حمام أبو لوزة في القطيف.. حين ينهض الحظ الحلقة الثالثة

عدنان السيد محمد العوامي

نَزين المعالي وَالحظوظُ لغيرنا

كَأَنا – لمن زفت له كف – ماشط

حسن حسني الطويراني

وما هو إلا الحظ ينبح ضيغم

ويزْأرُ نبّاحٌ إذا قام بختُه

محمد بن حِمْيَر الهمداني

هو الحظ عَير الوحش يستاف أنفه

خزامى وأنف العَوْد بالعُود يُخزَم

أبو العلاء المعري

كان المفترض أن أقفل هذا الموضوع عند الحلقة الثانية الماضية، لكن ما وجدته من شدة الاهتمام بهذا الحمام، وكثرة ما كتب عنه في أمهات الصحف، والمواقع الإلكترونية، أغرتني بتتبعها والإضاءة على ما فيها من أغلاط؛ فهلم بنا نقرأ:

أولا: القطيف – عبير جابر، صحيفة الشرق الأوسط، العدد: 9701، الاثنيـن 13 جمـادى الأولـى 1426هـ، 20 يونيو 2005م([1])، كتبت تحت عنوان: أبو لوزة.. عين (ناضبة وحكايات خالدة): «. . .تقع هذه العين في بلدة البحاري على الطريق العام المؤدي إلى العوامية وصفوى، وعند أطراف حاضرة القطيف، وبجانب نخيل ومزارع بلدة القديح».

التي تقع على ذلك الطريق، هي بلدة البحاري نفسها، وأما العين الناضبة فموقعها في سيحة([2]) البحاري، وليس بلدة القديح، ويبعدها عن الطريق العام المؤدي إلى العوامية وصفوى الطرف الشرقي من نخل العقباني الذي تقع فيه العين، ثم مقبرة الحباكة (الخباﮔـة)، وفريق (حارة) المزيرع، ومساحة من لا يستهان بها من النخيل، ثم فريق الوسادة، وتقدر المسافة بكيلو متر على أقل تقدير.

 «أقام الأهالي فوقها حماماً بات يعرف بـ «حمام أبو لوزة”، ومثله كان هناك حمام تاروت وحمام عين بدي بالأوجام».

سبق القول – في الحلقة الماضية- إن حمام تاروت مستطيل الشكل، ومبنيُّ بالجص والحجر، وسقفه مسطح، ومن خشب الكندل (الـﭽـندل)، والباسـﭽـيل (القصب، أي البوص)، ولعل علة عدم استخدام جذوع النخيل في سقفه عدم تحمل الجذوع للرطوبة لعامل التبخر. وأما عين بِدِّي، أو مِدِّي حسب تسمية أهل الآجام (هذا هو اسمها الصحيح، وليس الأوجام) فهي مكشوفة، وليس عليها بناء، فأين الصلة بينهما وبين حمام أبو لوزة؟

«بلدة البحاري الصغيرة التي ينسب اسمها الى البحار جمع بحر؛ لعمل أهلها قديماً في البحر وصيد الأسماك».

رأي طريف، لكنه غريب، فكل قرى القطيف كان أهلها يعملون بالبحر؛ سواء في النقل البحري، أو الغوص على اللؤلؤ، أو صيد السمك بشتى صنوفه ومختلِف أدواته ووسائله، فلماذا خصصت هذه البلدة دون سواها بهذه التسمية؟ حسب علمي القاصر أن أسماء الأماكن ضربان: ضربٌ منقول؛ إما من الهيئة؛ مثل الدوحة، وهي نصف دائرة من البحر داخل في البر، شبَّهوها بالدَّوحة، وهي الشجرة العظيمة، والزَّوْر، وهو نصف دائرة من البر داخل البحر تشبه زَوْر الإنسان؛ كبلدة الزَّور بجزيرة تاروت، ورأس الزور (حاليًّا رأس الخير)، وكذا القرن، وهو أعلى الجبل شبَّهوه بقرن الحيوان لبروزه، مثل القرين وموقعه بين الجش وسيهات في القطيف، وكبلدتي القرن والقرين مصغرًا في الأحساء، والقرين (الكويت قديمًا)([3])،  ومثله الخشم؛ أي الأنف، مثل: خشم العان شرقي الرياض، والجبل، كجبل الظهران، كما كان يسمى قديمًا، والجبيل مصغرًا، وقرية العوامية، وهي منقولة من اسم الحسن بن العوَّام([4])، والضرب الثاني، هو المرتجل، وهو ما لم يسبق له استعمال قبل العلَمية في غيرها([5])، أي ليس منقولاً من شيء سابق له، فالبحاري اسم مرتجل كغيره من أسماء قرى القطيف، كالتوبي، ودارين.

«وإلى الشمال منه مباشرة تقع مقبرة القطيف العامة المعروفة بـ(مقبرة الخباقة). . . ».

موقعه الصحيح يقع في الثلث الشرقي – تقريبًا – من الضلع الجنوبي من نخل العقباني، ويعادل نطاقه من الشمال الركن الشرقي الشمالي من النخل، وكان قديمًا “فدآء” للتمور([6])، تليه مقبرة العابدات، ثم مسجد العابدات. (أدمجت هذه المقبرة – أخيرًا – في مقبرة الحباكة، وضم إليهما الطريق الذي كان يفصل بينهما)، وإلى الشمال من مسجد العابدات امتداد نخيل سيحة البحاري، وفيها عين البشري ومسجدها، وإلى الشمال منهما مغتسل الموتى القديم، ثم مساحة فسيحة من النخيل كلها تقوم فاصلاً بين الحمام والقديح، والذي يصح أن يقال قرب القديح هي عين الرواسية، وهي البديل الشرعي للحمام لجميع الفئات والطبقات في فصل الصيف، لأن ماءها – كباقي عيون القطيف – بارد صيفًا، دافئ شتاء.

مسجد العابدات هذا يعود تاريخ بنائه إلى منتصف القرن الثامن الهجري، فقد عثرتُ – قرب ضلعه الشرقي – على لوح من الطين الجيري كتب فيه أنه شيد في عهد السلطان قطب الدين تهمتن، فسلمته للدكتور علي المغنم، مدير المتحف الإقليمي بالدمام آنذاك، وقد كتب عنه الأخ الآثاري الأستاذ محمود يوسف الهاجري تقريرًا ضافيًا تحت عنوان: (شاهد أساس بناء مسجد بالقطيف في القرن الثامن الهجري)، جاء فيه: إن اللوح وجد  في مقبرة (الحباكة)([7])، وهذا اشتباه منه، فاللوح وجدته بجوار مسجد العابدات، كما ذكرت،  كما أنه لم يشر إلى اسمي؛ مما يشي بأنه وجده غفلاً من اسم من عثر عليه. ما يجعل لهذا الاشتباه شأن أن مقبرة الحباكة كان بها مسجدان أحدهما داخلها في الطرف الجنوبي منها، والثاني ملاصق لها من الشرق يسمى (مسجد الزهراء).

«وسبق أن قامت بلدية القطيف بمحاولة لإحياء (حمام أبو لوزة) عبر ترميمه من التصدعات والشقوق، لكن عملية الترميم أثمرت عن صيانة الحمام، وتلييسه من الداخل والخارج، لكن ذلك أدى لإدخال عناصر على بناء الحمام الأثري غير متوافقة مع طابعه القديم».

ينبغي أن يوجه هذا الاتهام للفقير لعفو ربه كاتب هذه السطور، فأنا من قام بترميمه عام 1401هـ، إبَّان عملي في بلدية القديح، وقد ألمحت إلى ذلك في الحلقة السابقة، ويحسن هنا أن أعطي تفصيلاً أكثر، فقد كان في جوف العين كميات لا تصدق من الردوم، وهياكل السيارات، والدراجات، والإطارات، والأخشاب، كما لو كان مكبًّا للنفايات، ولعدم توافر الأيدي العاملة والتجهيزات في البلدية؛ أسندت أعمال الترميم للمقاول الحاج حسن بن حبيب آل سليم (أبي فرج)، وعملية الغوص استأجرت لها آخر الغواصين، وهو الحاج سلمان يتيم (رحمه الله)، من بلدة القديح، ليوم واحد، وبسبب ارتفاع أجرته اليومية استبدلته بغواص من “شركة القصيبي للغوص والأعمال البحرية الفنية”، ولم نستخدم في الترميم غير الجص، وأحجار الحمام القديمة، لكن – حسب ما علمت من الأخ الأستاذ الآثاري نزار عبد الجبار، إن بلدية القديح أضافت لمباني الحمام مبنًا آخر وسلَّمًا في ركنه الشمالي الشرقي، وقد أزالته هيئة التراث، والظاهر أن البناء تم بعد تقاعدي.

«قام بإنشائه بناؤون محليون واستخدموا المواد التقليدية المستعملة في تشييد المباني آنذاك مثل الحجر البحري والجص وجذوع النخيل. . . ».

أجبت – في أكثر من مناسبة – بأن الحمام لم يدخل في بنائه غير الجص والحجر.

 «ولعلّ هذه العين سُمّيت بهذا الاسم بسبب وجود شجرة لوز بالقرب منها مباشرة، وهو أمرٌ معروف لدى أهالي المنطقة. . . ».

هذا الاحتمال أسندته للأستاذ الباحث الأخ عبد الخالق الجنبي، ومع إكباري للأخ الأستاذ الجنبي إلا أن لي تحفظًا عليه؛ فالحمام – كما قال الأستاذ الجنبي – «بُني – في الأصل – فوق فوّهة عين كانت تحمل الاسم نفسه، أي عين أبو لوزة»، ولو صحت التسمية لكان الأولى بحمل اسم اللوز هي عين القصَّاري؛ إذ إن بلصقها من الجنوب نخل السبَّاعي المشهور بكثرة شجر اللوز.

«أما تاريخ تشييد البناء فيقول عنه بعض المؤرخين انه يعود إلى الدولة السعودية الثانية حيث أمر ببنائه القائم على أحوال القطيف مهدي بن نصر الله المتوفى سنة 1281هـ، في عهد الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله الذي حكم خلال فترتين 1250 ـ 1254 والفترة الثانية 1259 ـ 1282. . .».

أجبت – في الحلقة الماضية -أن أحدًا من آل نصر الله لم يتولَّ على القطيف في أي دور من أدوار الدولة السعودية، سوى الحاج عبد الله بن نصر الله؛ تولى إدارة أملاك الدولة، ثم عمدة القلعة في عهد الملك عبد العزيز (رحمه الله).

«وضم الجنبي رأيه لرأي الباحث المسلم “في أنّ هذا الحمام ربما يكون -كما قال- أبعد من العهد العثماني بكثير، معتبراً أنه “قد يرجع إلى القرنين الثالث والرابع في عهد القرامطة، أو القرنين الخامس والسادس في عهد العُيونيين الذين حكموا هذه المنطقة وبنوا فيها الكثير من القلاع والحصون والحمامات، ومنها حمام في قرية البطالية الأحسائية، وهو الحمام الذي بناه أبو سعيد الجنابي مؤسس دولة القرامطة في هذه المنطقة . . .».

الحديث عن القلاع والحصون ذو شجون وشعب؛ وقد سبق أن كتبت عنه مقالاً بعنوان (قلاع البرتغاليين في الخليج بين الحقيقة والخيال([8]))، واختصارًا أقول: أن الجزيرة العربية عَرَفت القلاع والحصون منذ القدم، ومن أشهرها الأبلق بتيماء، وهو حصن بناه السموأل بن عاديا (ت: 560م)([9])، وحصن خيبر، أدخله النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في حوزة الإسلام في السنة السابعة للهجرة (629م)، فالقلاع والحصون أقدم من القرامطة بكثير، وإن كان لهم أو لغيرهم دور فهو ترميمها([10])، وأما بناء أبي سعيد الجنابي لحمام أبي لوزة فيحتاج إلى دليل يوثقه، فما ذكره المسعودي المعاصر للقرامطة بالنص: «. . . وسبب فتك الخادميين الصقليين الذي كان أخذَهما حين واقع بدر المحلي، وكان جاء من عمان لقتاله، وكان اصطنعهما فقتلاه في الحمام سنة 300هـ، وعدة من خواص أصحابه من القطيفيين معه، وهم حمدان وعلي ابنا سنبر، وبشر وأبو جعفر ابنا نصير، وهما خالا ولد أبي سعيد المعروف بابن جنان، ومحمد بن إسحاق، وكانت مدة أبي سعيد مذ ظهرت دعوته بالقطيف وافتتح سائر مدن البحرين وآخرتها هجر إلى أن قتل؛ سبعًا وعشرين سنة»([11]). فمن ذا الذي يجزم بأن هذا الحمام، حصرًا، هو حمام أبو لوزة لا سواه؟ ما أرجحه – ترجيحًا لا أحيد عنه إلا بدليل – أنه قتل في حمام بيته، فالخادمان هما خادماه، يسكنان معه في قصره، ووجود الحمام في قصور الحكام والملوك أمر معروف حد الشهرة. فاحتمال اغتياله في حمام قصره غير بعيد.

«ويأتي تصميم الحمام على طراز الحمامات التركية التي عرفت انتشاراً في حقبة الحكم العثماني في بلاد الشام والعراق. مع العلم أن بناء الحمامات كان سائداً منذ عهود إسلامية سابقة لفترة الخلافة العثمانية حيث استمدت أصولها من فترات قبل الإسلام.

نعم. هذا هو الأرجح، فالمعروف أن المعماريين المسلمين اقتبسوا طرُز القباب من الأتراك، ورثة البيزنطيين، وأول قبة في تاريخ الإسلام هي قبة الصخرة، شيدها – على ما ينقل – عبد الملك بن مروان([12])، ثم إن آخر عهد القطيف بالعثمانيين يوم أجلاهم الملك عبد العزيز (رحمه الله) منها في الأسبوع الأول من جمادي الثانية سنة 1331هـ، فغير بعيد أن أحد ولاتهم هو من شيده.

ثانيًا: جريدة الوطن، القطيف: فاضل التركي الأربعاء 11 مايو 2011م، 8 جمادى الآخرة 1432هـ([13]).

«حمام أبو لوزة”..تراث معماري عمره 11 قرنًا، وينتظر من “يغسل” أوجاعه”

«حمام أبو لوزة الذي تم بناؤه على طراز الحمامات التركية، يرجع إلى القرن الثالث الهجري في عهد القرامطة، بحسب باحثين في مجال التراث والتاريخ».

سبقت الإجابة عليه أعلاه.

ــــــــــــــــــــ

([1]) الرابط:

https://tinyurl.com/a82znu7j

([2])السيحة في اصطلاح الفلاحة في القطيف، تعني مساحة من بساتين النخيل ترتفق من عيون بلدة معينة.

([3])ما زال هذا الاسم تحمله منطقة القرين بالكويت.

([4])العوامية تاريخ وتراث، زكي علي الصالح، دار كنوز الأدبية، بيروت، الطبعة الثانية، 1418هـ، 1998م، ص: 11 – 12. 

([5])شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، دار القلم، بيروت، الطبعة الأولى، 1408هـ، 1987م، جـ1/106. 

([6])الفداء عند اهل القطيف: أنبار التمر، كالبيدر. محيط المحيط. 

([7]) شاهد أساس بناء مسجد بالقطيف في القرن الثامن الهجري، محمود يوسف الهاجري، مجلة الواحة، العدد: 18، الربع الثالث 2000م، ص: 6، والرابط:

https://tinyurl.com/ddnv76bk

([8])نشر في مجلة الواحة، العدد العشرون، الربع الأول، عام 2001م.

([9])المنجد في الأعلام.

([10])للتوسع ينظر: صفة بلاد اليمن ومكة وبعض الحجاز، المسماة تاريخ المستبصر، ابن المجاور، راجعه ووضع هوامشه ممدوح حسن محمد، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1996م.

([11])التنبيه والإشراف، علي بن الحسين المسعودي، عني بتصحيحه وراجعه عبد الله إسماعيل الصاوي، دار الصاوي للطبع والنشر والتأليف، القاهرة، د. ت. ص: 341 – 342.

([12])انظر: موسوعة المورد، منير بعلبكي، دار العلم للملايين، الطبعة الأولى، 1980م. جـ3/210.

([13])الرابط:

https://tinyurl.com/5n95jsc6

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×