النعيمي: “المفاهيمية” أحدثت ثورة في مدارس الفن التشكيلي توجه فني شامل في الرسم والنحت والبوت آرت
سيهات: معصومة المقرقش
أكد الفنان التشكيلي خميس النعيمي أن المدارس الفنية للفن التشكيلي مدراس متجاورة لم تزحزح بعضها البعض لأنها فنون مرتبطة ببعضها البعض، فضلاً كونها مدارس متلاصقة ومتلاحقة.
جاء ذلك، خلال الأمسية الفنية التي اقيمت مساء أمس في نادي الفنار للإنتاج الفني بسيهات بعنوان: “التيارات الفنية المعاصرة”، متناولاً المفاهيمية – الفن وسلطة العقل- الذي عرفه بأنه توجه فني شامل في الرسم والنحت وفن الفيديو وغيره من الفنون الآدائية والبصرية، ويعطي الأولوية للفكر والمفهوم على حساب الأسلوب والتكنيك، ويسمى أيضاً الفن الذهنوي ويركز على توصيل الفكرة من خلال رسائل كالنصوص المكتوبة والصور وأفلام الفيديو والايقونة والأداء عن طريق الجسد ويظهر هذا الفن كحصيلة من اختزال مارسه رواد الفن الاعتدالي بغرض تجاوز الاعمال الفنية التقليدية كاللوحة والمطبوعة.
ولفت إلى أن أهم رواد الحركة المفاهيمية الفنان الفرنسي مارسيل دوشامب، الرائد الانقلابي الذي عرض المبولة أو النافورة عام 1917، وقد مثلت ثورة على الفن البرجوازي السائد في أوروبا، وكرسي جوزيف كوست، الذي قدم كرسي وثلاث كراسي في ثلاث حالات صور بصرية، وهي الكرسي المادي الحقيقي وصورته ومعلومة عنه من القاموس الذي أطلق النقاد عليه الفن المفاهيمي الذي يعتمد على مفهوم الشيء لا على جماليته المحققة سلفاً.
وبين النعيمي أن هذا الفن عدّ امتداداً للفن دو شامب في الفن الجاهز التي أدخلت المشاهد والنقاد في حيرة لا يمكن بعدها تمييز الفن من خلال معايير متفق عليها سلفاً، لافتاً إلى أن دوشامب برر لجوئه للمواد الجاهزة بقوله: “كل شيءٍ جميل حتى برميل القمامة”.
ومن رواد المفاهيمية كذلك الذي تحدث عنهم الفنان النعيمي موريستو كتيلان قائلاً: كتيلان من الصعب فهمه خاصة بعد أن ثبت موزة على حائط بشريط لاصق وبيعت بـ 120 ألف دولار، من قبل فنان أداء يدعى ديفيد دانوانا الذي أكل الموزة أمام الجميع ولم يشعر بالحرج، وذلك في معرض آرت بازل ميامي وقال عندها: كان هذا فن كاتيلان وكان هذا آدائي.
وتطرق النعيمي إلى المحور الثاني من الأمسية متناولاً الحديث عن فن “البوت آرت” التي وصفها وفقاً للفنان البريطاني ريتشارد هاملتون بأنها فنون شعبية مستهلكة منخفضة التكاليف، انتاجها ضخم، ومتجدد، وبارعة، ومثيرة لافتة، فضلاً كونه مشروع تجاري رائع، وأن أهم رواده أندي ورهول الذي ابدع في رسم مجالات الدعاية والاعلانات – الأزياء والكتالوجات، بطاقات المعايدة- ، مشيراً إلى أن ورهول علمته السنوات الفهم التجاري إلى ابتداع فن خام من دون أسلوب وذو طابع لا يحتمل أي تأثير عاطفي حيث انتقل من وسائل الدعاية والاعلانات إلى الفن الصافي.
وبين أن الفنان ورهول اهتم بتكرار النموذج الواحد مرات عدة مع تعديل طفيف له كقنينة الكوكاكولا، وبطاقات بنكية، وعلب حفظ الطعام، وصور شخصية بارزة مع استخدامه أدوات ميكانيكية، منوهاً بأنه يختار مواضيعه من مظاهر الحياة، وأن تكرارها يجعل المشاهد يقف على الإعلان مباشرة، فضلاً عن أنه أي ورهول صوراً بارزة من المجتمع الأمريكي حاول تعريتها وأن ينزع عنها الصنمية بتحويلها إلى أداء دعائية بسيطة.
ومن أهم رواد “البوب أرت كذلك الذي تحدث عنهم النعيمي روي ليختنشتاين الذي تميز باستخدام المشاهد من الكوميكس أو المجلات الهزلية الأمريكية، وفي صورة الفتاة الغارقة والتي أضاف إليها طابع الميلودراما من خلال اللوحة، مستخدماً التنقيط وهي طريقة في الطباعة حيث تكون النقاط ملونة صغيرة وقريبة من بعضها البعض ومتداخلة عن طريق عنصر بصري معين لكي يبين بأنها مبرمجة أو نسخة أي منتج استهلاكي.
كما تحدث عن بانسكي الفنان الجرافيكي الإنجليزي المشهور والمجهول قائلاً عنه: أول ظهور لرسوم بانسكي كانت على جدران بريستول ولندن عام 2003 لصورة الموناليزا وهي تحمل مقذوفة، إلى جانب أنه رسم باقة ورد وهي اللمسة العبقرية كما وصفها النعيمي والتي رفعت اللوحة إلى مراتب الإبداع الجمالي وكأنه يقول إنها المقاومة بوسائل سلمية على الطريقة الغاندية وهي الصورة التي تعودنا رؤيتها لمناضل فلسطيني يحمل الحجر.
واختتم النعيمي أمسيته بالحديث عن العمل الفني في عصر الاستنساخ، مشيراً إلى أن أول من تنبأ بأثر التكنولوجيا على الفن هو الفيلسوف والتر بيامين وتأثير الوسائط الحديثة على رؤية الفنان وتفكيره في تغيير الطابع التفردي للفن وقد أصدر كتابه الشهير وهو “العمل الفني في عصر استنساخ”، أوضح فيه إلى تلاشي العمل الفني وفقد اصالته الحقيقية والتحول إلى السوق الاستهلاكي والربح، مؤكداً أن الفن يجب أن يكون مميزاً ومتفرداً وأصيلاً، وأن النسخ مهما بلغ من الاتقان سيظل يفقد عنصر مهم وهو جودة هذا الأصل في الزمان والمكان، ولكن بصورةٍ أخرى اتاحت الصورة المستنسخة مساحة رؤية لجهور عريض وفي كل مكان للاطلاع على الأعمال الفنية، كما اتاحت التكنولوجيا واقع جديد في مجال الفن على مستوين من استعمال مباشر لبرامج الحاسب الآلي والمعالجة الرقمية.
وأفاد النعيمي بأن هناك أيضاً مستو ثانٍ وهو فن الوسائط الجديد كما هو الأمر في ابداعات فن الفيديو والأفلام التجريبية والحفظ عبرها والإرسال واستقبال الجديد وغيرها من الوسائط التي ألغت السمة الفردية.