صراخ الفاقدات
أنوار ميثم العوامي
في زحام البكاء، ارتطمت جميع المشاعر ببعضها معلنة أن الخامس عشر من شهر ربيع الثاني، ليس كأي يوم عادي تاريخٌ يعلق في الذاكرة. الأب و الجد الحنون قد فارق الحياة. تاركًا بعده عائلة مفجوعة من صغير و كبير من قريب و بعيد.
غرفة باردة يملؤها البكاء، النحيب يتلوه صراخ الفاقدات الكل ينعى نفسه و يتذكر حلو أيامه معك.
سويعات وإذا به يدار مفتاح ذلك الباب ويخرج الابن المفجوع وينادي أمه و إخواته تعالنّ للتوديع. تتسابق الأخوات ليرتمين بين أحضان ذلك الأخ الحنون ليهدئ من روعهن و ليمسح على رؤسهن فقد أصبحن أيتاماً.
كيف أحكي و أصف احتضانه لوالدته كيف لي!، كلمات بسيطة تصف الموقف أصبح أباها في تلك اللحظة وهي ابنته المدللة، فقد احتضنها ومسح على رأسها و راح يصبرها ويسلي قلبها الفاقد.
الخطوات أصبحت ثقيلة، دقات القلب تتسارع تكاد أن تتوقف، كيف لنا أن ننظر الحنان والدلال مسجى على ذلك السرير وهو مرتد ذلك الكفن.
بكاء المفجوعين والمفجوعات يُدوي في الأرجاء، فتلك تقبله وتارة تشمه والأخرى ترجوه أن يرد عليها، ومنهن من تندب حالها لا تريد أن تصدق أنه ذاهب بلا عودة.
أبناء وأحفاد عقولها مذهولة، لا تريد أن تصدق ما تراه أعينها، هل هذا هو حقاً ذلك العزيز العطوف؟!!
لم نره هكذا قط، لم نعتد منه هذا الجفاء، شملنا جميعاً بحبه وحنانه كنا نهوى مجالسته وممازحته كلما أقبل علينا. هل هذا هو حقاً آخر الاجتماع !
يا عزيز القلب كيف حالك بين القبور؟، كيف لك أن ترحل دون أن تودعنا الوداع الأخير؟ رحلت دون أن تبتسم تلك الابتسامة الحنونة التي طالما عهدناها منك.
يا عزيز القلب.. ليلةٌ الجُمعة مقبلة علينا وأؤمن أنها ستكون أثقل ليلة جمعة مرت على عائلتك، كيف لنا أن نأتي منزلك ولا نراك؟! لمن سنقدم كوب الشاي مع قطعة الخبز بعد الآن؟، من منا سيقدم لك كوب الشاي ليحظى برؤية تلك الابتسامة النقية؟. ولكن هيهات قُضي أمر ربك وخلا منك منزلك لم يعد بوسعنا إلا تذكر أيامنا وليالنا معك، موتك يا عزيز القلب انكسار و حزن وكل هذا لا ينجلي بل يزداد يوماً بعد يوم.
كيف لنا أن ننساك و ننسى لطفك، خوفك و عطفك على الصغير قبل الكبير؟، كيف لنا أن ننسى ابتسامتك التي لم تغب عن شفاهك حتى حين أخذ المرض منك مأخذاً؟.
أتعلمون.. لم يكن عزيز القلب رجلاً كأي رجل، بل كان قلبه كالجنة لنا يسعنا جميعاً، كان الرجل الذي قـدّم للجميع المثال الرائع للإنسان المؤمن الطيب، عرِفه الجميع من خلال تلك الصورة الرائعة التي قدمها في تعامله مع الآخرين بحُسن أخلاقه.
كان نقياً بكل ما تعنيه الكلمة، تجرّد من حب الذات و الأنانية، فقد كان متواضعاً كريم النفـس ما تطلب منه شيء إلا وصنع المستحيل ليأتيك به مهما كان، حقًا كان من خيرة الرجال. حقًا كان من خيرة الرجال.
جُلّ دعوانا يا الله أن تجعلنا خير أبناء وبنات وأحفاد له. ولا تجعلنا نلهو عن دعائنا له.
ورحم الله من يقرأ سورة الفاتحة لروح الفقيد السعيد/: أبو علي ” صالح محمد آل صلاح “.