الثوابت والمسلمات خط أحمر..!

علي آل سيف

كثير من الناس يسمع رأياً معينا من عالم ما فيُخيل له أن هذا الرأي وحي منزل لا يمكن أن تناله يد التخطئة والنقد، وحينها فليس لك أن تناقش هذا الرأي بموضوعية وتروٍّ، فالأمر قد حُسم والجدال في ذلك خسران مبين؛ فكيف يمكن الخوض في أمر أمسى بين ليلة وأخرى من المسلمات والثوابت؟!

والحال أننا لو استثنينا الضروريات الدينية الاعتقادية كالاعتقاد بوحدانية الله تعالى ذكره، ونبوة النبي صلى الله عليه وآله؛ على سبيل المثال لا الحصر، واستثنينا كذلك الضروريات الدينية الفرعية من قبيل كون الصلاة اليومية خمساً وكون الصيام في شهر رمضان المبارك؛ فسوف نرى أنه لا توجد مسألة من البواقي إلا وقع فيها الخلاف بين المذاهب الإسلامية، بل بين علماء المذهب الواحد.

وعليه لا يمكن تصنيفها وإدراجها تحت بند الثوابت والمسلمات التي لا يجوز المساس بها والاقتراب منها، وإلا لخرج القائم بذلك من ربقة الدين الحنيف والشرع الشريف، مع لحاظ أن الثوابت والمسلمات عنوان فضفاض ولعل بعضهم يتعمد تعويمه كي يستهدف من لا يُرضيه عند الحاجة لذلك.

وأكثر ما يستتبع سخط القوم هو الحديث في علمي الفقه والأصول عمدة الدراسات الدينية.

ولكن ليت الأمر توقف عند الفقه وأصوله، وإن كنا لا نقبل حتى هذا المقدار فإن لم يجتهد الطالب في الفروع فأين يجتهد؟!

ولا يخفى أن المعاملات فيها فسحة للاجتهاد قد تفوق العبادات، وأما الأصول فاجتهاد في اجتهاد في اجتهاد، سواء تحدثنا عن الدليل الاجتهادي أم تكلمنا في الدليل الفقهي.

وقومنا انتقل الداء عندهم حتى إلى العلوم الأخرى فليس لك الحديث في  علمي المنطق والفلسفة مع أنهما نتاج بشري، وليس لك الحديث في علم النحو مع أن اختلاف المدارس النحوية أُشبعت به الكتب نقضاً وحلاً وإشكالاً ورداً.

وليس لك الحديث في علم البلاغة مع أنه اجتهاد في فهم الإعجاز القرآني. وليس لك الحديث في علم الصرف لا في قياسياته ولا في سماعياته. وليس لك الحديث في علمي الرجال والدراية مع أنه مجموعة من الاجتهادات…

ولا ولا ولا؛ فالأمر يطول.

بالله عليكم هلّا حدّدتم لنا نطاق الثوابت والمسلمات؟ حتى لا نتجاوز الخطوط الحمراء لا سمح الله فنكون بذلك عندكم أهلاً للغضب ومحلاً للويل.

إن الدين الإسلامي هو دين الحب الذي نستمد منه حب الخير للجميع والسعي لهداية الآخر ما أمكن، فشخصه مقبول وأفكاره مقبولة ما لم يخالف ضرورياً، ولم يعتدِ على الحرمات، ولم يتسبب بإضرار نفسه أو غيره.

والرأي العلمي حق من حقوق الفرد المستهدي بالقرآن والحديث والبرهان، وإلا إذا بقي الإنسان يدور في حلقة التقليد فما هي الحاجة إلى المؤسسات والمعاهد الدينية..؟

فاللازم عليها أن تغلق؛ لأن مجتمعنا لا يقبل مخالفة المشهور وإن كان غير المشهور هو لسان الدليل الحجة فرُبّ مشهور لا أصل له.

وعليها أن تغلق لأننا، خوفاً من ردة فعل المجتمع، أغلقنا باب الاجتهاد والنظر عنوة وعليها أن تغلق لأنّنا قد ركنّا عقولنا لدى الغير وأصبحنا نسير كالآلة والروبوت.

إننا بحاجة إلى الاتصاف بالروح العلمية الرياضية في تقبّل الاختلاف، فاختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، كما قيل. ولا يخفى على أحد ما للفرقة من أثر في الشحناء والبغضاء، أجارنا الله من ذلك.

أسأل الله العلي القدير أن يلمّ الشمل ويجمع الكلمة إنه سميع مجيب.

وصلى الله على نبيه وآله وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com