بعد القمر.. مهمّة هندية “طموحة” لدراسة الشمس هل بدأ صراع القوى العظمى للاستيلاء على ثروات الكواكب الأخري؟
متابعة: صُبرة، ووكالات، ووسائل اعلام
طموحات حدودها الغلاف الجوي.. هذه هي الأجواء داخل منظمة أبحاث الفضاء الهندية، حيث تجري الدراسات علي قدم وساق في مدينة بنجالور عاصمة ولاية كارناتاكا الهندية، ويسابق نخبة من العلماء والمختصين الزمن لمواكبة الكبار في مجال ربما يكون ساحة صراعات النفوذ بين مختلف دول العالم في المستقبل القريب.
وخطت الهند خطوة إضافية مهمّة في مجال استكشاف الفضاء، مع إطلاق مسبار يهدف إلى دراسة الشمس، بعد أسبوع واحد من نجاحها في إنزال مركبة غير مأهولة عند القطب الجنوبي للقمر.
وأقلعت “أديتيا-أل 1” قرابة منتصف يوم أمس السبت بالتوقيت المحلي في عملية بثّت مباشرة عبر التلفزيون الهندي، وحضرها مئات المتفرجين الذين صاحوا فرحاً مع انطلاق الصاروخ الحامل المركبة.
تفوق الهند
وتأتي البعثة الشمسية بعد تفوق الهند على روسيا أواخر الشهر الماضي لتصبح أول دولة تهبط على القطب الجنوبي للقمر. وبينما كان لدى روسيا مركبة أكثر قوة، فقد تفوقت مركبة تشاندرايان-3 الهندية على لونا-25 الروسية ونفذت هبوطا نموذجيا.
وتم تصميم المسبار أديتيا-إل1 بحيث يتمكن من قطع مسافة تصل إلى نحو 1.5 مليون كيلومتر على مدى أربعة أشهر والوصول إلى ما يشبه ساحة انتظار في الفضاء حيث تميل الأشياء إلى البقاء في مكانها بسبب توازن قوى الجاذبية، الأمر الذي يقلل استهلاك المركبة الفضائية للوقود. وتسمى هذه المناطق نقاط لاجرانج، والتي سميت على اسم عالم الرياضيات الإيطالي الفرنسي جوزيف لوي لاجرانج.
انطلاق ناجح
وقال مسؤول في المنظمة الهندية لأبحاث الفضاء إن “الانطلاق ناجح”، مؤكّداً أن كل الأمور تجري على ما يرام مع مضي الصاروخ نحو الطبقات العليا للأرض.
وهنّأ رئيس الوزراء الهندي ناريدرا مودي علماء بلاده. وكتب عبر منصّة “إكس”: “أهنئ علماءنا ومهندسينا… جهودنا العملية التي لا تعرف التعب ستتواصل بهدف تطوير فهم أفضل لكوننا”.
وستكون هذه المركبة الأولى لنيودلهي لدراسة الشمس، لتنضمّ الهند بذلك إلى وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” ووكالة الفضاء الأوروبية في اكتشاف النجم المشعّ للمجموعة الشمسية.
مناخ الأرض
وقال علماء من منظمة أبحاث الفضاء الهندية إنه من الممكن أن تساعد البيانات الواردة من البعثة على المدى الطويل في فهم تأثير الشمس على أنماط مناخ الأرض بشكل أفضل ومنشأ الرياح الشمسية، وهي تيار من الجسيمات التي تتدفق من الشمس عبر النظام الشمسي.
وسبق لليابان والصين أن أطلقتا مهمات لمراقبة الشمس من مدار الأرض، لكن في حال نجاحها، ستكون الهندية أول مهمّة آسيوية تتمكن من بلوغ المدار حول الشمس.
مهمّة طموحة
ورأى عالم الفيزياء الفلكية سوماك رايشودوري لقناة “أن دي تي في” الجمعة أن “هذه مهمّة طموحة بالنسبة إلى الهند”، مشيراً الى أن المركبة تعتزم دراسة انبعاثات الكتلة الإكليلية، وهي ظاهرة دورية تؤدي إلى تصريفات هائلة من البلازما والطاقة المغناطيسية المتأتية من الغلاف الجوي للشمس.
وأضاف “ستساعدنا أيضاً على فهم لماذا تحصل هذه الأمور، وفي المستقبل، قد نضطر لإنشاء نظام إنذار” في الفضاء.
وعادة ما تكون هذه التصريفات ضخمة إلى حد الوصول الى الأرض والتأثير على عمل الأقمار الاصطناعية، وستساعد المركبة على توقّع حصول هذه الظواهر و”تحذير الجميع” بشكل يتيح اتخاذ إجراءات وقائية بشأن الأقمار.
وأقلعت المركبة الى الفضاء على متن صاروخ “بي أس أل في أكس أل” البالغ وزنه 320 طناً وصمّمته منظّمة أبحاث الفضاء الهندية. ويعد هذا الصاروخ من أعمدة برنامج نيودلهي، وسبق استخدامه في إقلاع مهمّات نحو القمر والمريخ.
رحلة الأربعة أشهر
ومن المقرّر أن تستمر الرحلة أربعة أشهر الى أن تبلغ المركبة مقصدها على مسافة 1,5 مليون كيلومتر، علماً بأن هذه المسافة لا تتجاوز واحداً في المئة من المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس، وهي تحمل معدّات علمية لدراسة الطبقات الخارجية للشمس.
وقام برنامج الفضاء الهندي على ميزانية منخفضة نسبياً رفعت عقب فشل محاولة أولى لوضع مسبار في المدار حول القمر عام 2008.
ويرى خبراء أن الهند قادرة على إبقاء تكاليف برنامجها الفضائي منخفضة من خلال نسخ التكنولوجيا القائمة وتعديلها كما يلزم، وبفضل طفرة المهندسين المهرة الذين ينالون رواتب منخفضة مقارنة بنظرائهم من الأجانب.
وباتت الهند الأسبوع الماضي رابع دولة تنجح في إنزال مركبة غير مأهولة على سطح القمر، بعد روسيا والولايات المتحدة والصين. وبلغت كلفة “شاندريان-3” 74,6 مليون دولار، أي أقل من الكثير من مهمّات بلدان أخرى.
وأصبحت الهند في العام 2014 أول دولة آسيوية تضع مسباراً في مدار المريخ، ومن المقرّر أن تطلق الهند مهمّة مأهولة لثلاثة أيام إلى مدار الأرض بحلول السنة المقبلة. وتعتزم خوض مهمّة مشتركة مع اليابان لإرسال مسبار ثانٍ إلى القمر بحلول 2025، ومهمة إلى مدار الزهرة خلال العامين المقبلين لإيواء البشر حال دمار الأرض.
جدير بالذكر ان البرنامج الهندي للفضاء قد بدأ عام 1960، وتم تطوير البنية الاساسية ودعم القدرات وزيادة ميزانية وكالة الفضاء الهندية علي مدار الـ 60 عام الماضية، وأجرت 116 عملية اطلاق لأقمار صناعية ونفذت عملية 19 مراقبة للأرض و8 لملاحة الاقمار و 3 في مجال علوم الاقمار الصناعية.
صراع الكبار
منذ أكثر من نصف قرن، ألقى الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي خطابه الشهير في جامعة رايس، حيث قال تصريحه التاريخي “لقد اخترنا الذهاب إلى القمر”. ومنذ ذلك الحين، انطلقت البشرية نحو المجهول الفضائي، مشهدًا سباقًا فضائيًا عملاقًا أسر العالم. واليوم، يتجدد هذا السباق، لكن هذه المرة بدوافع جديدة ولاعبين جدد.
بعد مضي نحو ستة عقود، يعود التاريخ ليتكرر، ولكن برؤية مختلفة. فالسباق الفضائي الحالي يشهد منافسة بين دول عديدة، منها الصين وروسيا والهند والولايات المتحدة، لاستغلال ثروات القمر. واختلفت دوافع هذا السباق عما كان عليه في الماضي.
ولم يعد الفخر الوطني هو الدافع الرئيسي وراء السباق إلى القمر. بل أصبحت الموارد القيمة الموجودة على سطحه هي محور الاهتمام. إذ يُعد سطح القمر مصدرًا لثروات هائلة قد تحدث تغييرات جذرية في مجالات متعددة.
خرائط المياه القمرية
من بين الموارد التي تثير اهتمام الدول العظمى هو الماء النظيف الموجود على القمر. أظهرت دراسات وكالة ناسا وجود الماء في المناطق المضاءة بضوء الشمس على سطح القمر، مما يشير إلى انتشاره على نطاق واسع. هذا الاكتشاف قد يفتح آفاقًا جديدة أمام البشرية، حيث يمكن استخدام هذا الماء لدعم البعثات الفضائية المستقبلية دون الحاجة لإحضاره من الأرض.
يُعتقد أنه من الممكن تحويل الماء الموجود على القمر إلى هيدروجين وأكسجين، وهما مكونين أساسيين لوقود الصواريخ وللتنفس على التوالي. هذا التحويل قد يسهم في تحقيق الاستقلالية الفضائية وتحقيق انتقالات أبعد في الفضاء.
قدمت العديد من الدراسات الأدلة على وجود المياه على سطح القمر. في عام 2018، أجرى معهد علوم الفضاء في بولدر بولاية كولورادو دراسة أكدت وجود مياه في مختلف مناطق القمر. وفي العام نفسه، أشارت دراسة أخرى إلى أن كمية المياه قد تكون أكبر مما كان متوقعًا، مما يشير إلى وجود مصادر غنية في باطن القمر.
خطط المستقبل
تسعى عدة دول إلى استغلال هذه الثروة الفضائية. برنامج “أرتميس” لناسا يهدف إلى إعادة البشر إلى القمر بحلول عام 2025. من جهتها، هبطت الهند بمركبتها Chandrayaan-3 بالقرب من القطب الجنوبي للقمر، بينما تخطط روسيا والصين لمهام استكشافية مماثلة.
تحديات وآفاق
تثير هذه الجهود تحديات متعددة، منها التعامل مع الاستغلال البيئي للقمر والتحفظ على الموارد. بالإضافة إلى ذلك، قد تنشأ صراعات دولية حول الملكية والاستغلال. إن استخدام الموارد القمرية يمثل خطوة نحو التقدم والتطور، لكنه يتطلب تنسيقًا دوليًا دقيقًا لضمان الاستفادة المشتركة والمستدامة.