[مقال] هادي رسول: أنا أتخيّل .. أنا موجود

هادي رسول

يتجاوز باشلار المنهج الفلسفي العقلي و المنهج التجريبي المادي حين يقول: ” الحُلُم هو الترياق الأولي لكل من يخشى على ذاته التلاشي”.
منذ أن أطلق ديكارت جملته الشهيرة، و الفكر يحتل المرتبة الأولى للوجود . الفكر بصفته معادل وجودي للحياة.
إلا أن غاستون باشلار يصعد بالحالة التخيُّلية/ الحُلمية/ الشعرية، إلى المرتبة الأولى لشرط الوجود و الحياة.

فالعالَم ـ لدى باشلار ـ يتغيّر و يتطوّر ليس من رؤية فلسفية و لا من رؤية تجريبية مادية و إنما من خلال الحالة الحُلمية.
يقول باشلار مرة أخرى:
“العلم يتجاوز ذاته باستمرار ، كما أن الأدب يكثّف دلالاته بقدر لا نهائيّة القراءات و المقاربات ، كل ذلك لأننا نحلُم ، و لذلك يغيّر العالم في كل لحظة من جلدته.”

غاستون باشلار اهتمّ بفلسفة العلوم الطبيعية انطلاقًا من تخصصه في الرياضيات و الفيزياء، إلا أنه يضع مكونًا آخرًا للتكوين البشري ، فإضافة للمكون العقلي الفلسفي ، و مكوّن الحواس التجريبي، يضع باشلار مكوّن الخيال أو المكوّن الحُلمي.

لدى باشلار، الفلسفة ليست وحدها قادرة على إنتاج معرفة جديدة، و ليست التجربة وحدها قادرة على صناعة المعرفة، و ليسا وحدهما مشتركَين قادرَين إلى إنتاج المعرفة مالم يكن الخيالُ رادفًا لكليهما.

هنا ليس غريبًا أن ننعت آينشتاين بالشاعر أو المتخيّل، و هو يؤسس لمفاهيم الفيزياء الحديثة مستعينًا بالخيال.
الجاذبية مثلًا كمفهوم طبيعي؛ هي في فيزياء نيوتن لا تعدو كونها قوة خفية بين كتلتين، إلا أن الخيال الآينشتاني يبتكر فهمًا آخرَ للجاذبية و يصوّرها على أنها تشوّه في النسيج الزمكاني. المفهوم الآينشتايني الذي أعطى فهمًا أكثر إقناعًا للظاهرة الطبيعية من المفهوم النيوتني.

وليس غريبًا أن يشترك آينشتاين مع باشلار في وضع الخيال في المرتبة الأولى فيقول : ” القدرة على التخيّل أهم من المعرفة “.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×