المرأة التي “صقع” طليقُها رأسَها بصخرة…!
حبيب محمود
كنتُ في سنّ التاسعة أو العاشرة، حين لمحتني في الطريق، وطلبتْ إليَّ مرافقتها إلى غرب البلدة. تحفّظت السيدة الشابّة على السير وحدها مسافةً طويلة من بيتها المستأجر إلى حيث تريد، في مساءٍ مظلم. وبعفوية طفلٍ؛ رافقتُها، إلى أن وصلنا قريباً من المنزل الذي قصدته.
طلبت إليّ الوقوف على مسافة أمتار من المنزل. يبدو أنها لم تشأ لطفلٍ في مثل سنّي أن يستمع إلى حديثها مع طليقها الذي ذهبت إلى بيته من أجل أمر خاصّ ما. كنا نسمع في الحيّ عن مشاكل ما بعد الطلاق حولها. زوج سابقٌ معاند، ومطلّقة لم تتسوَّ أمورها معه. قصصٌ كثيرة حدثت وتحدث على هذا النحو، في حياتنا كل يوم.
وقفتُ حيث طلبت إليّ. خرج الرجل من المنزل وراحت تخاطبه في أمرٍ لم أفهمه. كنتُ أراقب فحسب. حاولت التلصُّص لفهم الموضوع، لكنني لم أفهم شيئاً، سوى تصاعد “الحوار” إلى “جدال”، ثم انفعال، ثم صراخ، ثم تجريح بالكلام القاسي. كنتُ طفلاً في التاسعة أو العاشرة، ومع تصاعد وتيرة “المواجهة” تسلّل الرعبُ إليّ. ربما لم أكن خائفاً شيئاً قدر خوفي من العودة وحدي إلى حيّنا في ظلام الليل.
كلمةٌ من الرجل، مقابل كلمة من المرأة.. وعيناي شاخصتان عن بُعد. ثم تسارع كلُّ شيء عند باب بيت الرجل. الضوء خافت جداً، لكنّ الوحشية كانت واضحة.. هي تصرخ، وهو يضرب، هي تدعو وهو يواصل الرفس والضرب بـ “جُمْع” يده على ظهرها ووجهها.. ثم رأيته بعينيّ يحملُ حجراً أكبر من كف يده، و “صقعها” به أعلى صُماخها الأيسر.. يبدو أن الضربة أنهت المعركة السريعة..!
الذي أتذكّره أنني رافقتها في العودة، وسط الطريق شبه المظلم، وهي تبكي و “تتحسّب”. لا أتذكر أن دماً سال منها. لكنها كانت مكسورة تماماً، وكنتُ حانقاً حاقداً على ذلك الرجل.. وصامتاً.
وصلنا إلى بيتها. جاءتها نساء الحيّ يواسينها، وهي تعيد قصة ما حدث لكل امرأةٍ تأتي..!
انطفأت سنواتٍ طويلة جداً على ما حدث. وصورة تلك السيدة المكسورة تحضرني؛ كلما مرّ اسمها، أو اسم ابنها، أو ابنتها.
ما أقسى أن تصنع الحياة قسوةً أشد.