من العالم] بعد لهيب صيف 2023.. الكوكب يحتاج إلى “كمّادات” محاولات لتعتيم أشعة الشمس ودفن الحديد في المحيطات وسحب صناعية
دعوة دولية إلى تعليق تجارب الهندسة الجيولوجية الشمسية فوراً
متابعة: صُبرة، ووكالات، ووسائل اعلام
شهدت الدول العربية، والعالم بأسره، هذا الصيف أسوأ موجة حارة لم تحدث من نصف قرن وحطمت خلالها كل الأرقام القياسية، وللأسف لا يمكن لنا القول إن القادم سيكون أكثر هدوءا، فمع تصاعد متوسطات درجات الحرارة عالميا ليتخطى حاجز 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، سندخل إلى عالم جديد تماما بحسب تحذيرات العلماء في هذا النطاق، عالم يُمثِّل نقطة تحول بالنسبة لمناخنا وبيئتنا على الأرض.
وقد يكون عام 2024 هو العام الذي سيتجاوز فيه الاحتباس الحراري للمرة الأولى مقدار 1.5 درجة مئوية. ربما لا يبدو هذا الرقم كبيرا بالنسبة إليك، وأن ما يحدث ليس بالخطب الجلل، لكن العلماء يحذّرون من أن هذه اللحظة ستكون نقطة تحول تاريخية وعلامة فارقة في تاريخ الكوكب.
خفض انبعاثات الغازات
ويؤكد علماء المناخ من معهد كارنيجي في جامعة ستانفورد على ضرورة العودة لخفض انبعاثات الغازات التي تساهم في الاحتباس الحراري.
ويرى العلماء أن استمرار انبعاث مخلفات الاحتراق الهيدروكربونية في الغلاف الجوي للكرة الأرضية بنفس الوتيرة، سيرفع من درجة حرارة الهواء على الأرض بنسبة 15% بحلول عام 2100.
جاءت هذه التوقعات من قبل مجموعة من الخبراء الأمريكيين إثر دراسة البيانات التي تم الحصول عليها من خلال نموذج تجريبي للكرة الأرضية، وفقا لما ذكرته وكالة “تاس” الروسية.
وتوصل إلى هذا الاستنتاج الرئيسي، عالما المناخ باتريك براون وكين كالديرا من معهد كارنيغي في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، اللذان أكدا على ضرورة العمل بالسرعة القصوى لخفض الانبعاثات الغازية في الغلاف الجوي الناجمة عن احتراق الهيدروكربونات الطبيعية التي تساهم بالاحتباس الحراري.
ارتفاعات مقلقة
ففي مقالة علمية نشرت في “Nature”، حذر خبراء المناخ من ارتفاع متسارع في درجة حرارة الغلاف الجوي، حيث سيبلغ ارتفاع درجة الحرارة على الكرة الأرضية بنهاية القرن، من 3.2 إلى 5.9 درجات مقارنة مع ما يسمى بفترة ما قبل الثورة الصناعية في تطور البشرية.
ووفقا لخبراء معهد كارنيغي، فإن ارتفاع درجة حرارة الأرض لدرجة واحدة أو أكثر يؤدي ليس فقط لارتفاع مستوى مياه المحيطات في العالم، بل إلى زيادة الحموضة فيها، مما يهدد الحياة النباتية والحيوانية، ويؤدي إلى تقليص كتلة الجليد في القطبين، وزيادة هطول الأمطار على كوكب الأرض.
وتشير نتائج البحوث إلى أنه من دون الحد من انبعاثات الغازات في الغلاف الجوي، لن يكون بالإمكان إيقاف تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري.
كما يذكر العلماء باتفاق باريس للمناخ عام 2015، الذي وقع عليه رؤساء الدول، وتعهدوا فيه ببذل كل الجهود الممكنة للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
مراوح عملاقة
ويعمل العلماء في اتجاهات أخرى لخفض درجات الحرارة، في الريف قرب زوريخ بدأت شركة كلايموركس السويسرية في امتصاص الغازات المسببة للاحتباس الحراري من الهواء في مايو بواسطة مراوح عملاقة وفلاتر في مشروع تبلغ تكلفته 23 مليون دولار، وبحسب تقديرات كلايموركس تصل تكلفة امتصاص الطن الواحد من ثاني أكسيد الكربون من الهواء إلى 600 دولار، وبحلول نهاية العام الحالي ستبلغ الطاقة القصوى لهذا المشروع 900 طن في العام وهو ما يعادل انبعاثات 45 أمريكيا فقط في عام.
وتبيع كلايموركس الغاز بالخسارة إلى صوب زجاجية مجاورة لاستخدامه كسماد لنمو الطماطم والخيار بالشراكة مع شركة أودي لصناعة السيارات التي تطمح إلى استغلال الكربون في أنواع من الوقود أقل ضررا بالبيئة، ويستعدون لإطلاق مواد كيميائية عبر بالون بهدف إضعاف قوة أشعة الشمس ضمن جهود هندسية مناخية لتبريد كوكب الأرض.
ويرى المؤيدون، أن مثل هذه المشروعات، المنطوية على خطورة والتي غالبا ما تكون باهظة التكلفة، ضرورية بصفة عاجلة لإيجاد سبل لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ الرامية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري التي يقول العلماء إنها السبب في زيادة موجات الحر وهطول الأمطار وارتفاع مستويات المياه في البحور.
لا تزال بعيدة المنال
وتقول الأمم المتحدة، إن تلك الأهداف لا تزال بعيدة المنال، وإنها لن تتحقق بمجرد تقليل الانبعاثات على سبيل المثال من المصانع أو السيارات، وخصوصا بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق الذي أبرم في عام 2015. وتهدف اتفاقية باريس إلى أن تكون الزيادة في درجة حرارة الأرض خلال هذا القرن أقل من درجتين.
لكن بيانات الأمم المتحدة تظهر أن الخطط الحالية لتقليص الانبعاثات ليست كافية وخصوصا في ظل عدم مشاركة الولايات المتحدة وأن العالم سيكون بحاجة إلى التحول نحو تخفيض الانبعاثات خلال هذا القرن من خلال امتصاص الكربون من الطبيعة.
تعتيم أشعة الشمس
وهناك حلول في مجال الهندسة الجيولوجية تنطوي على خطورة لكن ربما تكون أجدى مثل تعتيم أشعة الشمس ودفن الحديد في قيعان المحيطات لامتصاص الكربون أو محاولة خلق سحب صناعية.
ورأت بعض الأبحاث أن الهندسة الجيولوجية المتعلقة بمواد كيميائية لتعتيم الشمس، على سبيل المثال، ربما تؤثر على الطقس العالمي وتعطل الرياح الموسمية الضرورية.
وفي مواجهة الخيارات الصعبة رأى كثير من الخبراء أن استخلاص الكربون من الفضاء ربما يكون من الخيارات المنطوية على درجة أقل من الخطورة.
تنطوي مشاريع الهندسة الجيولوجية الشمسية لتبريد الأرض، ومن بينها مرايا عملاقة في السماء وجسيمات عاكسة في طبقة الستراتوسفير، على مخاطر لناحية تسجيل «أضرار عابرة للحدود»، على ما حذّرت نحو 12 شخصية دولية طالبت بتعليق التجارب الواسعة النطاق، موصيةً في الوقت نفسه باستكمال الأبحاث المرتبطة بهذا الموضوع.
تعديل الإشعاع الشمسي
وأكّدت لجنة «كلايمت أوفرشوت كوميشن» في تقرير أصدرته مؤخرا أنّ «على الدول اتخاذ قرار بوقف اعتماد تقنيات تعديل الإشعاع الشمسي (سولِر رادييشن موديفيكيشن SRM) والتجارب الواسعة النطاق التي تُجرى في الهواء الطلق».
وتم إنشاء هذه اللجنة المؤلفة من 13 مسؤولاً سابقاً من باكستان وكندا والنيجر وإندونيسيا وشخصيات أكاديمية، بهدف اقتراح استراتيجيات جديدة للحد من خطر تجاوز الأهداف المحددة في اتفاق باريس.
لكنّ اللجنة أوصت من ناحية أخرى بدعم الأبحاث وتقييم إمكانات الهندسة الجيولوجية، فضلا عن تطوير حوكمة قانونية شفافة مع ضمانات بيئية قوية للتجارب الصغيرة في الهواء الطلق.
وفي حديث إلى وكالة فرانس برس، قالت لورانس توبيانا، رئيسة مؤسسة المناخ الأوروبية والعضو في اللجنة «نحن ندرك المخاطر، والحلّ ليس سحرياً».
وشكّل فشل البشر في خفض انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحترار العالمي، سبباً في معاودة الاهتمام بالهندسة الجيولوجية الشمسية التي قوبلت بالرفض قبل عقد على اعتبار أنها محفوفة بالمخاطر، لكنّها تساعد في كسب الوقت بحسب مؤيديها.
وتسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض بنحو 1,2 درجة مئوية منذ عصر ما قبل الصناعة، بزيادة كبيرة في حدّة وتواتر ومدة موجات الحر والجفاف وغيرها من الكوارث المدمرة.
ويجري التفكير في أساليب كثيرة منها تبييض السحب فوق المحيطات من خلال نشر جزيئات ملح البحر فيها، أو وضع مرايا عملاقة في الفضاء لعكس أشعة الشمس.
أما التقنية التي تحظى بشعبية فتتمثل في ضخ رذاذ عاكس وبخاصة جزيئات الكبريت، في طبقة الستراتوسفير.
انفجارات البركانية
وهذه التقنية مستوحاة من التأثيرات الطبيعية للانفجارات البركانية، وفي العام 1991، أطلق الانفجار البركاني الاستثنائي في جبل بيناتوبو في الفيليبين ملايين الأطنان من الغبار وتسبب في خفض درجات الحرارة العالمية لنحو عام وتحديداً في النصف الشمالي من الأرض.
لكنّ أصواتاً كثيرة ترتفع ضد الآثار الجانبية غير المرغوب فيها لتقنيات مماثلة، وأشارت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي في تقريرها الأخير إلى أنّ «ضخ الكبريت في طبقة الستراتوسفير يُضعف الرياح الموسمية الصيفية في أفريقيا وآسيا ويتسبب بجفاف الأمازون».
تكوين طبقة الأوزون
وقد يُعاد بسبب هذه التقنية النظر في تكوين طبقة الأوزون التي تحمي الحياة على الأرض من الأشعة فوق البنفسجية القاتلة، بحسب تقرير تقييمي علمي يتمحور على الموضوع نُشر في مطلع العام.
وأضافت اللجنة «لا ينبغي أن تتولى شركات تبغي الربح إجراء الأبحاث المرتبطة بتقنيات تعديل الإشعاع الشمسي، ولا ينبغي تمويل هذه الأعمال البحثية من جهات لها مصلحة في عدم وقف انبعاثات غازات الدفيئة»، كتلك العاملة في مجال الوقود الأحفوري.
ويشير التقرير إلى أنّ خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان والغازات الأخرى المسؤولة عن الاحترار المناخي تبقى على رأس الأولويات.
وخلص معدّو التقرير إلى أن «مخاطر تجاوز هدف 1,5 درجة مئوية المُحدد في مؤتمر باريس مرتفعة ومتزايدة»، لكن «لا يزال من الممكن تجنّب تجاوز» هذا الحدّ.
وتماشياً مع استنتاجات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي والوكالة الدولية للطاقة، دعا التقرير أيضاً إلى تعزيز التكنولوجيات الرامية إلى التخلص من ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الصناعة وإنتاج الكهرباء، فضلاً عن التقاطه مباشرة في الغلاف الجوي.
لكنّ اللجنة أبدت دعمها لتقنيات التقاط الكربون ليس رغبةً منها في استمرار انبعاثات غازات الدفيئة، بل لدفع الدول إلى الالتزام ليس فقط بـ«الحياد الكربوني» بل بالأهداف الخاصة بالبصمة الكربونية السلبية.
في نهاية المطاف، من المهم أن ندرك جيدا أن تجاوز ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية يُشكِّل بداية عملية تدمير تهدد بمحو نظم بيئية كاملة، ومعها ستندثر ثقافات بشرية بأكملها. صحيح أن مَن يتسمّرون الآن في الخطوط الأمامية تحت وطأة طوفان الدمار هذا هم الأكثر تضررا، لكننا جميعا سنتبع المصير ذاته إن لم نتخذ إجراءات فعالة في النهاية.