مع العظيم علي..!
حبيب محمود
يُربكني عليٌّ ثلاث مراتٍ في العام. في رجب حيث وُلد، ورمضان حيث ارتقى، وفي ذي الحجّة حيث يتراكم التأويلُ على التأويل.
وعليٌّ مُحرِجٌ، جدّاً، حدّ إرباكِ من أحبّه وعبده ومن شنأَهُ وناوأه، معاً، في سلّة تضادّ عجيب..!
(2)
مُربِكٌ لعليٍّ ذاته؛ أن يجد نفسه معبوداً من دون الله. فينهى عابديهِ عن عبادته، ويزجرهم، ثم يُحرِّقهم وهم يُسبّحونه. إن صدق التاريخُ في هذه الدعوى* ؛ فإن الأزمة ليست في تأليه بشرٍ فحسب؛ بل في كينونة هذا البشر الذي تخالط الحقُّ والباطلُ في تشخيصه، حتى استحال الإعجابُ وهماً جامحاً لا يكبحُه حتى عليٌّ ذاته..!
حتى عليٌّ يفشلُ في إقناع مؤلّهيه بأنه ليس إلهاً..!
(3)
ومربِكٌ لعليٍّ ذاته أيضاً؛ أن يواجه القبيلةَ، عينها، التي واجهها النبيُّ والإسلامُ لمّا يستحكِم أموره. مُربِكٌ أن يقاتل قُريشَ** على “التأويل”، كما قاتلها النبي على “التنزيل”. ثمّ يُربكك عليٌّ على نحو أشدَّ حين لا يغادر التفسير لأحد؛ فيتولّى ـ هو بنفسه ـ توصيف من كفّره من محاربيه: “إخواننا بغوا علينا”..!
حتى عليٌّ المُكَفَّرُ؛ لا يُكفِّرُ مُكَفِّريه…!
(4)
ومُربكٌ لعليٍّ عيناً؛ ألاّ يبرعَ في “فنّ الممكن”؛ إلا حين يتصل الأمر بـ “بيضة الإسلام”. منذ كعبة مكّة حتى محراب الكوفة؛ تصلَّبَ لقناعةِ اجتهاده وحده. على أنّه اعترف ذات شقشقة “ولكنني أسففتُ إذ أسفُّوا وطرتُ إذ طاروا”. ولهذا المجاز حقيقةٌ أعمقُ من نار التأويل التي تُجَرُّ جرّاً إلى أقراص المتجادلين..!
مُربكٌ لنا جميعاً هذا الـ “عليّ” الذي عُبد وكُفِّر، خُلِّفَ وأُمِّم، شُيِّعَ وسُنِّن، تقاسمه المتناحرون، عبر التاريخ، وجرَّه كلٌّ منهم إليه مُقصياً خصمه عنه..!
مُربكاً جداً، جداً جداً.
——–
*وردت قصة التحريق، على الأقل، في حديثين من صحيح البخاري عن عكرمة مولى عبدالله بن عبّاس.
** للدكتور علي الوردي في “وعاظ السلاطين” رؤية عميقة لقبيلة “قريش” بوصفها المعضلة الأولى التي واجهها الإسلام منذ نشأته.