الفاطميون في الشوارع برمزهم الرمضاني.. الفانوس..! تطورات متلاحقة من علبة صفيح إلى دمية تغني

القطيف: صُبرة

مع اقتراب شهر رمضان الذي تفصلنا عنه أيام معدودة، بدأت أعمدة الكهرباء في الشوارع تتزين بالرمز المضاني المتعارف عليه الآن عربياً وعالمياً ألا وهو الفانوس.

يمكن أن يكون الفانوس جديداً في هيئته الحالية التي تتغير كل عام وتتطور بفعل التكنولوجيا واختلاف الأذواق، ولكنه في الأصل يعود إلى أكثر من 1000 عام، بدءاّ من استخدام المسلمون له في الإضاءة قديماً، حتى أصبح في عصرنا الحالي بمثابة لعبة متكلمة مضيئة للأطفال.


خلال القرن الـ 20 نجح المصريون في تعميم رمزية الفانوس في كل البلدان العربية، حيث يقول البعض إن كلمة “فانوس” تعود إلى اللغة الإغريقية، ومعناها وسيلة للإضاءة، كما يقال أيضاً أنه يسمى “فناس” في بعض اللغات السامية، أما وفق “القاموس المحيط” للفيروز أبادي فمعناه هو “النمّام”  أي الذي يُظهر صاحبه وسط الظلام.

ورغم أن استخدام الفانوس يعود لصدر الإسلام عندما كان يهتدي به المسلمون عند ذهابهم للمساجد ليلاً، إلا أن هناك العديد من الروايات حول ذلك، خاصة وأنه أصبح أحد أحد المظاهر الشّعبيّة والفنون الفلكلورية الّتي نالت اهتمام الفنّانين والدّارسين حتّى أن كثيرين قاموا بدراسات أكاديميّة حول ظهوره وتطوره وارتباطه بشهر الصّوم ثمّ تحويله إلى قطعة جميلة من الدّيكور العربي في الكثير من البيوت المصريّة الحديثة.

تشير إحدى الروايات إلى أن أول من استخدم الفانوس في رمضان هم المصريون، وتحديداً يوم الخامس من رمضان عام 358هـ، بالتزامن مع قدوم الخليفة الفاطمي المعز لدين الله إلى القاهرة قادما من المغرب، حيث خرجوا على أطراف الصحراء الغربية من ناحية الجيزة للترحيب بالمعز الذي وصل ليلاً، وكانوا يحملون المشاعل والفوانيس الملونة والمزينة لإضاءة الطريق، وهكذا بقيت الفوانيس تضيء الشوارع حتى آخر شهر رمضان، لتصبح عادة يلتزم بها كل سنة، ويتحول الفانوس بعدها إلى رمز للفرحة وتقليدا محببا في شهر رمضان.

وفي رواية أخرى فقد كان الخليفة الفاطمي دائماً ما يخرج إلى الشارع في ليلة رؤية هلال رمضان لاستطلاع الهلال، وكان يخرج الأطفال وراءه يحمل كل منهم فانوساً ليضيئوا له الطريق وهم يتغنون ببعض الأغاني والأهازيج التي تعبر عن فرحتهم بقدوم شهر رمضان.

ورواية أخرى وهي أن أحد الخلفاء الفاطميين أراد أن يجعل كل شوارع القاهرة مضيئة طوال ليالي رمضان، فأمر شيوخ المساجد بتعليق فوانيس تضاء بالشموع على كل مسجد.

أما أغرب الروايات التي قيلت، فترجع إلى أن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله كان قد منع النساء من الخروج ليلاً، واستثني شهر رمضان من ذلك، كي يسمح لهن بالخروج للصلاة أو التزاور، إلا أنه اشترط وجود غلام يحمل فانوساً لينير الطريق لهن، ويعلم المارة بأن هناك امرأة تمر بالطريق، فيفسحون لها، ويغضون أبصارهم.

تطور صناعة الفانوس

تطورت صناعة الفانوس على مر العصور من حيث الشكل واللون والتركيب، حيث  تعد مدينة القاهرة من أهم المدن الإسلامية التي تزدهر فيها هذه الصناعة، وهناك مناطق معينة تخصصت في صناعة الفوانيس واشتهرت بها، مثل منطقة تحت الربع القريبة من حي الأزهر، والغورية، ومنطقة بركة الفيل بالسيدة زينب، وانتقلت فكرته من مصر إلى أغلب الدول العربية وأصبح جزءاً من تقاليد شهر رمضان لاسيما في دمشق وحلب والقدس وغزة وغيرهم.

واتخذ الفانوس أشكالاً متنوعة تطورت بمرور الزمن، وتحول إلى موروث شعبي أصيل في مصر، إذ تحول من وظيفته الأصلية في الإضاءة ليلاً إلى أخرى ترفيهية إبان الدولة الفاطمية، حيث راح الأطفال يطوفون الشوارع والأزقة حاملين الفوانيس ويطالبون بالهدايا من أنواع الحلوى التي ابتدعها الفاطميون، كما صاحب هؤلاء الأطفال ـ بفوانيسهم ـ المسحراتي الذي يجوب الشوارع والحارات ليلاً لإيقاظ الناس لتناول السحور، لدرجة أن أول أنواع الفوانيس المعروفة كان يحمل اسم “المسحراتي” وهو فانوس صغير القاعدة وله أبواب كبيرة.

وبعد أن كان الفانوس مجرد علبة من الصفيح توضع بداخلها شمعة، تم تركيب الزجاج مع الصفيح مع عمل بعض الفتحات التي تجعل الشمعة تستمر في الاشتعال. ثم بدأت مرحلة أخرى تم فيها تشكيل الصفيح وتلوين الزجاج ووضع بعض النقوش والأشكال، وكان ذلك يتم يدوياً وتستخدم فيه المخلفات الزجاجية والمعدنية، وكان الأمر يحتاج إلى مهارة خاصة ويستغرق وقتا طويلا.

بعد ذلك أصبح الفانوس يأخذ أشكالا تحاكي مجريات الأحداث والشخصيات الكرتونية المختلفة المشهورة في الوقت الحاضر، أحدها مثلاً عرف باسم “البرلمان” نسبة إلى فانوس مشابه كان معلقا في قاعة البرلمان المصري في ثلاثينات القرن الماضي، وكذلك الفانوس المسمى “فاروق” والذي يحمل اسم ملك مصر السابق والذي كان قد صمم خصيصاً لاحتفال القصر الملكي بيوم ميلاده، وتم شراء ما يزيد على 500 فانوس من هذا النوع يومها لتزيين القصر الملكي.

وظهر أيضاً الفانوس الكهربائى الذي يعتمد في إضاءته على البطارية واللمبة بدلا من الشمعة.

ولم يقف التطور عند هذا الحد بل غزت الصين مصر ودول العالم الإسلامي بصناعة الفانوس الصينى الذي يضيء ويتكلم ويتحرك.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×