لهجة القطيف العامية من الشعر الفصيح: حرف الجيم [3]
الجازرة
الجازرة: المنجنون، أو الدولاب، وفي الشام تسمى: الناعورة، وهي آلة السقي، كان استخدامها مقصورًا في جزيرة تاروت، ويستقى فيها بالثور، جمعها جوازر، وجوازير: قال ناصح الدين الأرجاني:
فثارَ الضِّراءُ وطارَ الصُّقورُ
وحَنَّ السَّراءُ ورنَّ النَّشَم
وملَّتْ جَوازِرُ أفْواهِها
سَواطيرُها وبَراها الوضَم([1])
السواطير، جمع ساطور، آلة معروفة من حديد، يقطع بها الجزار اللحم، وستأتي، والوضم: خشبة الجزار، يقطع عليها اللحم، وستأتي.
جابية
الجابية: حوض يجعل في طرف الكندوج (الچندود)، يجتمع فيه الدبس، وفيها يقول الأعشى:
وَأَمّا إِذا ما أَوَّبَ المَحلُ سَرحَهُم
وَلاحَ لَهُم مِنَ العَشِيّاتِ سَملَقُ
تَرُوحُ على آلِ المُحَلَّق جَفْنَةٌ
كجابيَة الشَّيْخِ العِراقيِّ تَفْهَقُ([2])
تفهق: تمتلئ، ومه قول لبيد بن ربيعة العامر:
وَضَحَت بِالحَيزِ وَالدَريمِ
جابِيَةٌ كَالثَعبِ المَزلومِ([3])
الجباب
هذه الكلمة لا تدخل في منهجي في هذا البحث، فهو مقصور على ما دخل في الشعر من الألفاظ الدارجة في عامية أهل القطيف، فقط، وهذه اللفظة لم يرد فيها شعر، لكني أحببت التنبيه على فصاحتها، بقصد الاستنارة برأي القارئ في رأيي المتواضع فيها، فمعناها في القطيف: أنغام عالية تؤدَّى في حفلات الأفراح، تطلق من الحنجرة، فيما تحرك باللسان، وأوردتها المعاجم مخففة الباء، ومعناها فيها: >الجباب تَلْقِيحُ النَّخْلِ، جَبَّ النَّخْلَ: لَقَّحَهُ، وزَمَنُ الجِبَابِ: زَمَنُ التَّلْقِيحِ للنَّخْل، وعن الأَصمعيّ: إذا لَقَّحَ الناسُ النخيلَ قيل: قد جَبُّوا، وقد أَتانا زَمَنُ الجِبَابِ، قال شيخُنا: ومنه المَثَلُ المشهورُ: “جِبَابٌ فَلاَ تَعَنَّ أَبْراً”. الجِبَابُ: وِعَاءُ الطَّلْعِ جَمْع جُبٍّ، وجُفٌّ أَيْضاً، والأَبْرُ: تَلْقِيحُ النَّخْلِ وإصْلاَحُهُ، يُضْرَبُ للرَّجُلِ القَلِيلِ خَيْرُه، أَيْ هُوَ جِبَابٌ لاَ خَيْرَ فِيهِ وَلاَ طَلْعَ، فلا تَعَنَّ، أَيْ لا تَتَعَنَّ، أَي لا تَتْعَبْ في إصْلاَحِهِ<، (انظر: تاج العروس).
إن من عاصر زمن عزِّ النخلة، ومجدها الباذخين، يتذكر صخب ذلك الجباب يتصادى من أعالي النخيل في موسم اللفاف (زمن تأبير النخيل، أي تلقيح الطلع ولفِّه بالليف، خوفًا عليه من الجراد )، فلا يبعد أن يكونوا توسعوا في التسمية، فسموا التغريد بهذه الكيفية جبابًا، على عادة العرب في تسمية الشيء بمتعلقه. مجرد رأي لا أقطع بصحته، لكني أراه.
جزّ
جَزَّ الصُّوفَ والشَّعرَ والحَشيشَ والنَّخلَ والزَّرعَ يَجُزُّه جَزَّاً وجَزَّةً بالفتح فيهما، وجِزَّةً حَسَنَةً، بالكسر، هذه عن اللِّحيانيّ، فهو مَجْزُوزٌ وجَزيزٌ: قَطَعَه، كاجْتَزَّه، وخصّ ابنُ دُرَيْد
به الصُّوف والنخلَ، ذكره ابنُ سِيدَه. والزَّرع ذكره الزَّمَخْشَرِيّ. أنشد ثعلب والكسائيّ
ليَزيد بن الطَّثَرِيّة:
فقلتُ لصاحبي لا تَحْبِسَنَّا
بنَزْعِ أُصولِه واجْتَزَّ شِيحا
ويُروى: واجْدَزَّ؛ وهكذا أنشده الجَوْهَرِيّ له، وذكره ابنُ سِيدَه ولم يَنْسُبْه لأحدٍ بل قال:
وأنشد ثعلب، قال ابنُ برّيّ: ليس هو ليَزيد، زاد الصَّاغانِيّ: وليس ليَزيد على الحاءِ
المَفتوحةِ شِعرٌ، وإنّما هو لمُضَرِّس بنِ ربْعيٍّ الأسَديّ، وقبله:
وفِتْيانٍ شَوَيْتُ لهم شِواءً
سَريعَ الشيِّ كنتُ به نَجيحا
فطِرْتُ بمُنْصُلٍ في يَعْمَلاتٍ
دَوامي الأيدِ يَخْبِطْنَ السَّريحا
فقلتُ لصاحبي لا تَحْبِسَنّا
بنَزعِ أُصولِه واجْتَزَّ شِيحا
(تاج العروس)
وكل هذه المعاني معروف في القطيف، فمن أمثالهم: >اللي ما يرضى بجزَّة، يرضى بجزة وخروف<، يضربونه لمن لا يرضى بشيء، ثُمَّ يرضى بما هو أدنى منه. ومما جاء منها في الشعر قول جران العود:
وما تستطيعُ الكحلَ من ضيق عينها وإن عالجته صارَ فوقَ المحاجرِ
وفي حاجبيها جزَّةٌ لغرارَةٍ
فإن حُلِقا كانا ثلاث غرائر
وثديان إمَّا واحدٌ فهو موزةٌ
وآخر فيه قربةٌ لمسافرِ
وقول الفرزدق:
أَتُرتِعُ بِالأَمثالِ سَعدُ بنُ مالِكٍ
وَقَد قَتَلوا مَثنىً بِظَنَّةِ واحِدِ
إِذا راحَ رُكبانُ الصَليبِ دَعاهُمُ
بِبُرقَة مَهزول صَدىً غَيرُ هامِدِ
فَلَم يَبقَ بَينَ الحَيِّ سَعدِ بنِ مالِكٍ
وَلا نَهشَلٍ إِلّا دِماءَ الأَساوِدِ
إِذَن، فَأَصابَتكُم مِنَ اللَهِ جَزَّةٌ
كَما جَزَّ أَعلى سُنبُلٍ كَفُّ حاصِدِ
وقول سليمان البستاني:
ما بُلِّغا رَفعَهُ إِلّا بِجُهدِهِما
مِن صَفحَةِ الأَرضِ حَتّى يَبلُغَ العَجَلا
لَكِنَّ هَكطورَ يَرجوهُ بِغَيرِ عَناً
إِذن فأَذهَبَ عَنهُ كُلَّ ثِقلَتِهِ
نَظيرَ جزَّةِ كَبشٍ خَفَّ مَحمَلُها
هَيهاتِ في راحَةِ الراعيِّ تُثقِلُها
([1])ديوان، المقع نفسه، الرابط: https://goo.gl/owoc4Q.
([2])ديوانه، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1404هـ 1983م، ص: 121.
([3])ذيل ديوانه، دار صادر، بيروت، د. ت. ص: 229.
[يُتبع غداً في الـ 8 صباحاً]