“فَطَم” القديح.. رجِلْها الحاكمْ.. والعالمْ أبوها سيرة "بتّ الشيخ" واسم الدلال ووليداتها والحسينية التي حملت اسمها
- إعداد: زينب العرفات
- تطوير وتحرير: ديسك صُبرة
- مراجعة: عبدالكريم الشيخ، حسين منصور الشيخ
“رَجِلْها الحاكمْ، والعالمْ أبوها”.. هكذا كانت نساء القديح يصفن “فَطَمْ“، ذات اسم الدلال الخاص، المأخوذ من اسمها “فاطمة”.
الحاكم؛ هو السيد رضي بن السيد حسن أبو الرحي، عُمدة القرية، حين كان هذا المنصب يعني ممارسة سلطة مرتبطة بسلطة الدولة مباشرة.
أما العالم؛ فهو والدها الشيخ حسين بن الشيخ علي القديحي البلادي البحراني. وقد انتقلت “فطم” من بيت “شيخ” علم، إلى بيت “شيخ” مجتمع. ولذلك؛ يمكن وصفها بأنها نموذج للمرأة القطيفية المنتمية إلى طبقتين: طبقة علم، وطبقة قوة اجتماعية.
حملت اسم الدلال “فطَم” في حياتها، وعلى شاهد قبرها أيضاً. كما عرفتها نساء القرية بـ “بتّ الشيخ“، وسُمّيت الحسينية التي شيّدها لها والدها بـ “حسينية بتّ الشيخ“. وهذا كله؛ يؤيّد كونها نموذجاً اجتماعياً، لما كان عليه الناس من عُرف في شأن المرأة في مثل طبقتها، علاوة على نوعية التعليم التي تتلقّاها بنات “الشيوخ” قبل انتشار التعليم النظامي.
الشيخ حسين القديحي البلادي (1302 ـ 1387هـ)
الشيخة
كان المثل في القطيف يقول “الشيخة ميْ بِتّ الشيخ.. الشيخة مَرْتِ الشيخ“. أي أن المرأة تكتسب قيمتها كـ “شيخة”، دائماً وأبداً، من انتمائها الذكوري. وفي حالة “فطَمْ“؛ فإنها “شيخة” بمقاييس المجتمع نفسه. فضلاً عن ذلك؛ عومِلت “فطَم” وكأنها “شيخة”، لكونها “مُلّاية”، تدرجت في تعلّم ما تتعلّمه بنات زمنها قبل فرض النفط سطواته الاقتصادية، ومارست ما تُمارسه “الملّايات” طيلة حياتها.
وبحسب الشهادات التي جمعتها “صُبرة” من نساء عاصرنها؛ فإن “مكانتها” كانت واضحةً جداً في وسطها الاجتماعي.
زوجات
اسمها “فاطمة”.. مع ذلك لديها أخت غير شقيقة تحمل الاسم نفسه “فاطمة” أيضاً، وهي ما زالت على قيد الحياة. وقد سمّاهما والدهما معاً كذلك؛ كما سمّى ثلاثاً من بناته باسم “زهراء”.
وهذا ما تقوله الأخت غير الشقيقة التي توضح أن والدها، الشيخ حسين القديح، أنجب 6 أبناء، و6 بنات..
أنجب الشيخ حسين القديحي:
- من زوجته: نجاة (أو نجية) بنت الشيخ حسن بن ناصر آل نمر: ابنه الأديب علي الشيخ حسين، الذي توفي في 4 شوال 1404هـ، وفاطمة (فطم بت الشيخ)، وزهراء زوجة الحاج طه الشيخ.
- ومن زوجته؛ خديجة ابنة خاله الشيخ محمد صالح بن الشيخ أحمد آل طعان: عبد الله وأخاه محمد صالح الذي توفي غريقًا في عين ساداس.
- ومن زوجته: زينب بنت الحاج علي بن مهدي آل غزوي: عبد العزيز (أبا طلال)، وجعفرَ، ومحمدًا (أبا عاصم)، وسعيدًا (أبا باسل)، وزهراء (أم سمير)، وزكية (زوجة أحمد علي الناصر.
- ومن زوجته: السيدة زينب بنت السيد حسين السادة من صفوى: عفيفة (أم عبد الصاحب).
- ومن زوجته: علوية ابنة السيد رضي أبو الرحي: زهراء (زوجة ابن عمها عبد الجليل بن الشيخ محمد تقي الشيخ)، وفاطمة (زوجة علوي السيد هاشم السيد ناصر أبو الرحي).
مصاهرة
ومن هذا نفهم أن الشيخ حسين القديحي تزوّج “علوية” ابنة السيد رضي أبو الرحي وأنجب منها ابنتين فاطمة وزهراء. ثم زوّج السيد رضي أبو الرحي نفسه من ابنته “فطم” التي أمها نجية بن الشيخ حسن بن نمر. هذا التداخل بالمصاهرة؛ جعل من “فطم” كما وصفتها قريتها: رجِلْها الحاكمْ والعالم أبوها..!
أختها ـ غير الشقيقة ـ فاطمة؛ تزوجت من علوي بن السيد هاشم بن السيد ناصر أبو الرحي وتصف حياة “فطم” بين “الشيخين”؛ قائلة “كان بيتها مفتوحاً دائماً، زوجها السيد رضي أبو الرحي شيخ [مجتمع] وعلامة وكان عمدة القديح.. من أكرم الرجال.. لا تنقطع العزائم والذبائح عن منزلهم.. كانت تنادي الجميع “بتّي” من شدة حبها وحنانها”.
حسينية بتّ الشيخ من الخارج في وضعها الحالي
تعليمها
أما حفيدتها فاطمة أبو الرحي؛ فتنقل عن والدتها السيدة زكية زوجة السيد أحمد علي أبو الرحي قولها إن “فطم تعلمت القرآن الكريم على يد معلمة من أسرة الخضراوي، وقد ختمته عندها. ثم أكملت التعليم عند والدتها نجية بنت الشيخ حسن بن نمر. ومن ثمّ اتجهت إلى “القراءة الحسينية” النسائية. وقد حباها والدها بمنحها حق القراءة في حسينية سبق أن شيّدها تقع إلى الجنوب الغربي من القرية وقتها. وهي نفسها الحسينية المعروفة، حالياً، باسم “حسينية بتّ الشيخ“، وهي خاصة بالنساء، وتقع في الطريق الآتي من جهة مقبرة “رشالة”.
وكما مارست القراءة في الحسينية؛ مارست تعليم الفتيات القرآن الكريم والكتب المتعارفة في وسط النساء، مثل كتب “الوفاة” و “المنتخب” المعروف باسم “الفخري”. وهذه كتب نعي ومراثيَ في النبي وأهل البيت عليهم السلام.
تضيف فاطمة أبو الرحي بأن جدّتها “فطم” تأثرت بعلم والدها وأخلاقياته، وعُرفت بأنها امرأة ذات ذكر ودعاء وعبادة وكرم وتقى. وكان منزلها عامراً بذكر أهل البيت، ومحل ترحاب بالضيوف، وتجتمع عندها الكثير من نساء القديح والوليدات “التلميذات” والجارات”.
وقد توفيت بتاريخ 22 من شهر صفر سنة 1432هـ، عن عمر قارب المئة سنة. ودُفنت في مقبرة “رشالة” المعروفة في القديح.
حسينية بنت الشيخ من الداخل
أبناؤها
زوجة أخيها سعيد، ابتسام الشيخ، قالت إن “فطم” لم تُرزق بأبناء ذكور، باستثناء ولد واحد “السيد عدنان”، وقد توفي في عمر عامين. كما أنجبت ابنتين، السيدة خاتون التي تزوجها الحاج بدر بن علي بن الشيخ بدر آل سنبل، وانتقلت معه إلى مسقط رأسه، الجش.
كما أنجبت السيدة زكية التي تزوجها السيد أحمد بن السيد علي بن السيد أحمد أبو الرحي.
أما عن حياة “فطم”؛ فتقول ابتسام الشيخ إنها “كانت ساكنة في منزل شقيقها الأديب علي الشيخ حسين (توفي 1404هـ). ثم اشترت لها قطعة أرض صغير وبنتها منزلاً، وبعد ذلك منحها والدها حق التصرف والاستخدام في الحسينية التي حملت اسمها لاحقاً.
ووضعت وصفاً لما كانت عليه حسينية “بتّ الشيخ” سابقاً، تقول “كانت محاطة برواق من القماش ليكون حاجزاً بين داخل الحسينية وخارجها، وكان بناؤها قديماً، ثم عمد بعض أبناء أسرة الشيخ إلى تجديد بنائها لتكون على حالها المعروف حالياً. والمسؤول عن رعاية الحسينية، حالياً، هو أخوها غير الشقيق سعيد بن الشيخ حسين.
مصاحف الحسينية وكتب بنت الشيخ ووليداتها
تلميذات وشهادات
تتلمذت على يديها كثير من “ملايات” القديح، منهنّ الملاية ليلى آل سلام، التي قالت لـ “صُبرة” إنها بدأت معها بتعلم القرآن الكريم، وهي في سن السابعة..
تقول “في البداية درسنا حروف القاعدة البغدادية.. ألِف لا شيْ له، وقد تعلمت وزميلاتي الحروف وحركاتها الكسرة والفتحة والضمة والتنوين”.
تضيف بعد ذلك “تعلمنا سورة الفاتحة، ثم باقي السور القصيرة”. وتقول آل سلام “كانت معلمتنا تثني وتمدح، وبعدما ختمنا القرآن؛ انتقلنا الى قراءة “الوفاة”، وهي وفاة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ولما انتهينا من “الوفاة” انتقلنا الى “الفخري”، وفي هذه المرحلة صرنا نجيد القراءة بشكل جيد جداً، وعندها أمرتنا بالذهاب إلى “العزية”، وكنت أنا في سن العاشرة”.
تضيف آل سلام “كانت معلمتنا فطم تقسم الوقت بين استكمال قراءة الفخري وبين المشاركة في “العزايا”، كانت تحبنا وتتحنن وتعطف علينا كثيراً.. كانت نعم المعلمة ونعم المربية”.
وعن طريقة حياتها تقول تلميذتها آل سلام “كانت معروفه بأخلاقها.. ترحب بالكبير والصغير.. وبيتها مفتوح للجميع من داخل القديح وخارجها، وإلى جانب أخلاقها وطيبتها كان عندها إيثار وكرم لا يوصف. كانت إذا أحد دخل عليها بيتها تكرمه بكل شيء لديها، حتى لو كان هذا الطعام عشاءها أو غداءها تقدمه لضيفوها.. لا أحد يخرج من بيتها بأيدٍ خالية”.
وتسترسل آل سلام بقولها “كان ذكر الله دائماً على لسانها وذكر النبي وأهل البيت، مصلاها دائماً مفروش للصلاة والعبادة، لا تترك قرأءة القرآن طيلة يومها. حتى بعد فقد نظرها كانت تقرأ القرآن عن ظهر قلب، وجميع من علمتهن القرآن تعاملهن مثل بناتها وهم يعتبرنها أمهن الثانية.
بين التعليم.. والعزية
الوصف نفسه، تقريباً، ذكرته تلميذتها الملاية بتول بنت السيد حسن العلويات.. تقولها عنها “كانت الأم والمعلمة الحنونة.. بدأت أتعلم عندها وعمري 5 سنوات.. كنت خائفة جداً.. لكنّ هدوءها وحنانها أزاحا عني الخوف”.
تضيف العلويات ” ذات طباع هادئة جداً لا يثير غضبها شيء”. وعن يوميات الدراسة تقول العلويات “كنا نذهب للمعلمة الصباح عند الساعة 9 صباحاً، وبعد الدرس تُقام “عزية” إلى الظهر. ثم عند الساعة 3 عصراً نعود إلى الدرس مرة أخرى. ونختم الأسبوع بنشيد جميل جداً:
تمسّىْ يا معلم بالسعادة
وآمرْنا وأمرك للرواحي”.
بناتها.. وليداتها
حين فاتحنا الملاية رملة سعيد شويهين المعروفة بكنية “أم ميثم غزوي” عن “فطم” ردّت بتلقائية “أم سيد عدنان.. لقد اوجعتِ قلبي”. وتذكرت شويهين معلمتها والحسينية وعلّقت “عاملتنا معاملة بناتها وخافت علينا مرَّهْ مرَّهْ.. وعندما تسافر توكّل أخرى بتعليمنا، مثل أم كمال الناصر، أو أم باسل الشيخ.
كان حبّها لأهل البيت ومناسباتهم فوق كل اعتبار لديها، وحين توفي شقيقها الأديب علي الشيخ حسين، حزنت عليها حزنًا شديداً، وصادف أن بعد وفاته مباشرة صادفت مناسبة مولد، فأقامت حفل المولد على الرغم من فقدها الذي أوجع قلبها.
الحاكم.. السيد رضي أبو الرحي
العمدة زوجها السيد رضي أبو الرحي المتوفى سنة 1382هـ وبعض أولاده من زيجة أخرى.
اقرأ أيضاً
وثيقة: عمدة القديح يُوسّط نصرالله عند أمير القطيف لترخيص أسلحة سنة 1929
الأخ الكريم.. شكراً لكم. تم التصويب.
يوجد خطأ في اسماء بنات الجدة زينب بنت علي مهدي الغزوي (ابنتها زهراء ام سمير باقر الشيخ) وليس زهراء ام باقر. انا حسين باقر ابن زهراء الشيخ حسين القديحي.
رحم الله والديكم على هذا المجهود المبارك وجزاكم الله خير الجزاء