الزوجة الصالحة شجّعت رضا الفردان على منح والده كلية منافسة مع الشقيق الأكبر حسمتها الفحوصات الأنسب.. ومباركة العائلة
القطيف: ليلى العوامي
إنه التوفيق من جهتين: برّ في اتجاه الوالد، وإحسان من اتجاه الزوجة.. هكذا وجد الشاب رضا عبدالحكيم الفردان نفسه، حين فكّر في التبرع لوالده بكلية من جسده، بعد معاناة والده لأكثر من 15 سنة. الشاب فكّر بصدق، وزوجته شجّعته وشدّت على يده ليُنجز ما كان يفكر فيه.
ومنذ 15 عاماً واجه والده الذي يقطن بلدة الملاحة بالقطيف، آلاماً بسيطة، سرعان ا تزايدت في أعلى البطن، وبعد علاج استمر سنوات طويلة على المسكنات، شخَّص الأطباء حالته بـ “فشل كلوي”. فلم تنتظر عائلته متبرعاً لينقده، بل كان المتبرع موجوداً معه في منزله، وهو ابنه رضا الذي قرر ثم بادر، فأنقد والده من سنوات بدأت في 2006م بالعلاج، و اشتددت في الأشهر الأخيرة من عام 2021م.
كيف بدأت القصة؟
يروي رضا بن الحاج عبد الحكيم قصة والده وسبب تبرعه له بكليته قائلاً “لست الوحيد الذي أراد أن يتبرع لوالدي، هناك أيضاً أخي الأكبر حيدر أبو علي، ولكن اختلاف الفصيلة حالت دون ذلك، وأخوتي الباقون صغار، فلم يكن هناك غيري، وكانت العملية بقرار مني دون تدخل من أحد، غير شعوري بواجبي نحو والدي.”
يستمر رضا في الحديث، وبشعور بالسعادة والفخر “في سنة 2006م، لا أتذكر بالضبط الشهر، فقد كنت صغيراً، عمري وقتها كان 12 عاماً، فأنا من مواليد 1994م، حينها كنت أرى والدي يشعر دائماً بألم في ظهره بمنطقة الكلية، وكان يزور أحد المستشفيات الكبيرة في منطقة الخبر للعلاج، فكان يتناول المسكنات بعد أن شُخِصت حالته بأن لديه تكيس في الكلى، فوصف له الأطباء بعض المهدآت، ولكنها لم تكن علاجاً فعَّالاً لحالته.
وقفة الأبناء
يضيف رضا “بعد عدة سنوات زاد الألم في نهاية عام 2020م، في هذه الفترة زوجتي كانت حامل في شهرها الأخير، وكنت بين مواعيدها ومواعيد والدي بمساعدة أخي إذا عاد من عمله في شيبة”.
بداية الغسيل البروتوني
يكمل رضا حديثه “في بداية العام 2021م، تابع والدي مستشفى القطيف المركزي بعد ألم شديد شعر به، فأجرى له الأطباء الفحوصات السريرية، وبعدها شُخِصَت حالته بالفشل الكلوي للكليتين، مما يعني أنه لا بد من خضوعه للعلاج المكثف، وألا يخرج من المنزل، وألاَّ يُمارس حياته الإجتماعية كعادته، تضايق والدي كثيراً، فالعلاج بالجهاز البروتوني في المنزل يأخذ من وقته كل يوم 8 ساعات، ولمدة ستة أشهر، الأمر الذي جعله يتقاعد من عمله في شركة الفوزان للصناعات المعدنية، في هذا الوقت كنت أراه، وكنت أتعذب، فوالدي تغيرت حياته 180 درجة، وهذا صعب على رجل في سنه تعود على الحياة الاجتماعية منذ صغره.”
أين الصعوبة؟
يضيف رضا “لم يكن صعب أن أتبرع لوالدي، فالحياة لا تدوم لأحد، والموت محتوم على بني آدم نعم لا تدوم، تحدثت مع والدي وطلبت منه أن أتبرع فرفض وقال هذا نصيبي، ومكتوب لي، وبعد عدة محاولات معه وافق على أن أكون أنا المتبرع رغم أنه كان خائف على صحتي، حينها تواصلنا مع مستشفى القطيف المركزي، وتم تحويل والدي لمستشفى الملك فهد التخصصي في الدمام لإجراء الفحوصات اللازمة لعملية التبرع”.
مواعيد وفحوصات
سُجِلَ لنا مواعيد في مستشفى الملك فهد التخصصي، وبدأنا بالفحوصات التي دامت سبعة أشهر، في كل شهرين أحضر لعمل نفس التحاليل، أنا يوم، ووالدي يوم آخر، وفي هذه الفترة كان الوالد مازال يتناول علاجه في المنزل، وعلاجات أخرى.
استئصال
يصمت رضا قليلاً متذكراً ذلك اليوم يقول “قبل العملية بأربعة أشهر أكتشف الأطباء بمستشفى الملك فهد التخصصي إصابة والدي بورم سرطاني في الكلى، فأخبره الأطباء بضرورة استئصال الكليتين، فقد كان القرار الأول هو استئصال واحدة، ولكن بعد ظهور الورم أصبح لابد من الإثنتين.”
وتابع رضا “في هذه الفترة تدهورت حالته لأننا لا نعلم متى ستكون العملية، وبقي بدون كلى أربعة أشهر، وزاد على ألمه آلم أخر أنه لا يتخلص من السوائل في جسمه، كانت تجربة قاسية على والدي، ولكنه كان يحمد ربه في كل حين، في هذه الفترة كان لابد بأن يتعالج بالغسيل الدموي”.
انتظار صعب
كنا ننتظر قرار التبرع بالكلى بفارغ من الصبر أنا أعمل في رأس تنورة بنظام “الشفت”، أعود من عملي وأذهب للمستشفى حتى اسأل متى موعدنا لعملية التبرع، والحمد لله العام الماضي في نهاية شهر مارس وقبل شهر رمضان بيومين أجرينا العملية، ومع بداية أبريل خرجنا من المستشفى.
مشاعر مختلطة
وعن شعوره يقول “قبل الدخول لغرفة العمليات بكى والدي خوفاً علي، وفرحاً بي، وكانت مشاعري خليطٌ بين الفخر والاعتزاز، وبين خوفي على زوجتي ومولودنا الصغير “مالك”، الذي وضعته زوجتي في فترة الغسيل الدموي لوالدي.”
يتابع رضا “دخلنا المستشفى في نهاية شهر مارس تحدياً، ولكن العملية تم تأجيلها بسبب عملية طارئة لشخص آخر فبقينا في المستشفى ليلتين، والدي كان يُجرى له غسيل دموي، وأنا معه في نفس الغرفة أرعاه، وفي يوم العلمية رأيت دموع والدي أخبرته لا تخف فأنت تعبت كثيراً وجاء اليوم الذي نرد لك الشيء القليل، دخلنا غرفة العمليات مبتسمين، وأنا في أقوى حالاتي، والطبيب لأخر لحظة يسألني هل أنت متأكد وراغب؟، حتى والدي كان يسألني ابتسمت، وقلت لهم توكلوا على الله.”
استمرت عمليتي ساعتين، ووالدي أربع ساعات إلى خمس ساعات، وفي صباح أول يوم رمضان أفقنا من العملية، ولم نَصم شهراً كاملاً كنا مجبورين لشرب الماء طوال هذه الفترة إلى جانب المسكنات والأدوية الذي كان يأخذها والدي، أنا بقيت يومين، وكان من المفترض أن أبقى بعد العملية يوم واحد، ولكن ارتفاع حرارتي وتعب جسمي مكثت يوم آخر تحت الملاحظة، خرجت بعدها بيوم والوالد بقي أربعة أيام.”
لماذا نرفض التبرع؟
تعجب رضا من بعض الأشخاص الذي يرفضون التبرع خوفاً على أنفسهم، فهم لا يعون بأن الموت يأتي الإنسان في أي وقت، وبعبارة شديدة يقول “يا أخي الدود سيأكلك تبرع لمن يحتاجك، ولا تتردد، فلا خوف في ذلك أبداً وها أنا اليوم أنقدت حياة والدي، وأنا سعيد فكليتي في جسده، وأنا أعيش بكلية واحدة، وعادت الحياة طبيعية لأسرتي ولله الحمد فلماذا نتردد ونخاف؟”.
ولا ينسى رضا دور زوجته التي شجعته كثيراً على أن يضحي إلى جانب قناعته كان لتشجيعها دوراً كبيراً يقول “خرجت من المستشفى بعد العملية فجرحي كان تحت السرة، ومن الصعب أن أذهب بوالدي لمواعيده في المستشفى، وأخي عمله بعيد في “شيبه”، فأخذت زوجتي الدور الكبير بالذهاب مع والدي بسيارتها الخاصة لحضور مواعيده بعد العملية. “
يقول رضا “اليوم الوالد يعيش حياته الاجتماعية ولله الحمد، يلبس الكِمامة طوال الوقت، يأخذ أدويته بإنتظام، أنا اليوم أراه سعيداً ومرتاحاً، وأرى إبني مالك يلعب أمامي، فسعادتي هنا لا يضاهيها شيء الحمد لله على ذلك”.
حمدا لله على سلامتك و سلامة الوالد ، نعم الإبن البار أنت يا أبا رضا و بارك الله فيك و كما كنت بارا بأبيك حتما سوف يسير أبناؤك على نفس الدرب و سيكونون بارين لك كما كنت لأبيك ، و كما قلت يا مالك لماذا الخوف من التبرع بالكلى لمن تتوقف حياته إذا لم يجد متبرعا و خاصة أنه ممكن العيش بكلية واحدة و لماذا الخوف إذا كان الأجل سيأتي بغتة و دون سابق إنذار ، فاصنع الخير لأهله تجد ثوابه و أجره عند الله عظيما