[4 من 4] قبل استلام شهادة وفاة علاقتكم الزوجية
نعيمة آل حسين
بعد الطلاق:
كما يشعر الزوجان بعد الطلاق بالغضب والفشل والوحدة والضياع، يشعر أيضاً الأبناء بذلك بل إن خسارة الأبناء أكثر، فهم يشعرون بالتصدع والانشقاق لأنهم لم يعودوا يرون الأب والأم “معاً” في بيت واحد، وأصبح لديهم مشكلات في الانتماء لأسرة، وهم حيارى بين الولاء للأب والولاء للأم.
يشعرون أنهم مختلفون عن بقية زملائهم، فقد فقدوا دفء الأسرة وسكينتها وفقدوا حنان ورعاية وحماية أحد الأبوين، أو ذهبوا ليزاحموا أسرة أخرى في مسكنها وفي طعامها.
والأكثر من ذلك أنهم فقدوا فرصة النمو النفسي والتربوي الطبيعي، فالولد يحتاج لأبيه كي يتوحد معه كنموذج للرجل ويحتاج لأمه كي ينشأ في نسيجه النفسي ذلك الجزء الأنثوي الذي يشعر بالأنثى وينجح في التعامل معها.
والبنت تحتاج لأمها كي تتوحد معها كنموذج للمرأة، وتحتاج لأبيها كي ينشأ في نسيجها النفسي ذلك الجزء الذكوري الذي يشعر بالرجل وينجح في التعامل معه.
وكل الجهود والمحاولات التي تبذل سوف يكون غاية مرادها التقليل من آثار الطلاق وليس منعها، إذ لا يملك أحد هذا المنع، ولكنه “الطلاق” أبغض الحلال عند الله، وأبغض الحلول عند الناس، نلجأ إليه حين تتأكد استحالة وجود السكن وتحقق المودّة والرحمة، ونحاول أن نجعله كما وصفه الله تعالى تسريحاً بإحسان بعد أن تعذّر الإمساك بالمعروف.
وهنا نشير إلى عدّة توصيات يلتزم بها الأبوان أو يُلزمهما بها الحكمان من العائلتين أو الاختصاصي النفسي أو الاجتماعي أو القاضي إذا لزم الأمر، وهذه جملة من التوصيات نوجزها فيما يلي:
▪️استبقاء علاقة الأطفال بوالديهم قدر الإمكان وعلى فترات قريبة وذلك لضمان استكمال وتوازن البناء النفسي والتربوي للأطفال.
▪️عدم لجوء أحد الطرفين لتشويه الطرف الآخر أمام الأطفال، فهذا سلوك يدل على الخسّة والدناءة وسوء الخلق، وهو مؤشر لعدم التقوى والورع والخوف من الله سبحانه وتعالى، وضعف في الثقة بالنفس، فضلاً عن أثره المدمر على الطفل، والذي يريد أن يُحب ويحترم أمه وأبيه، وأن انهيار صورة أحدهما يُحدث انهياراً مقابلاً في نفس الطفل.
وإذا كان أحد الطرفين يفعل ذلك بوعي أو بدون وعي، ببراءة أو بخبث، فلينبهه الطرف الآخر ولا يستدرك هذا الطرف لفعل مماثل بل يلتزم الهدوء والعقلانية والنُبل والشرف حتى لا تنهار صورة الأبوين معاً ومع الوقت سيعرف الأطفال حقيقة الطرفين.
▪️إبقاء الأطفال في مسكنهم الذي اعتادوا عليه وفي نفس مدارسهم وفي نفس ناديهم، وأن تستمر علاقاتهم بأصدقائهم وبأفراد العائلتين.
▪️المحافظة على المستوى المادي الذي عاشه الأطفال.
▪️إتاحة الفرصة لوجود الأب ووجود الأم في المناسبات المختلفة التي تهم الأبناء، وذلك تفادياً لشعور الأطفال بالضياع أو الفقد أو النقص.
▪️الحفاظ على السلطة الوالدية “للطرفين الأب والأم”، وأن لا يلجأ أحد الطرفين لتهميش دور الطرف الآخر أو إلغائه.
▪️في حالة اختفاء الأب أو الأم من حياة الأطفال بعد الزواج “طوعاً أو كرهاً ” فالأمر يحتاج إلى تعويض دور الطرف الغائب، ويقوم بذلك أحد أفراد العائلة التي يقيم في كنفها الأطفال ” كالعم أو الخال أو العمة أو الخالة أو الجد أو الجدة “.
وأخيراً نقول للطرفين:
لقد تزوجتما بكلمة من الله، وافترقتما بكلمة من الله فراعيا الله في كل ما تقولان وتفعلان ولا تكونا سبباً في ضياع أحب الناس إليكما ونذكركما بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “كفى بالمرء إثماً أن يضيع ما يعول” .
فتضييع الأبناء تحت أي مسمى أو أي دعوى، هو إثم، بل هو من أعظم الآثام التي يمكن أن يقترفها أب أو أم.
وقد يقول قائل:
إذا كنا سنحتاج إلى كل هذه التوصيات والجهود لتفادي الآثار الضارة للطلاق على الأبناء، فلماذا لا نضغط على الزوجين ونمنع الطلاق؟
وهذا قد يبدو حلاً مريحاً ومفضلاً لدى من يتعامل وهو خارج إطار المشكلة الزوجية، ولكن الأمر في النهاية يخضع للتوفيق بين احتياجات الطرفين المتصارعين غير المتوافقين من جهة واحتياجات الأبناء من جهة أخرى، والوصول إلى حالة من التوازن المعقول والواقعي بين الاحتياجات المختلفة.
وقد يترك الأمر بين الزوجين العاقلين الناضجين لعمل هذه التوفيقات المتوازنة.
أما في حالة فقد القدرة على ذلك، وفي حالة التورط في الصراع إلى درجة فقدان الرؤية والبصيرة، فإنّ التدخل الإصلاحي العائلي أو الاجتماعي أو المتخصص أو القانوني لجدير بتخفيف حدّة الصراع ووضع الضوابط الآمنة له للحفاظ على سلامة ومصالح كل الأطراف.
جميل ما تفضلتم به عزيزتي