مولود عرعر سلطان البازعي: لم أمثّل إلا في المدرسة..! مهرجان المسرح التجريبي في القاهرة يكرم المدير الثقافي وسادن السينما ومسؤول المسرح
كتب: محرر صُبرة
ربما لم يصعد على خشبة مسرح ممثلاً، ربما فقط خشبة مسرح مدرسة قبل سنوات طويلة منسية من القرن الماضي، على حدّ قوله لـ “صُبرة”، هاتفياً. على ذلك؛ سوف يقف سلطان البازعي على منصّة التكريم في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الثلاثين، بعد أيام، إلى جانب قائمة مؤثرة من النجوم والفنانين العرب والأجانب، وذلك بحسب ما أعلنه رئيس المهرجان سامح مهران.
فلماذا يُكرّمُ سلطان البازعي في هذا المهرجان الذي يُكرِّم الفنانين حصراً..؟
البازعي وضع الإجابة أمام تساؤل “صُبرة”؛ حين قال إن “التكريم ليس لشخص سلطان البازعي بالتأكيد، إنه تكريم لقطاع الثقافة والمسرح في المملكة العربية السعودية”، وأضاف “أنا موجود في منطقة الإدارة الثقافية فحسب، وهذا الدور يتطلّب معرفة بالفنون والثقافة، وليس مشروطاً بالممارسة”.
جزء من التاريخ
قد لا تبدو الإجابة مقنعة لمن لا يعرف تاريخ سلطان البازعي جيداً. ربما هناك جزءٌ صغير من هذا التاريخ شهد عليه جيل جديد من المعنيين بالثقافة والمسرح والسينما في السعودية، حين تسارعت وتيرة العمل الثقافي عبر الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون.
فبعد عام 2008م؛ ظهرت ولادة “السينما السعودية” حين كانت كلمة “سينما” غير مقبولة بتاتاً، وساعد البازعي ـ من خلال الإدارة الثقافية ـ على إيجاد الحلّ المقبول تحت مسمى “الأفلام السعودية”، بدلاً عن “السينما السعودية”، ليمارس ما يُعرف بـ “التحايل الرقابي” عند الصحافيين الذين يشطبون كلمة ويضعون كلمة بديلة، ويقطعون “حجة المخالفة” عند الرقيب الاجتماعي..!
الأخوان البازعي
إلا أن دور “سلطان” سبق ذلك بسنواتٍ طويلة، ويبدو أن النشأة الأسرية مهّدت لذلك وعبّدت الطريق ليس له فحسب، بل ولشقيقه الأكبر قبله الدكتور سعد البازعي الأكثر اشتغالاً بالثقافة والأدب، والأكثر حضوراً في الإعلام الثقافي السعودي والخليجي، والبارز أكاديمياً في حقل اشتغاله واهتمامه بالأدب الفرنسي، ودوره في ترويج الحداثة في المشهد الثقافي السعودي، منذ ثمانينيات القرن الماضي.
“أنا من مواليد عرعر”، هذا ما قاله “سلطان” في إيماءةٍ إلى صلته بالشمال السعودي. إنه العام 1956، عام الاعتداء الثلاثي. علّق قائلاً “لأول مرة ألتفت إلى هذا الرابط”. حسناً؛ قال مضيفاً “النشأة الأولى والدراسة الأولى في الجوف”، والرابط هو التنقل مع والده، عبدالرحمن البازعي، المنحدر من تجار العقيلات المعروفين.
لكن الاستقرار الأكثر تأثيراً في بنائه شخصياً؛ كان في العاصمة الرياض، وفي ثانوية الجزيرة، وحي الشميسي شبّ الشاب القادم من الشمال، واخضرّ شاربه، وظهرت فيه ميول الإعلام، لُيراسل صحيفة “الرياض”، ثم يدرس الإعلام في جامعة الملك سعود. وذلك ما منحه استقراراً في الصحيفة، حتى ترقّى وترقّى حتى وصل إلى منصب “مدير تحرير”.
محطة الصحافة القريبة جداً من الثقافة؛ فتحت له باباً باريسياً على مقربة من اهتمام شقيقه الأكبر، فسافر إلى فرنسا ليعمل في الملحقية الثقافية السعودية، بين عام 1985 عام 1988م، وشغل منصب سكرتير لجنة العلاقات الثقافية الدولية.
رئيس التحرير
في 1993؛ انتقل إلى الساحل الشرقي السعودي، رئيساً لتحرير صحيفة “اليوم”، ليُمضي فيها 4 سنواتٍ، صنع فيها “سلطان” الكثير، ولم يغادرها إلا وهي على وجه آخر غير الذي كانت عليه قبل 1993م. تلك قصة طويلة مليئة بما يُمكن أن يُقال وما لا يجوز قوله علناً. لكن البازعي أسّس مشروع “الرقمنة” الأول في الصحيفة. أعاد تشكيل هيكلها وتبويبها، قدّم قياداتٍ صحافية جديدة.
تجرّأ في شأن المحتوى، تكاثر الكتاب والمراسلون والمحررون، وأعيد بناء أقسام، فشهدت نقلة صحافية وصفها محمد العلي ـ في مقالة له ـ بأنها النقلة الثانية التي يُعجب بها، بعد النقلة التي أحدثها رئيس تحرير سابق في الصحيفة، هو محمد العجيان.
ثم غادر “سلطان” الصحيفة، عائداً إلى وزارة التعليم العالي، كما كان قبل رئاسة التحرير.
جنتل مان
لكنّ الروح القيادية فيه ما زالت وثّابة؛ لذلك اختير لمنصب لا يقلّ شأناً عن رئاسة تحرير صحيفة، مدير عام العلاقات العامة والمراسم في الحرس الوطني. ذلك يعني الكثير من العمل والجهد، يبدأ في الإشراف على مجلة ثقافية معروفة في الوسط السعودي تحمل اسم “الحرس الوطني”، وتنتهي بالإشراف على أكبر مهرجان ثقافي سعودي وقتها على الأطلاق. مهرجان “الجنادرية”.
وهنا ظهرت لمسات سلطان البازعي، في مهارات رجل العلاقات العامة، وأداء الـ “جنتل مان”، ودينماكية العمل اليومي الذي تتوزّع فيه المسؤوليات تحت إدارة مرنة.
المستشار.. ألمثقف
خبرة على خبرة، وتجربة على تجربة، لذلك؛ عمل مستشارًا غير متفرغ للهيئة العامة للاستثمار، ومستشارًا إعلاميًا لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني. ومع هذه التجربة صار المتحدث الرسمي لجنة العامة لانتخابات المجالس البلدية في الدورة الأولى لها، مع دخول تجربة جديدة على المجتمع السعودي.
ثم عاد، مجدداً، إلى الحقل الأقرب إلى قلبه، رئيساً للجمعية السعودية للثقافة والفنون، ثم اعتلى أكثر فصار رئيس مجلس إدارة الجمعية عام 2012م. وفي هذه المرحلة بدأت الدينامكية تفعل فعلها في فروع الجمعية، وتبلورت فكرة “السينما السعودية” التي سبق أن كوّنت نواتها في نادي المنطقة الشرقية الأدبي عام 2008.
دفع سلطان البازعي بثقله كله نحو تعبيد الطريق، مانحاً الفرصة لصُناع الأفلام وقيادات إدارية ثقافية للذهاب إلى أقصى حدً ممكن. وما تعيشه السينما السعودية، راهناً، إنما هو نتاج جهود كبيرة قدمها سعوديون متحمسون، وعلى رأسهم الشاعر أحمد الملا، وكان البازعي واحداً من أبرز العرّابين المؤثرين في بناء قصة السينما السعودية.
سوف أتقاعد
هذا الدور أدّاه البازعي بإمكانيات جمعية الثقافة والفنون، وحين تأسست هيئات وزارة الثقافة الحالية، عُيّن سلطان البازعي رئيس تنفيذياً لهيئة المسرح والفنون الأدائية في السعودية، منذ 16 فبراير 2020. كما كُلِّف الرئاسة التنفيذية، أيضاً، لهيئة الموسيقى من 23 مارس 2022 إلى نوفمبر 2022.
ويأتي تكريمه، كما قال، في رمزية لإنجاز الدولة، محاولاً إبعاد شخصه عن رمزية المنصة الدولية. لكنه أشار ـ ملمّحاً ـ إلى سيرته الذاتية مليئة جداً، وأن عليه أن يتقاعد بعد استكمال مشاريع ما زالت قيد التنفيذ في هيئة المسرح.
ضمن فنانين عرب وأجانب
القاهرة.. مهرجان المسرح التجريبي يكرم سلطان البازعي
القاهرة: صُبرة
أعلن الدكتور سامح مهران، رئيس مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الثلاثين، قائمة أسماء المكرمين، في حفل افتتاح المهرجان لهذا العام، والذي تقام فعالياته خلال الفترة من 1 إلى 8 سبتمبر المقبل.
وتضم القائمة: الفنانة ليلى علوي، والمخرج المسرحي ناصر عبد المنعم، والمخرج خالد جلال، ومهندس الديكور حازم شبل، والناقد الدكتور جلال حافظ (مصر)، ومن المكرمين العرب والأجانب في الدورة الثلاثين أيضا: سلطان البازعى السعودية، عواد علي (العراق)، محمد العامري (الإمارات)، Asiimwe Deborah (أوغندا)، Giles Foreman (إنجلترا).
وشهد المؤتمر الذي قدمه الإعلامي مصطفى الكيلاني رئيس المركز الإعلامي للمهرجان، الإعلان عن لجنة تحكيم المسابقة الرسمية والتي يترأسها المخرج الكبير عصام السيد، وكذلك جدول العروض، حيث تشارك 19 دولة عربية وأجنبية في الدورة المقبلة، كما تم الإعلان عن جدول الندوات والمحاور الفكرية، بالإضافة إلى الورش الفنية فى مختلف العناصر المسرحية، والكشف عن إصدارات المهرجان.
ويقام المهرجان برعاية وزيرة الثقافة المصرية الدكتور نيفين الكيلاني، وتتشكل لجنته العليا من كل من: الدكتور سامح مهران رئيسًا، الدكتور محمد عبد الرحمن الشافعي منسقًا عامًا، الدكتورة دينا أمين مديرًا، الدكتور أيمن الشيوي مديرًا، بالإضافة إلى عضوية كل من: الدكتور أحمد مجاهد، الدكتورة أسماء يحيى الطاهر، الدكتور محمد سمير الخطيب، المخرج أحمد البوهي.
ويعد المهرجان أحد أقدم المهرجانات الدولية المتخصصة في إعطاء الفرصة لتقديم العروض المسرحية التجريبية من كل دول العالم، ويهدف إلى خلق حالة من التواصل والحوار بين مختلف الشعوب والجماعات، إضافة إلى تعريف الجمهور في مصر والمنطقة العربية بأحدث التيارات في المشهد المسرحي، وإتاحة نافذة يطل منها المسرحيون حول العالم على أحدث تطورات المشهد المسرحي في مصر والبلاد العربية.