محاضرات محرم و نظريات المؤامرة
هالة الشماسي
خلال أسبوعين مرّا؛ انتابني شعور عجيب، كما لو أنني أليس في بلاد العجائب، مع أنني لم أغير البقعة الجغرافية التي أعيش فيها.
فجأةً؛ أصبحت أرى طواحين هواء تلقى عليها قنابل صوتية في كل مكان من حولي، وكما لو أن شخصية دون كيشوت خرجت من الكتب وظهرت على أرض الواقع، وتكاثرت نسخه حتى أصبح منه العشرات الذين يحاربون تلك الطواحين الوهمية المسكينة، يحاربونها بكل ما عُرف من المغالطات المنطقية ولم يعرف منها.
أسبوعان من الزمان استفحلت فيهما حروب وهمية قائمة على نظرية المؤامرات، حيث تهم المؤامرة باتت فيها توزع مجاناً كما لو أنها حفلة لنظريات المؤامرة.
التآمر تهمة لا يسلم منها أحد، فلا فكرة ولا مفهوم ولا حركة ولا حتى مصطلح موجود في عالمنا حالياً سلم منها، من نسوية إلى رأسمالية إلى تفردية إلى عولمة الإنترنت لمواقع التواصل الاجتماعي.. إلى مسلسلات إلى أفلام.
طبعاً؛ النسوية كانت هي صاحبة النصيب الأكبر من الاتهامات، وقد انتهت إلى أن النسوية من بداية دعواتها لتعليم المرأة وتحريرها أدت في النهاية إلى الاعتراف بالمثلية الجنسية الحالية.
اتهام تحرر المرأة بأنه السبب الأول وراء انتشار المثلية والاعتراف بها، هو اتهامٌ غريبٌ، لكن إذا نظرت إلى الموضوع بسطحية كما يراه زاعم الاتهام ستفهم السبب.
إن اغلب الدول حالياً التي تعطي المرأة حقوقها هي نفسها التي اعترفت بالمثلية الجنسية.
إلا إنك إذا نظرت نظرة أعمق وتأملت التاريخ سترى الكثير من المجتمعات الذكورية التي كانت تضطهد المرأة، وفي الوقت نفس تعترف بالمثلية وتشرع زواج المثليين الذكور مثل اليونان القديمة وروما القديمة في حقبة ما قبل المسيحية.
ومن النظريات الخارقة التي سمعناها خلال اليومين الماضيين أن المسلسلات التلفزيونية هي السبب في انتشار الطلاق، حيث إن المتزوجين يقارنون ازواجهم بأبطال المسلسلات، يقارنونهم من حيث جمال الشكل ومن حيث الرومانسية المبالغة التي يقدمونها في المسلسل.
وفي الحقيقة هذه التهمة كانت متداولة كطرفة في المسرحيات العربية في حقبة الثمانينيات، وجيل المسرحيين العرب لم يولد ويتربَّ، والتلفزيون موجود حوله، بل تعرف على هذا الاختراع “على كبَر”، على عكس من الأجيال الحالية..
لهذا لم نعد نسمع مثل هذه النكت عن التلفاز في الاعمال العربية الكوميدية الجديدة.
المشكلة لم تكن ايضا فقط في لمن وجهت تهمة المؤامرة بل حتى مكان المؤامرة المزعومة نفسه لم يتجدد تبعاً للمعطيات الحالية.
إن كلمة الغرب ومؤامرة الغرب ما زالت تتكرر في خطب المؤامرة، وهنا نحن نرى أن المتحدث لا يدرك أن غرب الكرة الأرضية ـ سواء من أوروبا او الولايات المتحدة الأمريكية ـ لم يعد من تتوجه له أنظار الأجيال الجديدة.
بل إن الأجيال الجديدة تنظر إلى دول شرق آسيا ـ كاليابان وكوريا الجنوبية ـ على انها القدوة والحلم.
إنهم يتابعون مسلسلاتهم وافلامهم ويستمعون إلى موسيقاهم، ويتعلمون لغتهم ويحلمون بالسفر إلى بلادهم، بل وحتى الاستقرار فيها.
شرق آسيا هو المؤثر الأكبر في الأجيال الجديدة، وشرق آسيا هو قطب عالمي جديد ينافس القطب الأمريكي الأوروبي والروسي.
لذا فإن كانت هناك مؤامرة تستخدم الإعلام والفن التشخيصي؛ فيجب على من يوجه تهمة التآمر أن يحدد مكان المؤامرة: هل هي قادمة من الشرق أم الغرب..؟ فبالأساس هذان القطبان مصلحة كل منهما مختلفة عن الأخرى.
ولأن أقوياء العالم مصلحتهم غير واحدة ولأن الكون في حالة تغيير مستمر؛ فلا يمكن لمجموعة من الناس ـ مهما بلغ نفوذها سواء كانت من الغرب او الشرق او الشمال او الوسط او الجنوب ـ أن تستطيع التحكم في مصائر البشر وأن تخدعهم بهذه الطريقة وبهذا المدى من الزمن.
وابتداع نظريات المؤامرة وخلق الحروب الوهمية لا يساعد إلا في خلق العبيد والأتباع، فكما يقول الكاتب البريطاني إدوارد مورغان “الخوف والجهل يمنحان السلطة القدرة على التلاعب بأذهان الناس”.
فإذا أردت ان تخلق العبيد والقطيع فازرع الخوف في قلوبهم، واجعل الشك مسيطراً على عقولهم حتى يتحول خوفهم الى هواجس وهلاوس تسيطر على أفكارهم وتمنعهم من القدرة على التواصل مع العالم من حولهم.
ولا يسهل الاقتناع بنظريات التآمر سوى الجهل وضعف الثقافة والوعي، كما يقول العالم الأمريكي مايكل شيرمر “من الأسهل الإيمان بالمؤامرة بدلاً عن فهم الأنظمة المعقدة والمترابطة.
عندما تكون عندك ولو معرفة بسيطة بالتاريخ وعلم الاجتماع وبعض المتابعة البسيطة للأحداث السياسية والاقتصادية حول العالم، فسوف تعرف أن المفاهيم والقناعات التي تتبناها المجتمعات عبر الزمن تتغير طواعية تبعاً لاستيعاب الناس لأثرها السيء او الجيد، وتبعاً أيضاً للمعطيات العلمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية الموجودة.
المفاهيم الصحيحة تبقى ويستمر تبني المجتمعات لها، بينما الإيديولوجيات والقناعات الخاطئة تسقط بسبب ما تجلبه من مصائب، مثل: الفاشية والاستعمار والعبودية والعنصرية وغيرها.
مشكلة نعيش ونشوف البعيدين عن المذهب بل وحتى الدين اوامر الله مايطبقونها كالحجاب يجو ويتكلمو عن الدين والتصيد على المنبر ومن يصفق لهم فهم من نفس شاكلتهم كل احد عنده عقد نفسية حطها باهل مذهبة والمشايخ نفس فيهم
طرح ممتازة و كلام يعبر عن الوقع بحرفية ..
دمتي و نتمنى المزيد من المقالات الرائعة..
انكار وجود مؤامرات من قبل بعض القوى ضد قوى اخرى ليس صحيحا
ربما تتغير الوسائل من عسكرية الى اقتصادية او امنية او سياسية وفي النهاية ثقافية
اعتقد من اطلق مصطلح الشرق اوسط الجديد لم يكن يهدف الى تحسين المعيشة لدى شعوب هذا الشرق بل الى تنفيذ خطط درسها وخطط لها بل وشرع في تنفيدها من دون ان يأخذ رأي سكان هذا الشرق
اذا لم نسمي ذلك مؤامرة فماذا نسميها
كذلك من احتل العراق لم يكن يريد ولوجه الله تخليص الشعب العراق من ديكتاتورية تحكمه بل لديه خطة معينة يريد تحكيمها وتحويل العراق اليها
هل هذه تختلف عن المؤامرة
حاليا السفارة الامريكية بالعراق تقوم بايفاد الالاف من شباب وشابات العراق الى امريكا لتلقي دورات نعم دورات وليس دراسة جامعية ونوعية هذه الدورات وعناوينها انتجت جيل تشرين في العراق
هل هذه ليست مؤامرة
نعم ليس كل ما ينتجه الغرب او الشرق من تقنيات يكون الهدف منه السيطرة وتنفيذ مؤامرة ولكن ليس كل شيء يجب ان ننظر اليه ببراءة
الخوف وما أدراك مالخوف هو المسيطر الأكبر على الخطاب الديني.
لجوؤهم لدس هذه النظريات في خطاباتهم نابع عن معرفة ودراسة مستفيضة لخصائص مجتمعنا الطيب، ولكنها مسألة وقت وبعدها تزال كامل الغشاوة.
لم بعيشوا في الغرب ولم يعايشوا تلك المجتمعات ويفهموا دوافعها، مجرد سماعهم عن تجارب يتيمة يجعلهم يهرطقون على منابرهم دون أدنى مسؤولية وأمانة في النقل.
مقال ممتاز وطرح جريء يستحق الدعم.
شوفي انتي كتبتي هذا المقال
بدون تفكير ولا موضوعية همك الانتقاد المنبر الحسيني
اولا حلي مشكلتش العقدية التى ستهوي بك
مقال عميق ، فعلا نحن معقدون في الشرق بمبدأ نظرية المؤامرة و النقاش مع أصحابها مضيعة للوقت ، لك التحية على هذه الشجاعة الأدبية .
مقال رائع جداً