أسما السعودية.. مواطنة مع تأجيل التنفيذ وُلدت في مصر.. ودخلت المملكة بـ "تذكرة مرور".. وتنتظر الهوية الوطنية منذ 2016
القطيف: أمل سعيد
تواصلت مع الصحيفة، وحضرت إلى مقرّها، برفقة بعض أخوانها السعوديين غير الأشقّاء الذين وقفوا إلى جانبها، مؤكدين انتماءها إلى الأسرة.. وفي مقرّ “صُبرة” سردت القصة، مؤكدة اعتزازها بانتمائها إلى المملكة العربية السعودية، وبفخرها بأنها ابنة وطنين عظيمين، السعودية ومصر، وآملة إيصال صوتها إلى الجهات المعنية، ملتمسة تسريع إجراءاتها التي تأخرت كثيراً، وتسبب تأخرها لها بمتاعب ومشكلات أربكت حياتها كثيراً.. فما هي قصة “اسما” السعودية..؟
ولدت من أب سعودي وأم مصرية، تزوج والداها في أكتوبر عام 1982م في مصر، وبحسب ترتيبها بين الزوجات فقد كانت الزوجة الثالثة. وبعد مدة بسيطة من الزواج عاد الأب إلى موطنه وترك الأم حاملاً في شهورها الأولى، على وعد أن يرجع إليها سريعاً.. لكنّ للقدر كلمة أخرى..
أصيب الزوج في حادث سير أقعده تحت العلاج طويلاً، سنوات لم يغادر المستشفى ولم يكن يستطيع، وما ضاعف وضعه الصحي هو إصابته بجلطة دماغية من تبعات الحادث أعوزته للرعاية الطبية المستمرة، كما فقد ذاكرة الأشخاص والأمكنة.
عقد الزواج في أكتوبر 1982
أثناء هذا الوضع المؤلم؛ ولدت “أسما” في غياب الأب الذي انقطعت الأخبار عنه. كبرت من غير أن يكون لديها هوية. وحين بلغت سن المدرسة ذهبت الأم إلى سفارة المملكة بـ “قسيمة الزواج” طالبة أن يجدوا لها زوجها أو يوجدوا لصغيرتها حلاً، كي تتمكن من إكمال حياتها، وبورقة إقامة من السفارة استطاعت الأم أن تلحق أسماء بالمدرسة.
مضت السنوات واستعاد الأب بعضاً من لياقته الصحية، كما استرد ذاكرته، وبعد مضي أكثر من 10 سنوات عاد إلى مصر وإلى عائلته الصغيرة.
تقول أسما “رأيت والدي لأول مرة وعمري 12 سنة، كم كانت سعادتي عظيمة، أن يكون لي أب كباقي البنات، ألجأ إليه متى احتجته، وأتنعم بحنانه ودلاله”. تكمل “ذهب أبي برفقتي إلى سفارة المملكة لاستخراج أوراق ثبوتية رسمية لي، لكنهم طلبوا استكمال بعض الإجراءات من داخل المملكة، لذا سافر أبي لإنهائها”.
هنا تزفر أسما الهواء من ضيق الذكرى لتكمل “ومرة أخرى عاد والدي إلى السعودية وأصيب بجلطة ثانية حالت دون خروجي من المعضلة التي دخلتها منذ يوم ولادتي”.
طلب القنصلية إلحاقها بالدراسة
الجنسية المصرية
تدهورت حالة الأب الصحية ولم يعد بإمكانه السفر والتنقل، وعلى الضفة الأخرى من البحر الأحمر بقيت صغيرته في انتظاره سنة بعد سنة، إلى أن أنهت دراستها الثانوية وحان موعد التحاقها بالجامعة، وهنا كان لابد من دفع مصاريف الجامعة كونها وافدة ولا تحمل جنسية البلد، لذا اضطرت والدتها إلى استخراج جنسية مصرية لابنتها لتكمل دراستها الجامعية.
ثم كبرت الفتاة، وتزوجت وبارك أبوها زواجها من بعيد. ثم أنجبت طفلها الأول “محمد” وهي بعد لم تحصل على هويتها السعودية.
شاء الله للأب ببعض العافية فسافر إلى مصر مجدداً، من أجل لقاء زوجته وصغيرته التي أصبحت أماً. وما إن وطأت قدماه أرض المحروسة حتى عاود الأمل يشق طريقه إلى قلب “أسما” من جديد “بمجرد أن وصل أبي إلى مصر عام 2011، بادر من فوره في تسوية وضعي وطلب من السفارة تذكرة عبور “جواز عبور لمرة واحدة” لاستكمال أوراقي في السعودية، وقبل أن نستلم التذكرة من السفارة اندلعت ثورة يناير، فاضطربت كل الأمور في البلاد، وأيضاً حالت إرادة الله من إتمام الأمر، واضطرّ والدي إلى العودة إلى السعودية مع إجلاء السعوديين الذي تسببت به الأحداث المصرية”.
تذكرة عبور
ومع تقدم عمر الأب وتوالي الانتكاسات الصحية التي ألمت به، فقد القدرة على المشي نهائياً.
تقول أسما “سلّمت أمري لله، وكدت أفقد الأمل تماماً، فلم يعد بمقدور أبي المجيء إلى مصر ولا الركض وراء الأوراق، إلى أن جاءت أختي ـ غير الشقيقة ـ من السعودية لزيارتي في مصر عام 2016م، وأخبرتني بحال والدنا الصحية، فاتفقنا أن نذهب إلى السفارة لنعرف ما استجدّ بخصوص “تذكرة العبور” التي طلبها والدي قبل 6 سنوات، وتجديدها إن أمكن. والحمد لله تمكنت من الحصول عليها.
حينها سألت الموظفين في السفارة عن المدة المتوقعة لتخليص أموري في السعودية وحصولي على هوية وطنية، فقالوا إن الأمر قد يستغرق أسابيع وكحد أقصى شهراً”.
وبمرارة الذاكرة تُكمل أسما “خرجت مع أختي من السفارة وحين وصلنا البوابة الخارجية قلت لها انتظريني دقائق، وعدت مسرعة إلى الداخل وأعدت على الموظف السؤال نفسه، وزدت عليه: سأترك أطفالي هنا وأذهب إلى السعودية؛ فهل من المؤكد أنني سأحصل على الهوية خلال شهر؟، فأكد لي ذلك، ودعاني إلى عدم القلق”.
طلب شؤون الرعايا الحضور من الأم
ما أطول الشهر
حزمت أسما حقائبها وحزمت معها الكثير من الأمنيات والشوق إلى رؤية والدها وإخوتها، لكن فراق طفليها كان يربك حساباتها.
تقول “تركت طفليَّ وزوجي ووالدتي وكلي أمل أن أعود إليهم قبل أن ينصرم الشهر، لكن ما حدث لي في وطني كان صعباً جداً، فبعد الشهر انتظرت شهراً وشهراً وشهراً دون فائدة”.
في البداية كانت مشاوير الأحوال المدنية تستنزف الأيام والشهور، وبعدما سمعته في السفارة من أن معاملتي تقريباً “خالصة”؛ صرت أسمع أن مشكلتي “صعبة جداً”، طلبوا أوراقاً كثيرة، ومع أنني أراجع مع أخوتي إلا أنهم طلبوا فحص الـ DNA. ومع مشقة الأمر على والدي إلا أنه ذهب معي لعمل الفحص، ورغم ظهور النتيجة إلا أن الأمر لم ينته”.
تكمل “لم يقتصر الأمر على تحليل الـ DNA إنما طلبوا مني صوراً شخصية لأخوتي وأخواتي، وهوياتهم بالإضافة إلى هويات أزواج أخواتي، وشهادة 3 من أخوتي، وموافقة من العمدة، ومع تنفيذ كل الطلبات واستكمال كل الأوراق بقي استخراج هوية وطنية حلماً لم يتحقق، ويبدو أنه بعيد المنال”.
وبحسرة واضحة تضيف “وعدوني شهراً وها أنا أدخل السنة الـ8 وما زلت أدور في أروقة الدوائر الحكومية لأستخرج ورقة تثبت هويتي، ومنذ شهر رجب سنة 1443هـ كلما أسأل عن أوراقي لا يأتيني الرد واضحاً.
كورونا
“بعد أن طال بقائي في السعودية، وساءت حالتي النفسية؛ أصرّ زوجي على أن يأتي إليّ في المملكة لعلّه يستطيع مساعدتي أو التخفيف عني، وفعلاً ترك عمله في مصر وجاء بتأشيرة عمل “سائق”، وشاء الله أن نرزق بفتاة تبلغ اليوم الـ6 من العمر وهي أيضاً تحمل معضلة أمها نفسها. فكوني بلا هوية جعلها بلا شهادة ميلاد، وإن كانت أيام “كورونا” والحجر قاسية على الناس جميعاً إلا أنها كانت الأقسى عليّ وعلى ابنتي، فلا يمكننا الخروج ولا حتى مراجعة المستشفى، إذ ليس لدينا شهادات ثبوتية، ولا (توكلنا)، فكنا لا نستطيع الذهاب إلى أي مكان، ولا إلى بقالة في الشارع الذي نسكنه”.
تكمل “وبقيت هكذا إلى أن سمحوا بعد مراجعات أن يمنحوا الصغيرة شهادة ميلاد، لتتمكن من دخول المدرسة، وفي خانة الأم كتبوا اسمي مجردا من كل لقب”.
وخلال هذه السنوات حاولت أسما وزوجها إحضار ابنيهما من مصر إلى المملكة، لكن محاولاتهما لم توفق.
تقول أسما “حاولنا أن نُدخل أولادي إلى السعودية ولم نستطع، فبعد أن استخرج لهما زوجي أوراق زيارة مُنع من أجهزة مطار القاهرة من السفر برفقة والدهما، وطلبوا منه موافقة الأم على السفر، ولأنني هنا لم تكتمل الأوراق، ولم يكن بإمكاني عمل توكيل لأحد، لأنني ما زلت بلا هوية”.
تضيف “بقي الوضع هكذا حتى منتصف سنة 2023، حيث تغيرت بعض الأنظمة في مصر، وألغيَ شرط إذن الأم في سفر أولادها مع والدهم، فاستخرج زوجي أوراق زيارة لهما، وأخيرًا اجتمعت بأولادي واحتضنتهما بعد غياب 8 سنوات”.
أسما أثناء سردها قصتها في مقر “صُبرة”
نفس المعاناة
المعاناة التي عاشتها أسما انتقلت دون قصد منها ولا رغبة إلى طفلتها..
تقول “لأنني لم أستطع الحصول على الهوية، لم تحصل ابنتي على حقها في دخول المدارس الحكومية كونها ابنة مواطنة سعودية، فذهبت إلى السفارة المصرية لأستخرج لها شهادة ميلاد، كي نتمكن من إلحاقها بالمدرسة، وبدورها رفضت السفارة عمل أي شيء، ورد الموظفين فيها هو “لن نستطيع عمل شيء لأنك سعودية بلا أي ورقة رسمية تثبت ذلك، ويجب أن يكون عندك إثبات لعمل شهادة لابنتك”.
لم تقف المشكلة عند هذا الحد بل تعدته كثيراً..
تكمل أسما “قبل أسابيع ذهب زوجي لتجديد إقامته، ليُفاجأ بأن عليه مبالغ متأخرة بقيمة 29 ألف ريال، وعندما سأل عن سبب ارتفاع المبلغ، أبلغوه بأنها رسوم إقامة طفلتنا منذ أن ولدت حتى اليوم، وهي الآن في السنة السابعة من عمرها”.
وبحسرة وألم تضيف “وكأن هذه الطفلة ورثت متاعبي وانقسامي بين وطنين، فسفارة بلد أبيها لم تعترف بها، وبلد والدتها لم يجدها إلا مقيمة متخلفة عن سداد الرسوم..!”
بين دولتين
بقيت أسما في السعودية 8 سنوات دون أن ترى طفليها، ودون أن يكون لديها الخيار في العودة أو البقاء،..
تقول “تركت طفليّ وعمر الكبير 9 سنوات والصغير 3 سنوات واليوم شبّ ولدي البكر وأصبح عمره 17 سنة وبلغ الصغير عامه الـ 11، كبرا بعيداً عني، ولم أستطع أن أكون لهما أمًا”. وتضيف “توزعت بين دولتين، بين وطني الذي أنتمي إليه، ووطني الذي ولُدت وعشت فيه، وأنا لا أطلب الكثير.. أنا مواطنة سعودية ولا أريد أكثر من أحصل على حقي في هوية تثبت نسبي، أريد أن أعيش كباقي المواطنين في أوطانهم، أريد أن أعيش مع أطفالي الذين فارقتهم بوعد أن أعود إليهم، وها هو العمر يركض سريعاً وما زلت محرومة منهم”.
اسال الله ان يلم شملكما ويمعكم ببعض عاجلا غير اجلا ياااارب