تحولات المشهد الثقافي
محمد منصور
التحول ظاهرة إنسانية في الحياة بشكل عام، ومن ذلك التحولات الثقافية. والتحول رغم وجوده الواقعي إلا أنه عادة ما ينتج عنه متحمسون ورافضون، وبين الحماس والرفض تظهر مجموعة من المواقف: التماهي مع التحولات، تبني بعضها، رفضها، رفض بعضها، العزلة. وجميع هذه المواقف متفاعلة وفاعلة إما إيجابا أو سلبا.
والتحولات في المشهد الثقافي ليست بدعا من التحول.
وتقييم المشهد الثقافي يتم على مستويين:
تقييم داخلي: يقوم به المنتج للثقافة.
تقييم خارجي: يقوم به المستهلك للثقافة.
والتقييم يجب أن يكون بالرصد والمتابعة والتحليل؛ للوصول إلى نتائج خالية من الأهواء والمجاملات والأحكام المسبقة. كل ذلك من أجل إصدار حكم صادق.
الساحة الثقافية واسعة ومتعددة، تضم أطيافا وألوانا وأذواقا من المثقفين والفنانين والأدباء والمشتغلين عبر مشاريع متعددة من بينها الكتابة والتشكيل والتصوير الفوتوغرافي وصناعة الأفلام والمسرح…
وبين منتج للثقافة ومستهلك لها تتعدد الأدوار، والأذواق. وتختلف طرق التعاطي مع المنتج ومدى التفاعل معه، من قبول ورفض، ومن قراءات واعية للمشهد ومن قراءات سطحية، ومن إنتاج حقيقي ومن إنتاج استهلاكي، ومن تأمل عقلي يرصد ويتابع ويحلل ومن أهواء عابرة…
أمام كل ذلك يبقى الاختلاف سيد الموقف، فكما تختلف بصمات البشر عن بعضهم، تختلف طباعهم، وثقافاتهم؛ وبالتالي تعاطيهم مع الثقافة!!
يقول لونجينوس: “لا يتأتى الحكم على الأدب إلا بعد الكثير من الجهد”.
وأقول لا يتأتى الحكم على الثقافة إلا بعد الكثير الكثير من الجهد.
ما التقييم إلا حالة من حالات النقد، وعلى النقد أن يكون موضوعيا لا يعترف بالأهواء ولا بالعواطف ولا بالأحكام المسبقة. النقد الرفيع تحكمه نتائج الرصد والمتابعة والتحليل سواء اتفقت مع أمنيات صاحبها أم خالفتها، وهنا تأتي النفوس الكبيرة أمام النفوس المنتفخة المتخمة بالخواء وهي تصدر أحكامها.
التقييم يرصد كافة الجوانب لا بعضها، ويتابع كل التفاصيل لا جلها، ويحلل كل ذلك؛ فتأتي النتائج متفقة منسجمة مع ما تم رصده ومتابعته وتحليله.. إذ الرصد والمتابعة والتحليل هم من يعطون النتائج، وعلى الناقد هنا أن يسلم بالنتائج ويصدر حكمه مع هذه النتائج بما فرضته معطيات الرصد والمتابعة والتحليل.
كل تقييم ذي قيمة يمر بـ 5 مراحل: الرصد، والمتابعة، والتحليل، والنتائج، والحكم.
المشهد الثقافي بلا شك يتحول، وهذا التحول يحتاج إلى مقيِّم حقيقي يرصده ويتابعه ويحلله كي يصل إلى نتائج حقيقية فيكون حكمه صادقا. وما أراه أن رصد ظاهرة ما بنسبة %99 ومتابعتها وتحليلها أمر عظيم، لكن الـ %1 المغفول عنها سهوا أو عمدا قد تقلب رأيه رأسا على عقب، أو تخلخل أركانه، أو تهزه هزا يخلخل ثباته، أو تمر عليه كنسمة، أو يتساوى فيها الوجود والعدم.
قد يصعب أو يستحيل رصد كل تفاصيل المشهد الثقافي وتحولاته، لكن ذلك لا يمنع من التركيز على زاوية من زوايا المشهد يحاول فيها من يريد التقييم أن يلم بها كاملة كي يصل في النهاية إلى حكم صادق!!