فيديو] العبد الصالح … مسجد سمّته “تقيّة” القديح في القرن الثامن الهجري الشيخ يوسف بن أبيّ عاش في رشالا والنجف وحلب.. وأخفى اسمه من كتبه خوفاً
شاهد فيديو 14 مسجداً في القديح
https://www.youtube.com/watch?v=U8yfG6jIuoI
القديح: معصومة المقرقش
تصوير : جمال أبو الرحى
على ربوةٍ هي الأعلى ارتفاعاً في بلدة القديح كلها؛ يأخذ مسجد العبد الصالح مكانه بين بيوت اصطفّت عشوائياً، خارج القديح القديمة.. المسوّرة.
كلُّ هذه البيوت لم تكن موجودة قبل عهد العمدة السيد رضي أبو الرحي (توفي سنة 1382هـ) الذي كلّفته الدولة توزيع أراضي خارج المسوّرة على سكان القرية المحاطة بالنخيل، بحسب رواية الشاعر المؤرخ عدنان العوامي الذي يتذكّر أنه رأى القديح وهو صبيٌّ يتعلم القرآن عند الملا حسن المقيلي.
ويقول العوامي لـ “صُبرة” إن القديح القديمة هي المسورة، أما غربها وجنوبها فأغلبه أراضٍ جرداء. هذا الوصف يشمل ما بعد الموقع المعروف بـ “الوادي”، كما يشمل غرب مسجد السدرة الذي كان يقع داخل المسوّرة، عند البوابة الغربية.
قبل ذلك؛ كان مسجد العبد الصالح وحيداً على ربوةٍ جرداء، خارج “الديرة”، ليكون المسجد الخامس في محيط المسوّرة حتى سنة 1308، بعد مسجد السدرة، ومسجد الشيخ، والأخير بناه الشيخ أحمد آل طعان المتوفى سنة 1315هـ، ومسجد المهنا، ومسجد الشيخ إبراهيم. إضافة إلى مساجد أخرى شُيّدت في السيحة الزراعية، وبعيدة جداً عن المسوّرة، قياساً بقياس المسافات قديماً.
أما اليوم؛ فإن “العبد الصالح” يقع بين 14 مسجداً في القرية التي تطورت إلى بلدة، ليكون ثاني أثر لمعالم قرية رشالا التاريخية، وهو المسجد الوحيد في محافظة القطيف، والقديح خاصةً، الذي تميز بهذا الاسم دون سواه من المساجد الأخرى لأسبابٍ قِيلت إن عصر صاحبه الشيخ يوسف بن أُبي الرشالي كان محفوفاً بالمخاطر الموجبة لاستعمال التقية، حتى وصل الأمر لإطلاق اسم المسجد الذي بناه على صفةٍ عُرفت به قريته منذ زمن مضى..!
الشيخ الرشالي عاش في القرن الثامن الهجري، استناداً إلى استنتاج الشيخ علي البلادي صاحب كتاب أنوار البدرين الذي قال عنه “الظاهر أنه من أهل المائة السابعة”. ولكنّ هناك رواية أخرى تضعه في أهل المئة الثامنة.. أي القرن التاسع الهجري.
وهذا يعني أن وجود قرية رشالا، ووجود المسجد، سبقا وجود القديح، على الأقلّ في المدوّنات التاريخية.
الباحث حسين منصور الشيخ الذي في جعبته معلومات عن سبب تسمية المسجد، وهو يسندها إلى الشيخ حسين القديحي (توفي 1387ﻫ)، فقد ذكر الشيخ في أحد دفاتر تحصيل الأوقاف النص التالي:
بيان حاصل مسجد الشيخ يوسف بن أبيّ الرشالي القديحي، وهو المعروف بمسجد عبد الصالح: مئة وعشرون ريالًا أيضًا وصلت من يد الأكرم الحاج علي فرج”،
زمن تقية
معلومة أخرى نجدها حاضرةً عند الشيخ فرج العمران (ت 1398ﻫ) في الأزهار الأرجية، ج10/ 136 – 137، وذلك عندما تحدّث عن كتاب “التهاب نيران الأحزان” للشيخ يوسف بن أبيّ وعدم ذكره لاسمه كمؤلّفٍ للكتاب وعن سبب ذلك، فيقول: «والسبب في ذلك [عدم ذكر اسم المؤلف] كما سمعته من صاحب الأنوار [الشيخ علي البلادي] على ما يخطر ببالي: أن عصر المؤلّف كان محفوفًا بالمخاوف والأخطار الموجبة لاستعمال التقية، حتّى إن كتابه هذا بعد أن ألفه وضعه في محراب مسجده المعروف بـ (مسجد العبد الصالح)، فأخذه أهل بلاده وتداولوه».
معلومة مكررة
ويشير الباحث حسين منصور الشيخ إلى أن الشيخ فرج العمران كذلك كرر المعلومة ذاتها في موضع آخر عند حديثه عن وفاة الشيخ حسين القديحي؛ حيث وصف مشهد تشييعه ودفنه، قائلاً في الأزهار، ج12/ 73: «ولما طلعت الشمس من يوم الاثنين الثالث عشر من الشهر المؤرّخ [محرم 1387ﻫ]، شيّعه أهل القديح قاطبةً على الأعناق إلى مقرّه الأخير، وصلّيتُ عليه أنا في ذلك الجمّ الغفير، ودفن في مقبرة القديح، شرقيّ قبر العبد الصالح الشيخ يوسف بن أبيّ القطيفي».
الأثر الوحيد
وعن ما تبقى من معالم من قرية رشالا، ينوه الشيخ بأنها لم يبقَ منها سوى مقبرتها المسماة باسمها، ومسجدها الذي يطلق عليه حاليًّا مسجد العبد الصالح، وهي حال تتقاطع، مثلًا، مع قرية الخباقة التي كانت قريةً معروفة لدى أهالي القطيف، وكانت حتّى ما قبل أربعة عقود من وقتنا هذا آهلةً بالسكّان، ثم بدأ سكّانها في هجرها والسكن في القرى المجاورة لها، كالتوبي والبحاري، ومنهم من سكن وسط مركز القطيف، وقد كانت فيها عينُ ماءٍ قديمة تسمّى بالاسم نفسه “عين الخبّاقة”، ولا زالت آثار هذه العين باقية حتّى الآن، ولكن ماءها نضب وتوقف عن الجريان، مثله مثل بقية عيون القطيف. والذي جعل اسم هذه القرية يبقى متداولًا حتّى هو وجود مقبرة القطيف العامّة فيها، التي تعرف لدى الأهالي باسم: (مقبرة الخبّاقة).
لا تسجيل ولا تدوين
وعن ارتباط المسجد بقرية رشالا، يلفت الشيخ إلى أن هذه المنطقة تفتقر للأسف إلى تسجيل العديد من أحداثها وتدوين ما يقع عليها من وقائع وأعمال، ولذلك فإن ما يمكن تدوينه من تأريخ لبعض شواهدها يقوم على ربط بعضها ببعض، ويبقى هذا الربط في دائرة الظنون والتخمينات. ولذلك فإنّ ربط المسجد بقرية رشالا يمكن استنتاجه من كونه مسجد عالمها المعروف الشيخ يوسف بن أبيّ، الذي كان حيًّا سنة 860ﻫ، إذ يوثّق ذلك الشيخ حسين القديحي (ت 1387ﻫ) في أحد دفاتر تحصيل الأوقاف المشرف عليها، إذ يقول:
«[نخل] الشَّرْيَة في القديح المتوسطة بين شَرْيَتَي الحاج مهدي الجشي، سَدِيسُها لمصالح مسجد الشيخ عبد الصّالح الكائن في فريق رشالا في القديح، ويعرف بمسجد ابن أبيّ، والظاهر أنه الشيخ الأجلّ الشيخ يوسف بن أبيّ الرشالي القديحي (ره)، والباقي بعد السُّدُس لمسجد الشيخ إبراهيم المجاور لأمّ الخنيزي، ليكون معلومًا». حيث يشير الشيخ حسين إلى أن ما يعرف اليوم بمسجد [الـ] عبد الصالح إنما هو مسجد الشيخ يوسف بن أبي الرشالي.
مسجد مرتفع
ومن الشواهد على كون المسجد تابعًا لقرية رشالا يقول الباحث حسين الشيخ إنّه إلى اليوم يعدُّ في مرتفع من الأرض مقارنة بالشارع والمنازل التي تقع إلى الشمال منه، ما يرجّح أنه كان في طرف هذه القرية التي عرفت تاريخيًّا بكونها إحدى مقالع الطين المستخدم محليًّا في البناء وصناعة الأواني، وآية ذلك بيت لأبي البحر الخطّي (ت 1028ﻫ) يذكر فيه (رشالا)، يقول فيه:
أوْ فَاقْتَلِعْ مِنْ رَشَالَا الطِّينَ متَّخِذًا
مِنْهُ الْجِرَارَ، وعِشْ فِي الخَطِّ جَرَّارَا
والجرّار هو: صانع الجِرار ما يجعلها في مكان مرتفع نسبيًّا عمَّا حولها.
مساجد العبد الصالح
ولعلّ تسمية مسجد الشيخ يوسف بن أبيّ بِمسجد العبد الصالح هي التسمية الوحيدة في القطيف، ولكنها تسمية شائعة في منطقة البحرين التاريخية بصورةٍ عامّة، بحسب الباحث؛ حيث يُطلق هذه المسمّى على مجموعة من المساجد المنسوبة إلى بعض علماء الدين، ففي مملكة البحرين تتعدّد المساجد بهذه التسمية وأصبح تسمية المساجد المنسوبة إلى علماء بالعبد الصالح أمرًا ومنتشرًا.
وأضاف: زوّدني رئيس قسم البحوث وشؤون المساجد بدائرة الأوقاف البحرينية الدكتور وسام عباس السبع بقائمة هذه المساجد، وهي كالتالي:
- مسجد العبد الصلح في باربار،
- مسجد العبد الصالح في مني،
- مسجد العبد الصالح الشيخ علي بن سليمان في الجنبية، مسجد العبد الصالح الغربي في الهملة،
- مسجد العبد الصالح الشيخ علي الغربي في جنوسان،
- مسجد العبد الصالح في سترة،
- وقد سمي مسجد بـ (العبدة الصالحة)، ويقع في بلدة سار.
وتابع: بل سمّيت إحدى البلدات في البحرين بـ (حلّة العبد الصالح)، وهي تسمية ترجع «إلى الشيخ عيسى بن إبراهيم، صاحب الضريح والمسجد المشهور في القرية، حيث عُرِفَ بالعبد الصالح».
شُح المعلومات
والعبد الصالح هو الشيخ يوسف بن حسين بن أُبيّ القطيفي. وبهذا عُرف في المصادر التي ترجمت له، وهي ليست كثيرة بحسب الباحث حسين الشيخ، كما أنّ بعضها ينقل عن بعضها الآخر، ولذلك تعدّ المعلومات عن المؤلّف قليلة ومتكرّرة في مظانّ ترجمته.
ونشأ الشيخ يوسف في قرية رشالا التي كانت في حينها مستقلّة عن بلدة القديح الحالية، ويبدو أنه درس متنقّلًا بين القطيف والبحرين، لأن بعض أساتذته ومجيزيه من القطيف وبعضهم من البحرين، كما يبدو أنه ارتحل مدّة من الزمن إلى النجف طلبًا للعلم، تلمّذ فيها على مجموعة من أعلام عصره واستجاز بعضهم، وفي الوقت نفسه تلمّذ عليه مجموعة من العلماء واستجازوه ليكون طريقهم في الرواية والإسناد. فالنجف تعدّ في أوقات ممتدّة قبلة العلم ومحطّ رِحال العلماء.
رحيله إلى جبل عامل
ورجح الباحث أن الشيخ الرشالي ارتحل إلى مركز علميّ آخر يجتذب إليه ممّن هم من خارجه غير النجف، مثل: مدينة حلب، التي كانت أحد المراكز العلمية الإماميّة في الفترة الزمنية التي عاش فيها المؤلّف، وما يرجّح ذلك أن بعض مجيزيه وبعض المجازين منه من جبل عامل، وحلب ستكون المركز العلمي الأقرب لعلماء جبل عامل.
عودته إلى رشالا
ويبين الباحث أن الشيخ الرشالي عاد بعد ذلك قافلًا إلى موطنه (رشالا) ليمارس فيها دوره الدينيّ والاجتماعيّ، وذلك لوجود مسجده الباقي إلى يومنا الحاضر، الذي كان يسمَّى باسمه مدّة طويلة، إلى أن تغيَّر إلى ما يعرف حاليًّا به، وهو: مسجد العبد الصالح. إذ إنّ وجود مسجد يسمَّى باسمه دليل على استقراره مدّةً معقولةً من الزمن عالمًا للبلدة ومتصدّيًا للشأن الدينيّ فيها.
14 مسجداً
وتبلغ عدد المساجد في قرية القديح 14 مسجداً منها ما بنى منذ عصورٍ قديمة ومنها من عصور لاحقة، ولكن يبقى مسجد العبد الصالح أقدمها وأشهرها لارتباطه باسم أحد علمائها الصالحين على الرغم من صغر مساحته؛ حيث أُعيد تجديده عام 1425 هـ، ويتسع لما بين 80 إلى 100 مصلى، ومساحته تبلغ 160 متراً.
ومساجد القديح هي:
1. مسجد الإمام علي
2. مسجد أبو النعوش (الشيخ فرج)
3. مسجد الشيخ إبراهيم
4. مسجد المهنا
5. مسجد الشيخ، بُني سنة 1308
6. مسجد السدرة
7. مسجد العباس
8. مسجد الحسين
9. مسجد العبد الصالح
10. مسجد عزرمة
11. مسجد الزهراء
12. مسجد الشهداء
13. مسجد المصطفى
14. مسجد السبطين
مزيد من الصور لمسجد العبدالصالح
اقرأ ايضاً
“وفاة النبي”.. ألّفها قطيفي قبل 7 قرون.. ونشرها نجفيون.. وقرأها شيعة الخليج