شخصية حميد بن مسلم الأزدي الكوفي [1]

الشيخ علي الفرج

اعتُمِدَ في رواية الكثير من تفاصيل واقعة كربلاء المأساوية على ما رواه أحد أبرز شهودها، وهو: حميد بن مسلم الكوفي الأزدي (1). وهو شخصية لم يتّفق على تحديدها ودراستها رجاليو الإمامية بالخصوص، فبين واصفٍ له بأنه أحد أصحاب الإمام السجّاد (ع)، وبين ناعتٍ له بأنه أحد أتباع بني أمية وأنه عدوٌّ من أعداء أهل البيت (ع). وقد وجدتُ من المناسب دراسة هذه الشخصية بدءًا من ولادته ونشأته، وانتهاء بتقييم رجال الحديث والرواية له وترجيح أحد الآراء على غيرها، وذلك وفق تسلسل العناوين التالية:

بدايات النشأة

لم يسجّل المؤرّخون تاريخ ولادة حميد بن مسلم، لعدم وجود قرائن تشير إلى تحديد سنة ولادته، كما أنّ المؤرّخين لم يصلوا إلى تحديد دقيق لعمره سنةَ وفاته، ما يجعل تحديد معاصرته لبعض الشخصيات من عدمها احتمالًا.. ولعلنا نستطيع تحديد بعض القرائن التي تدلّل على تقريب سنة ولادته، وذلك من خلال ما يرويه الطبري عن واقعة صفّين، فيقول: «حدثني إسماعيل بن يزيد، عن حميد بن مسلم، عن جندب بن عبد الله، أن عليًّا قال للناس يوم صفين: لقد فعلتم فعلةً ضعضعت قوة(2)، وأسقطت منة، وأوهنت وأورثت وهنًا وذلة(3)، ولما كنتم الأعلين، وخاف عدوكم الاجتياح(4)، واستحر بهم القتل(5) ووجدوا ألم الجراح، رفعوا المصاحف، ودعوكم إلى ما فيها ليفثئوكم عنهم(6)، ويقطعوا الحرب فيما بينكم وبينهم، ويتربصوا بكم ريب المنون(7) خديعة ومكيدة، فأعطيتموهم ما سألوا، وأبيتم إلا أن تدهنوا وتجوزوا. وأيم الله، ما أظنكم بعدها توافقون رشدًا، ولا تصيبون باب حزم(8)»(9).

إنّ في رواية حميد بن مسلم عن جندب بن عبد الله الواردة في الخبر دلالة على أنه لم يحضر معركة صفين؛ إمّا لأنه لم يولد في حينها  أو لأنه كان صغير السنّ أو لسبب آخر غيرهما. ويبدو أنّ حميدًا بن مسلم عاصر الإمام علي صغيرًا في السنّ، فروايته عن راوٍ واحد فقط لواقعة صفّين تدلّ على قربه من عهده (ع)، ولكنّ التفاصيل التي رواها عن حادثة كربلاء تُظهر أنه كان شابًّا لا يقلّ عمره عن 30 عامًا. وإذا كانت شهادة الإمام علي (ع) سنة 41ﻫ، حيث تفصلها عن واقعة كربلاء الواقعة سنة 61ﻫ أقل من 20 عامًا، فلا يُستبعد معاصرته للإمام علي (ع)، ولكن في مرحلة الطفولة.

وجوده في كربلاء

كثير من الأحداث المؤلمة التي وقعت في حادثة كربلاء وصلتنا عن طريق حميد بن مسلم، وفي كثير من تفاصيلها، لا مصدرَ تاريخيًّا غير روايته. فقد انفرد برواية مصارع مجموعة من شهداء كربلاء، كالقاسم بن الحسن، وعلي الأكبر، وعبد الله الرضيع، وعبد الله بن مسلم بن عقيل، وعبد الرحمن بن عقيل، وجعفر بن عقيل، وعون بن عبد الله بن جعفر، ومحمد بن عبد الله بن جعفر، وزهير بن القين، وحبيب بن مظاهر، كما كانت لحميد بن مسلم رواية لتفاصيل خاصة حول مصرع الإمام الحسين (ع) وما صاحب مصرعه من مآسٍ انفرد بذكرها حميد بن مسلم.

وأكثر ما وصلنا من هذه الأخبار عن حميد بن مسلم إنما وصل عن طريق الطبري (ت 310ﻫ) في تاريخه نقلًا عن مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف الذي فُقِدَ ولم يصلنا منه إلَّا نتف قليلة موجودة في بعض المصادر التاريخية، أهمها: تاريخ الطبري. كما وصلت أيضًا أخبار قليلة رواها أبو الفرج الأصبهاني (ت 356ﻫ) في مقاتل الطالبيين، كما نقل بعضًا منها ابن كثير في البداية والنهاية، إلا إن أكثرها كانت من نقل الطبري.

ورواية حميد بن مسلم لجميع هذه الأحداث وبتفاصيل كثيرة تدلّ على أنه كان في مرحلة الرجولة والنضج الذهني، ما يعني أنه عاصر الإمام الحسن (ع) مبكّرًا؛ لأنّ واقعة كربلاء حدثت بعد وفاة الإمام الحسن بعشر سنوات. بل إنها تدلّ على معاصرته لعهد الإمام علي (ع)، وهو ما سبقت الإشارة إليه.

وعند مطالعة ما يرويه الطبري عن أبي مخنف من مرويات حميد بن مسلم، أو ما يرويه أبو الفرج في مقاتله، يتأكّد حضوره معركة كربلاء. ولكن يبدو أنّ حضوره لم يكن من بداية أحداث المعركة، إذ يظهر، من تتبّع مروياته، أن مجيئه كربلاء بدأ مع حادثة رسالة عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد في اليوم السابع من المحرم يأمره فيها أن يمنع جيشُه الحسينَ (ع) وأصحابَهُ من أن يشربوا الماء من نهر الفرات وألَّا يذوقوا منه قطرة، وكان نزوله مع شمر بن ذي الجوشن(10)؛ لأنه لم يروِ شيئًا قبل هذا الحادثة.

بعد معركة كربلاء

كتب جماعة، معظمهم من الكوفة، إلى الإمام الحسين (ع) قبل معركة كربلاء رسائل لمبايعته بالخلافة، ولكنهم تخلّفوا لاحقًا عن نصرته. فَلَمَّا وقعت المعركة وانتهت بمقتله (ع) دون أن يناصروه، ندموا على ما فعلوا، وألّفوا جيشًا سموه: جيش التوابين، وكان زعيمهم سليمان بن صرد، الذي قاد الجيش وقاتل الأمويين إلى أن قتل عام 65ﻫ في منطقة عين الوردة، وقد قتل في هذه المعركة خلق كثير من الطرفين. وضمن أحداث المعركة، يُذكر بأنّ حميدًا بن مسلم «كان مع جند سليمان بن صُرد من طرف المختار في مقتل عين الوردة في حرب أهل الشام لطلب ثار الحسين (ع)»(11).

وبعد مقتل سليمان بن صرد بعام (أي: سنة 66ﻫ)، أعلن المختار الثقفي عن حركته مؤيّدًا لثورة التوابين، الأمر الذي ساعده في التفاف الناس حوله، مردّدًا شعار: «يا لثارات الحسين».

وقد انتصرت حركته، واستطاع أن يثأر لمقتل الإمام الحسين (ع) وأصحابه (رض)، فقتل جماعة كبيرة من قتلة الإمام الحسين (ع)، من أبرزهم: عبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر بن الجوشن، وخولي بن يزيد الأصبحي، وحرملة، وغيرهم، من الأسماء التي شاركت في قتل الإمام الحسين (ع). وأثناء تعقّب المختار للقتلة والمشاركين في جيش عمر بن سعد، ورد اسم: حميد بن مسلم، فطلب إحضاره، ولكنه علم بذلك، فهرب ونجا، وقال:

ألم ترني على دهشٍ

نجوت ولم أكد أنجو

رجاء الله أنقذني

ولم أك غيره أرجو (12)

معادٍ أم موالٍ أم محايد؟

هل كان حميد بن مسلم شخصًا معاديًا للإمام الحسين (ع)، أم كان مواليًا، أم كان محايدًا لم يحدّد موقفه، وإنما كان في حضوره الكربلائي مجرّد راوٍ للأحداث فكانت وظيفته تشبه إلى حدٍّ بعيد وظيفة المراسل الصحفي في أيامنا هذه؟

الحلقات المقبلة تُحاول الإجابة.

———–

(1) الأزد قبيلة عربية كبيرة عريقة ذات تاريخ قديم، تنتسب إلى الأزْد بن الغوث بن نَبْتٍ بن مالك بن زيد بن كَهْلان بن سبأ بن يَشْجُب بن يَعْرُب بن قحطان. والأزد لقبه، واسمه دِراء بوزن (فِعَال)، والأزْد والأسْد لغتان، والأخيرة أفصح، إلا أن الأولى أكثر، وهذه القبيلة غير قبيلة بني أَسَدٍ (بفتح السين) العدنانية.

(2) ضعضعت: خضعت وذلت وهُدِّمَت أركانه.

(3) وَهْنًا: ضعفًا.

(4) الاجتياح: الاهلاك والاستئصال.

(5) استحر بهم القتل: اشتد بهم.

(6) ليفثؤكم: ليكسر وحدتكم.

(7) المنون: الدهر والمنيّة؛ لأنها تقطع المدد وتنقص العدد.

(8) الحزم: ضبط الرجل أمره والحذر من فواته من قولهم.

(9) تاريخ الطبري، ج3 /105؛ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة)، الميرجهاني، ج١/ ١٠٨.

(10) تاريخ الطبري، ج4/ 311.

(11) مستدركات علم رجال الحديث، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، ج3/ 289.

(12) أنساب الأشراف، البلاذري، ج2/ 360.

[يُتبَع غداً في الـ 9 صباحاً]

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×