[مقال] أثير السادة: هلهولة عرس

أثير السادة*

 

سيرتاح الحزن قليلا هذه الليلة، حين يغادر المدن والقرى التي نسيت أفراحها طيلة شهرين كاملين، وحده هلال ربيع الأول قادر على ابدال النشيد الحزين الذي أغلق كل الطرقات على احتمالات الفرح، للحزن إقامة دائمة، ستذكرك بها الليالي الزاخرة بتراتيل العادات الأسبوعية، كلما انعطفت في زقاق تضيئه الخطوات العابرة إلى زوايا الأرواح المأخوذة بأحزانها الكربلائية، إلا أن هذا اللون من التكرار يجعلها خارج الموسم منحازة لوعود التلاقي والتواصل الاجتماعي، إلى فسحة للتنادم وتبادل الأحاديث الطرية، فالحزن خارج المواعيد المعروفة هو شرفة للهروب من وحشة العزلة، وساعات التعب، واستذكار لذلك المشترك الذي لا يغيب.

هذا هو المطر يعلن اغتسال المكان من بقايا المراثي التي صاغت لون الليل والنهار، وهذا هو البخور يرتفع ثانية كهلهولة عرس في زوايا البيوتات، وهناك شرائط من نور تطرز الطريق إلى أفراح المدينة، الآن سيسرق صوت قارئ المولد فضاء الصمت بالليل والنهار، صلي يا ربنا صلي يا ربنا على محمد وآل احمد كلما غرد كلما غرد طير وانشد طير وانشد..ستمتد الطوابير مرة أخرى في انتظار السلام على الداخلين في قفص الزوجية، وسيستدير الناس في الظهيرات حول الولائم التي ترتفع كمرايا للأنس، وسيحتشد الناس خلف عريسهم في طقوس الزفة ليحكوا عن إيمانهم العميق بالفرح.

سينتهي الاستغراق الطويل في صور الفجيعة، ويندفع المكان برمته باتجاه الارتواء من نهر الأمنيات المؤجلة، قلب المكان لم يغلق يوما على أناشيد الفرح، غير أنه يؤثر الصمت على الجهر كلما جرى نهر عاشوراء في مطلع العام، لذلك لا يعرف الناس بداية للسنة الجديدة إلا حين تمر وفاة النبي كذروة سنام لهذا الحزن المستطير، عندها يمضي النسوة في طقس التكسير، كسرا “للنحس” والشر”، وكأنها تعاويذ لنهر الأمنيات الذي لا يجف.

للمكان رائحة، طعم، لون، والكثير من الصور التي تتبدل بتبدل المواعيد على روزنامة الناس، وكلما مشينا على أطراف الحزن تذكرنا اشتهاءنا الطويل للفرح، لنغمس وجوه الفرح حتى في لحظات الحزن، فهناك يستحيل التظافر على صيانة مهرجانات الدموع، لونا من الفرح الجماعي بديمومة الجماعة، وتماسكها، وفي اتساع تعابير الحب الذي ينتهي جسرا مشيدا بالدموع!.

وبس.

________

*من صفحته على الفيسبوك.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×