لا ولد أمير.. ولا بنت أمير معيار "الفردانية" في جيل الرؤية ودولة القانون
حبيب محمود
ربما قبل 38 سنة؛ كان يُمكن أن يقول متصيّد إن “سلطان بن سلمان” طار إلى الفضاء لأنه “ولَد أمير”، و “الملك عمه”. والذي تستهويه مثل هذه التأويلات؛ سوف يذهب إلى ما هو أبعد هذا التوصيف. إلا أن المؤكد ـ في كل الأحوال ـ هو أن تلك الريادة العربية سُجّلت باسم المملكة العربية السعودية، دولة وشعباً.
لكنّنا ـ الآن ـ نعرف أن رائد الفضاء علي القرني، ليس “ولد أمير”. وزميلته ريانة برناوي ليست “بنت أمير”. ولم يحصل القرني على شرف تمثيل وطنه لأنه ابن قبيلة، ولم تحصل زميلته برناوي على فرصة مماثلة لأنها ابنة عائلة. كلاهما حصل على شرف الفرصة لأنهما سعوديان فحسب، سعوديان من عامّة الشعب.
وهذا هو المغزى.
معيار الفرص في السعودية الجديدة هو “الفردانية” المرتبطة بالكفاءة والجدارة الذاتية، دون أي روافع أخرى. لا أحد يرفعه عرقه، ولا لونه، ولا منطقته. ما يرفعه هو النجاح والمواطَنة.
هذا المعيار هو ما يربط إعجابنا ـ بين آونة وآونة ـ بمنجزات وطنية يقدّمها أفراد من عامّة الشعب لم نكن نعرف عنهم شيئاً. والسبب أسهل من أن يُفحَص؛ فغاية الدولة التي تريد أن تنجح؛ هي أن تختار الإنسان الأكثر نجاحاً من بين أمثاله الناجحين. وهكذا تتفاضل المواهب والكفاءات وصولاً إلى التمثيل النموذجي.
سرعة التحوّل التي مرّت بها بلادنا أربكت كثيراً منا، خاصة جيلنا الذي اختبر وعايش مصطلحات “الطفرة” و “الخُطط الخمسية”، و “التنمية الشاملة”. وأربكت ـ بشكل أخصّ ـ “شِيّاب” الجيل الذي سبقنا الذي لم ينعُم بـ “براد” التكييف إلا بعد سن الزواج، ولم يُشاهد التلفزيون إلا بعد اخضرار الشوارب..!
على ذلك كله؛ فإن جيل الرؤية هو المسؤول عن المستقبل الآن، فقد نضج على فاعلية “الحكومة الإلكترونية”، ومفاهيم “جودة الحياة”، وها هو يُربّى ـ علناً وعمليّاً ـ على النزاهة في محاربة الفساد. وشاهد بنفسه ـ وهو يتفتُّح وعياً ـ كيف يُقبض على الفاسد أياً كان موقعه. ومثلما يُقاد الموظف الصغير إلى المحاكمة؛ يُعلَن عن القبض على رتب عسكرية عالية “للغاية”، ليُحاكَموا مثلهم مثل غيرهم من الفاسدين..!
بل شهد أبناء الجيل الشاب ـ كما شاهدنا نحن وانصدمنا ـ أمراءَ وكُبراء تحت طائلة مساءلة النزاهة، ليردّوا إلى خزينة الدولة ما “لهفوه” في سنوات الصلاحيات والنفوذ والتواطؤ مع الفاسدين..!
ربما أربكتنا سلسلة التشريعات التي تفاهمت حول كلّ شيء، من القضاء، إلى الأمن، إلى الاقتصاد، إلى الشأن الاجتماعي والثقافي والبيئي، وعلى نحو يستعصي على أبناء جيلنا استيعابها في وقتٍ كافٍ.
بيد أن المحصّلة هي بناء “دولة قانون” تفعل “الأتمتة” فيها الفعل الكافي لتحقيق جودة الأداء وحماية النزاهة، وطمأنة “الفرد” ـ والمجتمع ـ إلى ما له وما عليه..!
من رحم هذا التحوّل المُدهش؛ ولد علي القرني وريانة برناوي “علمياً”، وبمعايير الكفاءة والجدارة خرجا في رحلة إلى خارج الكوكب، ممثّلين للوطن وللعرب والمسلمين.