العرضة في القطيف.. حماسة الحرب في أوقات السلام دارين هي الأبرز.. والبادية أكثر اهتماماً.. ولم تكن تخلو منها قرية
القطيف: شذى المرزوق
70 عاماً أو أكثر، لم تمح من الذاكرة تفاصيل وطقوساً جميلة، عاشها أهل القطيف في العيد، تحكي مشاهد من موروث الماضي، ومن هذه الطقوس، الاحتفال بالعيد، من خلال رقصة العرضة، التي كانت عنواناً للترابط الاجتماعي والتعبير عن الفرح والسعادة.
ومع مرور الزمن، خفت وهج تلك الطقوس، وأصبحت قليلة الحضور في ساحات الاحتفالات بالعيد القطيفي، كما هي حال العرضة السعودية، التي كانت حاضرة بقوة في المناسبات الاجتماعية السعيدة، قبل أن تتحول إلى موروث فني ثقافي، تُؤدى في المناسبات الخاصة، مثل المهرجانات والاحتفالات الوطنية.
عرضة الجبيل
عرضة السيف
ووفقاً لرئيس لجنة التراث والأدب الشعبي في فرع جمعية الثقافة والفنون في الدمام خالد الخالدي، فإن “تاريخ العرضة الساحلية عريق، امتد إلى قرون، وكانت القطيف في مقدمة المحافظات السعودية، متزامنة بفارق زمني بسيط مع منطقة نجد، التي مارست هذا الفن، باعتباره أحد الفنون الحربية القديمة، التي تثير عزيمة المحاربين، وهم يستعرضون خلالها أسلحتهم، ويظهرون شجاعتهم، وذلك قبل أن تتحول من “أهزوجة حرب” إلى “رقصة سلام” فلكلورية، تؤدى في الأعياد، والمناسبات السعيدة.
العرضة الساحلية
وأكمل الخالدي “فن العرضة يعتبر من أشهر الفنون الشعبية، التي كان يزاولها ويتغنى بها أبناء الساحل القطيفي قديماً، ولذلك سميت بالعرضة الساحلية، وتعد لوناً من ألوان الفن الرئيس في الأعياد والأعراس، يقبل عليها أبناء بني خالد وغيرهم من أهالي محافظة القطيف، حيث نشطت في صفوى وسيهات، ودارين، وسنابس وأم الساهك، فيتجاوبون معها، ويتفاعلون مع أبياتها الشعرية التي تُشعرهم بالحماس والمراجل والنوماس”.
عرضة صفوى احتفالاً باستقلال الجزائر
سيوف ومقاميع
وعن طريقة الأداء، قال “العرضة تتخللها المعقودة، والدوران حيث يدور أصحابها في صفين، يحملون المقاميع والسيوف (المقاميع بنادق تراثية قديمة، وهي صناعة عثمانية)، ويستعرضون بالدوران حول وخلف صفوف العرضة، ويرتدي لاعبو العرضة ثوب المرودن، وهو ثوب شعبي قديم بأكمام طويلة، ويحملون البنادق والسيوف والمحازم، والطوس والطاسة طار (طبل بوجه واحد) على خلاف أهل نجد، الذين يستخدمون طيران بوجهين، ويتوسطهم الشاعر، وأهل الطبول “الردادة” الذين يرددون أبيات الشعر التي يقولها، كما توجد عرضة المشية، وهي تؤدى في زفاف المعرس (الدزة).
اختلاف بسيط
وبين الخالدي أن عرضة المنطقة الشرقية، تختلف عن عرضة أهل نجد ذات الايقاع السريع. وقال “الاختلاف بسيط، حيث أن عرضة الشرقية تُعرف بإيقاعها البطيء، فضلاً عن لحنها الخاص، كما يوجد لحن آخر، وهو لحن رقصة البوادي، الذي يشبه لحن العرضة، ولكن دون طبول أو أي مؤثرات موسيقية، وتشبه العرضة الساحلية للمنطقة الشرقية إلى حد كبير، العرضة في البحرين وقطر، أما الكويت، فتختلف نوعاً ما بسرعة الايقاع”.
ويرجع الخالدي سبب التشابه مع دول الخليج، إلى رابط البحر والبيئة، التي كان لها دورها في إضافة بعض الملامح والأمزجة في العادات والتقاليد.
أداء العرضة في حفل زواج
وفي المنطقة الشرقية، هناك مدن ومحافظات عُرفت بممارستها هذا الفلكلور، عدّد منها الخالدي محافظة القطيف، وأبرزها في عنك، دارين، سيهات، صفوى، سنابس، أم الساهك، وربيعية تاروت، ومن خارج القطيف الجبيل، الدمام، الخبر، رأس تنورة، والأحساء، أما الخفجي والنعيرية فالعرضة فيهما مستحدثة، فيما يمارس أهل حفر الباطن نوعاً آخر من الفنون.
العرضة القطيفية
وقال الخالدي “كانت العرضة تُمارس في دور محددة، فهناك دار واحدة في أم الساهك، ودار في عنك، فيما تعتبر دارين الأبرز في ممارسة العرضة، وصاحبة المركز الأول في التراث الخليجي، وكانت تضم 7 دور، لم يبق منها الآن سوى دار واحدة، مستمرة في رقصة العرضة، ومن أبرز الدور في سنابس، هناك “دار العصافرة”، وفي صفوى دار “بن دهيم”، وفي سيهات نشطت فرقة سيهات الشعبية، التي بقيت تمارس العرضة لسنوات قبل أن تدخل الليوة، وهو أحد الفنون الشعبية الدخيلة على القطيف.
شعراء الخوالد
وعن الشعراء الذين امتازوا بنظم شعر العرضة الشرقية من بني خالد، قال الخالدي “هناك صالح العشير العميري وخالد بن رجا الشويش، وهما من الرعيل الأول، أي منذ قرابة 150 عاماً، وعلي بن حسين المجدع، والشاعر ناصر بن زقم”.
من أعضاء فرقة سيهات: سلمان العيد، على الخرنده، وإبراهيم المشامع
الأرض الفضاء
ويسترجع السيد عدنان العوامي مكان إقامة العرضة في القطيف. وقال “كانت تقام في الأرض الفضاء، أمام مركز الخدمة، وسور القلعة، ثم انتقلت إلى مبنى الجمارك في القطيف والدرويشية”. وأضاف “كونها رقصة شعبية، بدأت بإقامتها في الأعياد والأعراس، ونشطت في الأعراس بشكل كبير، ولكنها انقطعت منذ فترة طويلة بعد أن تم اعتبارها نوعاً من الملاهي، وتم تحريمها”.
تاريخ غير محدد
وتناول العوامي نشأة العرضة وعمرها، وقال “لا نعلم يقيناً متى بدأ هذا الفن، ولكننا نشأنا عليه، وعاصرناه في مناسبات عدة في المحافظة، ويبدو أنها بالغة في القدم، وكانت تمارس في البلدات القطيفية المعروفة بوجود ساحات كبيرة في أرضها تكفي لإقامة العرضة، على عكس القرى المتجاورة والمحاطة بالنخيل”.
عدنان العوامي
وأكمل “اقتصرت ممارسة هذا الفن على بعض الفرق التي اشتهرت به، وأذكر منها فرقة أبو السعود، ولفت هذا النوع من الفنون الذي تستخدم فيه الطبول والمزمار والبوق، الأنظار إليه، إذ كان موجوداً في القطيف منذ خمسينيات القرن الماضي، حتى قبل 30 عاماً مضت، بدليل ما ذكر في أبيات قصيدة أبا البحر الشاعر جعفر الخطي، التي انتقد فيها تلميذه “إعمل لنفسك مثقالاً ومعياراً واسرر أباك، بأن يلقاك عطاراً أو فاتخذ لك سنداناً ومطرقة، واعمل متى شئت سكيناً ومسماراً، حتى وصل إلى “أو فاتخذ لك مزمارًا ودربكة وعش لك الخير طبّالًا وزمّارا”؛ حيث ذكر فيها الطبل والمزمار، كونهما من الأدوات التي كانت تستخدم في الأهزوجات القديمة.
فرقة سيهات الشعبية
استقبال الملوك
وفي صفوى يذكر ياسر الخميس أن “أهالي القطيف استخدموا فن العرضة، كإحدى وسائل الترحيب بالملوك أثناء زيارتهم للمحافظة، مستعيداً ذكرى العرضة الخاصة التي أقيمت في مدينة صفوى بمناسبة استقلال الجزائر، وكان من شعرائها أبو علي مكي بن علي آل خميس رحمه الله.
قصائد ملكية
ومما يذكره من الشعر في استقبال الملك عبدالعزيز:
لا لفى البيرق ودمامه ينوح
والتقى الجمعان واشتد الزحام
جاك أبو تركي على سابق سفوح
شاهرن للسيف بَّرَّاي العظام
ومطلع العرضة في قدوم الملك سعود:
مرحباً ومسهلاً بحرن تعلا
شيخنا اسعود يا مروي ظماه
مرحبا به عد مزن استهلا
نور اديارنا من يوم جاه
ومن قصيدة مكي آل خميس في استقبال الملك فيصل:
الشيخ فيصل رفيع الحظ والشاني
له جموعن خسرها اللي يعاديها
وقال في مطلع العرضة التي كانت بحضور الملك خالد:
طارشي اركب لسابق سريع
خبر اللي ما درى ابحالنا
صير ثابت بالخلا لا تضيع
اقطع الصمان ويا ادهنا
إلى قوله:
اشهد إن خالد إله اسمن رفيع
دامه الله عز في شعبنا
هوه والاخوان حصنن منيع
ويل للي قاصدن حربنا
لافتاً أن هذه آخر العرضات في البلدة
فرقة سيهات
فرقة سيهات
ويذكر أهالي مدينة سيهات الفرقة الشعبية التي مارست فن العرضة، بالإضافة إلى مختلف الفنون الشعبية في ستينات القرن الماضي وكان أشهر مؤسسيها وأعضائها إبراهيم المشامع، وسلمان العيد، علي الخرندة رحمهم الله، وكان آخر عرض لها في أغسطس 1983، وقد بدأت الفرقة تمارس العروض الفنية في الأعياد والأعراس، ومن الفنون التراثية إلى فنون مختلفة في تطور لأدواتها الموسيقية وأشكال عروضها.