الأمل لا يموت.. إيمان الجنبي تتمسّك بالأمومة وتُنجب “رقية” بعد 17 إجهاضاً زوجها حسن يسرد قصة 16 سنة توزعت بين القديح وعنك والرياض والخبر

الجنبي في مقر “صُبرة” بعد عودته من المستشفى

كتب: محرر صُبرة

كانت الساعة تُشير إلى الثانية ظهراً؛ حين وردني اتصال من مستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر.. كان اتصال من “إيمان”.. قالت إنها دخلت ـ الآن ـ غرفة الولادة..!

ارتبك كلُّ شيءٍ حولي. كنتُ في المدينة الصناعية الثانية في الدمام، وقلبي وعقلي وأعصابي.. كل شيءٍ عندي في الخبر.. إلا جسمي..!

أخبرتُ رئيسي المباشر.. فلم يتمهّل.. “روح”.. قالها مباشرة..!

ثم اختفت من عيوني الشوارع والكباري والأنفاق والإشارات.. لم أنتبه لنفسي إلا أمام قسم الاستقبال في المستشفى.. كانت الساعة الثالثة.. قالوا لي “إيمان ما زالت في غرفة العمليات”.. ولا يمكن الدخول إلا عند الساعة 4، حيث وقت الزيارة..!

السطور السابقة لم يكتبها حسن علي عبدالله الجنبي، ولم ينطق كلماتها حرفياً بالتأكيد، لكنّ معانيها نبعت من قلبه فعلاً، حين تحدّث لـ “صُبرة” عن فرحةٍ لم تتأخر 16 سنة فحسب، بل حملت فيها 17 حزناً وفقداً لفلذات كبده.. وهذا الرقم هو المساوي لـ 17 جنيناً خسرتهم زوجته..!

وحين وصل إلى المستشفى، عصر الاثنين الماضي، حمل “رقية” التي صمدت في بطن أمها، 9 أشهر، على خلاف أخوتها الـ 17، وُلدت، لتكون فاتحة الخير.

القصة بتفاصيلها سردها الجنبي، بعد ساعات من ولادة “رقية” في مقر “صُبرة”. جاء إلى المكتب حاملاً ذلك الشعور الذي يحمله أي منا حين ينضم إلى نادي الآباء.. وهو ليس انضماماً عادياً.. بل سبقه 17 امتحاناً مؤلماً و18 أملاً في الله.

حين جلس أمام مكتبي في الصحيفة؛ لم يكن مهتمّاً بخيارَيْ العصير أو الشاي.. أو حتى الماء.. بدا وكأنه يريد أن يحمل مكبر صوت، ليُخبر به كلّ الناس بأنه صار أباً أخيراً.. وأنه حمل “رقية” عصر اليوم..!

ولو يستطيع لشكر ـ أولاً ـ الدكتورة آمال شهاب، بأعلى صوته، عبر مكبّر الصوت..!

أبناء الجنبي الأربعة: علي محمد حسين، جعفر حسين، عبدالله محمد، وحسن علي هو الثالث من اليمين

رابع أربعة

17 حملاً انتهى جميعها بالإجهاض.. حملٌ بعد حمل، وإجهاض بعد إجهاض، ومستشفى بعد مستشفى، وعيادة بعد عيادة، ومحاولة تلو محاولة.. في المنطقة الشرقية والبحرين والرياض.. في ملاحقة حلم لاحقه منذ ليلة الـ 28 من شهر رمضان عام 1428؛ حين كان ابن الرابعة والعشرين ـ وقتها ـ رابع أربعة عرسان من الأسرة المعروفة في بلدة القديح..

تجاور العرسان الأربعة في الحسينية المعروفة بـ “الجعفرية” غرب البلدة. ثم زفّهم الناس معاً وسط التهليل والإنشاد والشموع وماء الورد، كلٌّ منهم زُفَّ إلى عشه، ليبدأ حياته الجديدة.

كان فنّي الكهرباء “حسن” أصغر العرسان الأربعة، وآخر من أنجب منهم، بعد 16 سنة و27 يوماً من ليلة زفافه، في حين لم يمُض أبناء عمه الأربعة أكثر من عام على اللحاق بنادي الآباء.

حمل الأخريات

كما هو مألوف في حياة القرية؛ تسرّبت معلومات عن حمل العرائس الجدد، ولم يكن حمل زوجة “حسن” غريباً، هذا ما كان عليه حال أبناء عمه الثلاثة. استبشر بعلامات الحمل، ونتائج الفحص الطبي، ومثل أي شابّ يتسلل ذلك الشعور بـ “الأبوة”، بمجرد ظهور أعراض الحمل بعد قرابة 6 أشهر من الزفاف.. فرح “حسن” وفرحت زوجته “إيمان” كثيراً حين ظهرت نتيجة فحص مختبر مستوصف جمعية مضر.. شعرا بأنهما مشروع والدين قادم..

لكنّ فرحة “حسن” و “إيمان” سرعان ما انطفأت بعد شهرين من الحمل. إجهاض مباغت أنهى حياة الجنين، وأنهى أول مشروع أمومة.. وأبوّة. حزنت الأم، وحزن الأب.. لكن “البطن اللّي يجيب ما يخيب”.. هكذا تقول الجدّات في القطيف حين يحدث إجهاض. والمعنى أن فرص الحمل موجودة، بدليل حدوث حمل سابق.. لغة الأمل هي ما تعلّق به الزوجان، وهما ما زالا في سنة الزواج الأولى.. سنة العسل..!

تقرير طبي عام 1441

أطفال الأنابيب

لكن يبدو أن “الخيبة” تكررت، في الحمل التالي، فالتالي، فالتالي.. ليصعد القلق مُبرَّراً بما حدث.. هنا بدأت رحلة بحث عن حل للمشكلة.. كانت أطول مدة حمل صمد فيها جنين 7 أشهر، وأقصرها شهر واحد. وهناك 11 مؤسسة صحية راجعها الجنبي وزوجته في البحث عن الأمل.

ولاحت فكرة “أطفال الأنابيت”، ليجرّبا حظهما في البحرين. وبالفعل؛ حدث الحمل رقم 12، لكنّه لم يستمرّ إلا 7 أشهر. وجرّبا حظهما مرة أخرى..!

بعد وصول الحمل إلى شهر الخامس؛ دخلت الزوجة عيادة استشارية النساء والولادة الدكتورة آمال آل شهاب، في مستشفى عنك العام، لتتابع الحمل رقم 13، بعد عملية طفل الأنابيب الثانية. وحسب تقرير طبي صادر في شهر ذي الحجة 1441هـ؛ فقد كان الحمل طبيعياً إلى الشهر الخامس، ولكن الأشعة رصدت تشوهاً خلقياً وانسداداً في الجهاز اللمفاوي.

وبعد أسبوع توفي الجنين، واتضح أن سبب الوفاة هو التشوه الخلقي.. هنا، يذكر الجنبي، أن الدكتورة آل شهاب، وضعت الموضوع في صلب اهتمامها بشكل أكبر من السابق.. تسارعت الإجراءات، بتحويل “الزوجة” إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض “للاستشارة والعلاج”.

 

المشوار الأخير

منذ تاريخ 1 ربيع الثاني 1441 إلى نهاية 1443 حدثت 4 حالات حمل إضافية وجميعها مُنيت بإجهاض أيضاً. .. ليصل مجموع حالات الإجهاض إلى 17، وطيلة هذه المدة؛ توالت مراجعات مستشفى الملك فيصل اسبوعاً بعد أسبوع. وحين حدث الحمل في شهر صفر من العام الجاري 1444؛ تورّد الأمل من جديد، خاصة مع متابعات الحمل بين مستشفى الملك فيصل بالرياض، ومستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر..!

لكنّ متابعة أخرى كانت موجودة في الظل، وتقف فيها الدكتورة آمال شهاب التي بقيت تتابع الزوجة، حتى بعد تقاعدها من العمل في وزارة الصحة.. يقول الجنبي “كانت الدكتورة آل شهاب تتابع زوجتي وكأنها ابنتها.. تسأل وتنصح وتوجه.. وتُطمئنّ وتُطمئنّ.. حتى يوم الولادة كانت معنا عبر الهاتف.. وحين وضعت زوجتي مولودتها؛ فرحت الدكتورة آمال وكأنها تحتفل بولادة ابنتها”..!

لماذا سمّاها رقية..؟

“تيمنّاً باسم السيدة رقية بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، عليهم السلام. فقد حدث الحمل الأخير في شهر صفر، وفي أيام هذا الشهر مرّت ذكرى وفاة السيدة رقية.. فعقدنا النية على هذا الاسم.

من تشكر..؟

أولاً: أشكر الله، فكلُّ شيءٍ بإرادته وفضله ولطفه. ولعلّ أبطأ عني وعن زوجتي هو خيرٌ لنا لعلم الله بعاقبة الأمور.

ثانياً: أشكر وطني الذي وقف إلى جانبنا وسخّر لنا مؤسساته الصحية حتى وصلنا إلى تحقيق الأمل.. ومجّاناً، بما في ذلك تذاكر السفر المجانية.

ثالثاً: أشكر مستشفى عنك العام، ومستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض، ومستشفى الملك فهد الجامعي في الخبر.

رابعاً: أكرر شكري للدكتورة آمال آل شهاب، فقد كانت مفتاح البداية العملية السليمة نحو رحلة علاج زوجتي، منذ أن كانت طبيبة في مستشفى عنك، واستمرّت في الاهتمام بزوجتي حتى الآن، على الرغم من تقاعدها.

خامساً: أهلي، وأصدقائي، وجهة عملي التي تفهّمت مشكلتي وسهّلت عليّ الكثير من المصاعب.