أولى طبيبات صفوى عالية آل إبراهيم تتذكر القسوة في بيت “من صالح” عشقت مسقط رأسها وأحبت الرياض وتخصصت في كُلى الأطفال
صفوى: أمل سعيد
كانت كمن يستعيد طفولته، لا يمكن أن تَجزم من كان يركض نحو الآخر هي أم الذكرى، مع سماعها باسم مدرستها توقدت ذاكرتها، أخذت تحكي وكانت حروفها فرشاة رسم، لم تفتها التفاصيل الصغيرة، ربما لم تحتج أن تغمض عينيها لترى ما قبل 60 سنة بألوانه الزاهية، وبلغة رشيقة وفاتنة مرت على خطواتها الأولى إلى المدرسة، إلى معلماتها، وأصدقاء الدراسة، حتى الحارس وعاملة المدرسة كانا حاضرين بأناقة في حديثها، احتفظت بكل شيء وسقط منها شيء واحد؛ الزمن، أعادت الجملة أكثر من مرة “أنا لا أجيد التعامل مع الأرقام”.
هكذا كان اللقاء مع الدكتورة عالية آل إبراهيم اختصاصية طب كُلى الأطفال، وربما كانت ثاني اثنتين تخرجتا من كلية الطب في مدينتها صفوى.
البيوت التركية
وعن مدرسة بيت حسين (من) صالح آل إبراهيم رحمه الله، أو المدرسة الأولى للبنات بصفوى بدأت آل إبراهيم حديثها “أتذكر البيت جيداً، أتذكره بكل تفاصيله، كان يشبه البيوت التركية في تصميمه، كان تحفة بمعنى الكلمة، كل شيء فيه غاية في الجمال، ويستحق أن يُحافظ عليه كتحفة معمارية، كان الباب الخارجي عظيماً (دروازة)، يتكون من مصراعين كبيرين ويغلق بواسطة قطعتين من الحديد (الصيخ)، تثبت إحداهما على شكل نصف حلقة في إحدى الدرفتين بينما تكون القطعة الثانية على الدرفة الثانية مفرغة من أسفلها (الصيخ) وتحرك يدوياً حتى يلتقيان فيوضع القفل في نقطة الالتقاء”، وبشيء من البهجة بعد الحنين تغلب الذاكرة آل إبراهيم ” ولأني أصل مبكرة دائماً، بل كنت أول طالبة تصل إلى المدرسة، حتى قبل أن يُفتح بابها. شاهدت الحارس يعاني مراراً في فتح القفل، وذلك لأن بعض الطالبات كنّ يضعن في القفل ما يسده من خشب ونحوه، حتى لا يتمكن من فتحه، فتلغى الدراسة”.
تفاصيل أكثر
تكمل آل إبراهيم في وصف المدرسة “عندما تدخل البيت يقابلك بهو كبير تتوزع فيه الكراسي الحجرية (الدكات)، وفيه أعمدة طويلة جداً تحمل جزءاً من السقف أمام الغرف بينما الجزء الأوسط مفتوحاً فلا يكون بينك وبين السماء حاجباً، هنا كنا نقف للاصطفاف في الطابور الصباحي، وفي الجزء القريب من السور الخارجي كان هناك مجرى للماء فيما يشبه القناة لري المزروعات، وتأخذ الغرف التي ربما تجاوز عددها الـ10 مكانها في محيط البيت، وتتفاوت مساحتها ضيقاً واتساعاً”، تضيف “يتكون البيت أو مدرستنا من دورين لكني لا أتذكر الدور الثاني، أما الغرف التي تحولت فيما بعد إلى فصول فما زالت ذاكرتي تحتفظ بكل تفاصيلها، ربما لأني كنت أرتاد المنزل قبل أن يصبح مدرسة وبعد أن أُخلي من طالباته، حيث تربطني بأصحابه علاقة قربى، فعمتي هي صاحبة المنزل وزوج المرحوم حسين بن صالح”.
فصول المدرسة
وتصف آل إبراهيم شكل الغرف “كل الفصول تتوسط جدارها المطل على البهو نوافذ تتكون من حواجز حديدية تليها الأبواب الخشبية التي تتزين بألوان متداخلة من البني والأحمر والأخضر أو الأزرق، وكانت أبواب الغرف تشبه باب الدروازة لكنها أصغر منه بكثير، وتتألف من درفتين أيضاً، وفي كل فصل أو غرفة يتخذ أحد جدرانها شكل الدولاب المفتوح، وهنا كانت المعلمات يعاقبن طالباتهن، فأي طالبة لا تقوم بواجباتها أو تثير ضجة أو تتكلم في الحصة حتى ولو همساً، تعاقب بأن تجلس في هذا الجزء من الغرفة”، تكمل “لا تزيد طالبات الفصل عن 15 طالبة، وربما قل العدد عن ذلك بحسب سعة الفصل، وكما أتذكر كانت السبورة الخشبية السوداء معلقة على الجدار، أما الكراسي فكانت أيضا من الخشب ويتسع الكرسي إلى 3 طالبات يجلسن بجانب بعضهن، وكنا نلبس مريولاً أزرق اللون”.
أول مديرة
كانت منى سلمان الصفواني هي أول مديرة لأول مدرسة في صفوى، وهي ابنت سلمان بن صالح آل إبراهيم أو سلمان الصفواني كما عرف بعد ذلك، حيث هاجر إلى العراق وتقلد مناصب رسمية فيها، حتى وصل إلى منصب وزير عام 1965م، وهو شقيق حسين بن صالح آل إبراهيم صاحب المدرسة.
ولدت منى في العراق ودرست فيها، وبحسب عالية آل إبراهيم فإن منى عملت مديرة في المدرسة لمدة بسيطة جداً لا تتجاوز السنة، غادرت بعدها إلى العراق مرة أخرى، وعينت نضال الفلسطينية مديرة للمدرسة بعدها.
تقول عالية “كانت المعلمات أغلبهن إن لم يكن جميعهن من الجنسية الفلسطينة، وكنّ شديدات جداً، إلى الحد الذي لا يمكن أن تسمح إحداهن لطالبة أن تذهب إلى دورة المياه، ولا أظن أن طالبة استطاعت أن تكمل سنتها الأولى في المدرسة من غير أن تبلل نفسها”، تضحك آل إبراهيم وتكمل “على الأقل في الفصل الذي كنت فيه لم تسلم واحدة”.
شتاء المدرسة
وكما كل شيء في أوله، واجهت طالبات المدرسة الأولى بعض الصعوبات فكانت الطالبات يقطعن الطريق من وإلى المدرسة سيراً على الأقدام، وهو أمر لا صعوبة فيه صيفاً سوى تحمل حرارة الشمس ووهجها ظهراً، لكنه يزداد صعوبة في الشتاء حين ينهمر المطر وتُغمر الطرقات بالمياه، تقول آل إبراهيم “في الأيام المطيرة كانت هناك صعوبة في التنقل رُغم أن منزلنا لا يبعد كثيراً عن موقع المدرسة، كما أني أتذكر كيف كانت فرّاشة المدرسة (العاملة) تحاول جهدها لتدفئة الطالبات في الأيام شديدة البرودة، فتضع الحطب في مكان مخصص في وسط الحوش وتشعل النار فيها، ثم تدعونا للتحلق حولها قبل بداية الحصص وفي الفسحة”.
درست عالية آل إبراهيم سنتها الأولى وجزءاً من السنة الثانية في المدرسة الأولى، ثم انتقلت إلى المدرسة الإبتدائية الجديدة وهي أول مدرسة بنات بنتها أرامكو في صفوى وسميت بمدرسة أم كلثوم الإبتدائية.
إلى القطيف والدمام
لم تكن في صفوى مدرسة للمرحلة المتوسطة في ذلك الوقت، لذا درست آل إبراهيم المتوسط في القطيف، تقول “درست المتوسط في القطيف، في مدرسة كنا نطلق عليها اسم مدرسة البحر، ربما لأنها تقع قرب البحر، وبعد أن تخرجت من المرحلة المتوسطة أكملت دراستي في ثانوية القطيف أيضاً، وبعدها التحقت بكلية الطب في جامعة الملك فيصل بالدمام”، تكمل “وبعد أن حصلت على درجة البكالريوس سنة 1986م عملت في مستشفى الولادة والأطفال بالدمام، ثم ابتعثت لدراسة دبلوم في طب الأطفال في الرياض، لمدة سنة، عدت بعدها إلى مستشفى الولادة، ومرة أخرى ابتعثت إلى جامعة الملك سعود، ودرست هناك الزمالة العربية في طب الأطفال، لمدة 3 سنوات في مستشفى الملك خالد الجامعي، وفي أثناء ذلك تزوجت، وعشت في مدينة الرياض، وعملت في مستشفى السليمانية للأطفال، ولم ألبث طويلاً حتى عدت للدراسة لمدة سنتين وتخصصت في أمراض كلى الأطفال في مستشفى الملك فيصل التخصصي”، وتتابع “انتقلت بعدها إلى مدينة الملك فهد الطبية بالرياض مدة 4 سنوات، ومنها إلى مستشفى الملك خالد الجامعي، وفي نفس الوقت كنت أُدرّس طالبات كلية الطب في جامعة الملك سعود”.
بين مدينتين
تقاعدت آل إبراهيم بعد رحلة 33 عاماً في الطب ما بين الدراسة والعمل، وكان ذلك في بداية عام 2020م.
عاشت أكثر من 30 عاماً في الرياض، حيث تزوجت وأنجبت أولادها، تقول آل إبراهيم “أحب الرياض لكني أعشق صفوى، فهي بلدي وأشعر بانتمائي إليها، لكن أولادي ولدوا هنا في الرياض وهنا نشأوا وهي بلدهم، لذا، ومع شدة الحنين للشرقية والقطيف وتحديداً إلى صفوى، ما زلت أسكن الرياض حتى بعد أن تقاعدنا أنا وزوجي، وما زلت موزعة بين الجذور والفروع”.
ماعندكم مواضيع يا صحيفة صبره حاطين سوالف نسوان
شكله القائمين على الصحيفه نسوان
بمثلها تفخر مدينتي صفوى.
وصلني حنينها وشوقها إلى صفوى كلماتها جميلة ومعبرة عن حبها لموطنها الأول
العنوان ليس مناسب لهذا المقال الرائع.
فعلا العنوان غير ملائم فقط لجذب النظر فالمقالة غلب فيها الطابع الإيجابي
الكلام الجميل والذكريات الجميلة التي ذكرتها الدكتورة عالية آل إبراهيم في مقابلتها معكم لاتتناسب مع العنوان
فالعنوان ( قسوة في بيت من صالح )
كان هو القسوة الوحيدة في الموضوع
بمثلها نفخر وتكون حديث المجالس وليس ساقطات السوشال