريك حياته، بالإضافة إلى الشعور بالصدمة لديه، بحيث ينعكس تأثيره على أسرته ما لم تكن الأسرة على قدر كبير من الوعي، لتقبل حالته المرضية، ودعمه نفسياً والأخذ بيده للعلاج، فيما يتلقى دعم المجتمع والدولة التي توفر له الدعم الصحي، والدعم الاقتصادي، والدعم الاجتماعي من خلال اختصاصيين لحماية المريض من العزلة والوحدة وتبعات المرض النفسية.

دور الجمعيات

وفي السياق نفسه، أكد الدكتور شاهر الشهري على دور الجمعيات الأهلية المتخصصة في مكافحة السرطان، والتوعية به، وتقديمها الاستشارات، والاهتمام برفع المستوى في العلاج النفسي للمريض، وتأهيله لممارسة حياته بشكل طبيعي، وكذلك دورها الإيجابي التكاملي مع وزارة الصحة ومديرياتها نحو حراك مجتمعي، بتنظيم أكثر للتعامل مع حالات السرطان”.

ولفت الشهري إلى “أهمية التشخيص المبكر الصحيح، والانتظام في المواعيد لتقديم علاج المريض بالصورة الأمثل، وتدريب القطاع الثالث، فهو الأقدر على التعامل مع الحالات من ناحية اجتماعية”، مبيناً أهمية الدور التطوعي بفتح المجال لتطوع مهني للجمعيات من خلال منصة التطوع الصحي.

أركان جانبية

من جهة أخرى، اصطفت 9 أجنحة مشاركة في الملتقى مثلت عدداً من جمعيات للسرطان، منها جمعية أمل لمكافحة السرطان في القطيف، وجمعية تفاؤل لمكافحة السرطان في الأحساء، وجمعية السرطان السعودية، بالإضافة إلى معرض فني للتشكيلية كريمة المسيري، حملت لوحاته بصمة القوة، والشجاعة، والعزيمة التي تجسدها الخيول في دلالاتها المحاكية لقوة وعزم مرضى السرطان، كما شاركت المسيري في فقرة فنية للرسم المباشر على منصة الملتقى، الذي اختتم بتكريم المتحدثين والجهات الداعمة وتقديم وجبة العشاء.

التشكيلية كريمة المسيري

 

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×