الاستعارة والتشبيه بتحديث جديد
جلال الجارودي |
الاستعارة كما يعبر عنها أحد الكتاب الإنجليز هي السكين الباردة بخصرك، والعفريت المتربص بك في الدولاب. فالاستعارة تعبير يصف شخصاً أو واقعاً بالإشارة إلى شيء يصادف ضمناً شبهاً لذلك الشخص أو الواقع. في حين أن التشبيه عبارة عن المقارنة بين شيئين بأداة ربط كـ ومثل. ذلك حسن وجميل فلماذا إذا عرفنا التعريف لا تخرج كتاباتنا بصورة إبداعية محسنة كصور الفوتوشوب!
يقولون أن الشعر كشف علاقات لم تكن مكتشفة بين المدركات أو الظواهر. والأصل في ذلك هو إدراك المشابهة بين ما لم يكن مدركا، أو ما يندر إدراكه، أو ما يتعذر على المخيلة العادية أن تضعه في قران.
ومنذ القديم وصل البلاغيون العرب البلاغة الشعرية بالقدرة على الإتيان بالتشبيه النادر والغريب والذي يترك فيمن يتلقاه ما يشبه الصدمة.. ويؤثر عن أرسطو قوله إن الاستعارة هي آية الموهبة الطبيعية، وعلامة الموهبة الشعرية.
من ذلك يتبين لنا كم هو عزيز علينا التشبيه، ومازلنا نغرق في التشبيهات القديمة ونصيغها بأساليب جديدة، في حين أن التشبيهات القديمة مصاغة وفق الوسائل التي تستخدم في تحصيل العيش، فما زلنا نشبه بالسراب والغيمة والمطر والربيع.. وغيرها من الكلمات المستمدة من بيئة الصحراء، بل ما زال بعضنا رغم قلة استخدام القلم يحلو له أن يشبه الكاتب الغزير الذي يحب بالقلم السيال.
ورغم ذلك لا نعدم بعض الإيحاءات المنبهة لتسهيل التشبيه وإخراج النص بصورة بليغه، كأن نستخدم الأدوات التي بين أيدينا ونستعملها طوال اليوم – من طرائف ذلك التشبيهات التي اقترحها قديماً سلامة موسى من الميكانيكا (يخشى الدنيا، ويرى المصباح الأحمر أينما سار) أو من الطب (يمشي في تثاقل روماتزمي) وبما أننا نعيش في عصر مغرق في التكنولوجيا والأجهزة الإلكترونية فنستطيع استخدام الكمبيوتر والجوال وملاحقاتهما كمشبه به.
فنستطيع أن نقول: كانت عيونه لامعه كفلاش كاميرا الجوال، وكان يلبس المعطف ويبدو من بعيد كغطاء بطارية أيفون، وأخذ يبحث في جيبه كمن يبحث عن رامات الكمبيوتر، وأنه يشعر بالتعب وبحاجة إلى إعادة تشغيل، وتساقط المطر وبدى صوته كصوت الكيبورد.. ويجب أن نستعمل الكلمات الشائعة المتصلة بحياتنا اتصال جوالاتنا بالأبراج كما كان العرب القدماء يستعملون الكلمات المتصلة بحياتهم، وإذا كان الشعر قديماً ديوان العرب، فاليوم الفيس بوك وتويتر نشرة أخبارنا اليومية !