عيسى الرشيدي.. 9 سنوات في مساكن الجن..! قصة بدأت في "ماكر الشياهين" وانتهت باستكشاف 21 كهفاً في منطقة المدينة

القطيف: نور المسلم

9 أعوام من البحث والاستكشاف، قضاها الشاب عيسى الرشيدي صاحب الـ 31 عاماً، بين مجاهيل الكهوف وظلامها، عاشقاً استطلاع المجهول تحت الأرض، وفي مواقع تحوم حولها أساطير الجن وحقائق الحيوانات الفتاكة.

إنها قصة بدأها بأول استكشاف في خيبر حيث مسقط رأسه، الأمر الذي زاد من شغفه لاكتشاف المزيد.

الدهشة الأولى

كانت رحلته الأولى للبحث واستكشاف الكهوف في عام 1432هـ، لكن قبل تسعة أعوام وفي رحلة بحث استكشافية قام بها الرشيدي لمعالم منطقة حرة خيبر بالمدينة المنورة، شاهد كهفاً عجيباً -بحسب وصفه-، سار على قدميه مسافة 3.5 كيلومترات تحت الأرض، فبرزت له ملامحه التي امتاز بها عن بقية الكهوف التي عرفها سابقاً، من حيث ضخامة حجمه وطوله وحتى تركيبته الجيولوجية.

يقول عيسى لـ صُبرة إنه عاد إلى والده مندهشاً مما شاهده، فهو لم يرَ كهفاً بهذا العمق، ولم يسمع أحداً يتحدث عن وجود كهف بهذا الشكل، فأخذ بصف الكهف لوالده فأخبره حينها أن الكهف الذي قد رآه وكان فيه هو “كهف ماكر الشياهين”، الذي كان مشهوراً جداً لدى أهل البادية سابقاً، فهو معروف لديهم قبل 60 عاماً بشكله الخارجي وأوصافه التي تفرد بها، إلا أنهم لا يعرفون حجمه ولا موقعه بشكل دقيق، أو كيف يصلون إليه.

يضيف عيسى على كلام والده “حتى مع وجود السيارات إلا أنه ليس هنالك طريق قريب أو معد لوصول السيارات إلى الكهف، مما تسبب في غياب الناس عنه”، إلى أن قام هو بالبحث عنه استطلاعه بشكل دقيق، والرجوع إلى القائمين على قسم الكهوف بالمنطقة، فتفاجأ بأنهم لم يسمعوا به إلا منه”، على حد قوله.

قام عيسى بتصوير الكهف ومشاركة الصور بالنشر عنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي في عام 2018م، فكان له صدى واسع وانتشار كبير، مما أدى إلى تصنيفه وتسجيله كمعلم سياحي في المنطقة، وحظي بتوافد عدد كبير من الزوار والسياح.

عتاد الرحلة

كان كهف ماكر الشياهين الشرارة الأولى للرشيدي التي لم تنطفئ، ففي كل مرة يخرج فيها للبحث والاستكشاف يأخذ معه ما خف وزنه وثقلت منفعته من أدوات، كمصباح الكشافة، وأدوات السلامة، وبعض ما يساعده على الدفاع عن نفسه ضد أي خطر أو هجوم من الحيوانات التي تعيش في البرية، وبالطبع لا غنى عن الطعام والماء وبعض الأحيان يكون معه رفاق لرحلته.

يشير عيسى إلى أنه بعد تناول الطعام الذي يكون غالباً وجبة إفطار أو غداء تبدأ الرحلة في ضوء النهار، وتختلف المدة المستغرقة في العملية البحثية تبعاً للظروف المختلفة، كالمنطقة الجغرافية، والمسافات المقطوعة، والهدف الأساسي للبحث في كل عملية، والظروف الجوية والبيئية، والمشكلات التي من الممكن أن يتعرض لها الباحث، كتعرض سيارته للتعطل، أو نفاذ بطارية المصباح الضوئي، أو رؤية آثار جديدة على الرمال لمخلوقات خطيرة كالذئاب، وهذا ما حصل مع الرشيدي ذات يوم في إحدى رحلاته البحثية، مما عرضه لخطر الهجوم في أي لحظة لا يمكن توقع ما قبلها ولا ما بعدها، ويقول في ذلك “إنها أصعب من أصعب المشكلات التي تعرض لها”.

يضيف عيسى “كون المنطقة المحيطة بالكهوف خالية من الناس، فمن الصعب اللجوء إلى أحدهم أو طلب المساعدة منه، أما في خارج منطقة الكهوف فهناك قلة من الناس كمالكي الإبل والغنم وغيرهم، وقد التقى بهم الرشيدي بعض المرات وهرع إلى التعرف عليهم، قاصداً مساعدتهم إذا كانوا بحاجة إلى المساعدة أو لتبادل المعلومات والخبرات حول المنطقة.”

طول رحلة واستكشافات

يتابع الرشيدي “طيلة هذه السنوات لم أتوقف عن الرحلات الاستكشافية، ولم يقل شغفي تجاه الطبيعة، فنتج عن رحلته الأخيرة التي دامت نحو خمسة أشهر استكشاف ما يزيد عن 21 كهفاً في منطقة حرة خيبر بالمدينة المنورة، كان من بينها كهوف لم يتم استكشافها من قبل، وكهوف مواقعها معلومة إلا أنه لم يسبق لأحد الوصول إليها من الداخل.”

متاعب وصعوبات

ويقول الرشيدي “هناك الكثير من الصعوبات، فالوصول إلى الكهوف ليس سلساً لكونها داخل حرات بركانية، ولوعورة الطرق المؤدية إليها، مما يصعب التنقل فيها، كما أن الكهوف بطبيعة الحال تمتاز بشدة ظلامها، مما يزيد من احتمالية وجود أي خطر مجهول في داخلها كالحيوانات الشرسة، وركام الصخور البازلتية التي يحتمل انهيارها في أية لحظة.”

يكمل الرشيدي حديثه قائلاً “اضطر في أغلب الأحيان إلى النوم في البرية لليال عدة، نظراً إلى بعد المسافة بين مناطق الكهوف والمناطق السكنية حتى أُكمل عملية الاستكشاف، علماً بأن غالبية مناطق الكهوف لا توجد فيها تغطية لعدم وجود أبراج اتصالات فيها، إلا أنه بالرغم من هذه الصعوبات مازلت مستمراً في العمليات الكشفية عن الكهوف”.

الأهمية العلمية

من جهة أخرى أوضح الدكتور عبد الهادي العوفي، الأهمية العلمية لاستكشاف الكهوف، مشيراً إلى أنه ذاكرة صلبة مهمة وأرشيفية للمعلومات الجيولوجية والطبيعية والأثرية؛ فبسبب طبيعتها التي تكون تحت الأرض تعمل على الحفاظ على المعلومات التي قد تُفقد بسبب عوامل التعرية أو التجوية التي تعمل على سطح الأرض، مما يسمح لنا بإعادة رسم الخريطة الطبيعية للحياة أثناء فترات التاريخ السحيق.

وأضاف أن الكهوف تمثل موائل للعديد من الحيوانات من بينها بعض أنواع الطيور كالحمام والسمامات، بالإضافة إلى الخفافيش حيث تقضي سحابة نهارها هناك ومع الغروب تخرج لتتغذى، كما أن بعض المفترسات تتخذها مآوى لوضع الصغار ورعايتهم.

وأشار إلى أن الكهوف تمثل مواقع للترفيه البيئي المنضبط بأخلاقياته؛ فهواة المغامرات والاكتشاف يرونها وجهة مميزة، ومن هناك بالإمكان أن تكون دخلاً للسكان المحليين المحيطين بها، ومورداً مالياً عبر التخطيط المتقن مع الجهات ذات الاختصاص.

وأوضح أنه وبحسب أطلس الكهوف والدحول بالمملكة يوجد حوالي 48 كهفاً بمنطقة المدينة المنورة فقط، لحرة خيبر الحصة الأعلى منها، كما أفاد بأنه بحكم عمله في التنوع الأحيائي فهو يعمل مع بعض الأدلاء المحليين منهم عيسى الرشيدي من خيبر، و عبد الرحيم السهلي الخبير بدروب حرة رهاط، للتعرف على التنوع الأحيائي الذي تحتضنه تلك الكهوف.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×