وحشة الفراق

صالح مكي المرهون

الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى، ولكن هناك بوادر للرحيل، وخاصة عند الإنسان الهادئ المستقر فأحياناً يشعر بوحشة قرب رحيله، هذه الوحشة ناتجة عن إطلاع الروح على مصيرها،

فالروح وإن كانت ستذهب إلى العدل المطلق وإلى الرحمة المطلقة وترغب في هذا إلا أنها في نفس الوقت لا ترغب جداً إلى الذهاب بسبب تلويثها وتنزيلها في هذه الدنيا فتكون قلقة مضطربة بعقلها الروحي أنها لا تنال الدرجة التي ترتاح منها.

 قبل يومين غيب الموت الشاب حسين عيد الدشيشي أثر حادث شنيع من أصحاب سائقي السيارات المتهورين نتيجة السرعة، وبعدها نقل إلى المستشفى وكانت حالته خطيرة، ما جاء اليوم الثاني إلا وافاه الأجل وغيبه عن أخوانه وأهله وأولاده  وأقاربه، ومحبيه، وكان المرحوم يعاني من مرض القلب لسنين طويلة وكان الشاب المرحوم  المؤمن الخيّر الخلوق صبوراً مفوضاً أمره إلى الله تعالى، صاحب التواضع الرفيع والبسمة الإسلامية الموالي لأهل  البيت (ع) ولكن للإنسان أجل مسمى ، فالأجل المسمى هو القدر المحتوم المعروف، والموت حق على العباد بمعنى أنه واجب وضرورة حتمية، فالقدر حق، والحق قدر، فالموت قدر حتمي الوقوع، وهو أن الحق سبيل الله وطريقه وسنته، وسنة الله هي النفع الأشمل والأعظم والأوحد للمجتمع البشري.

فالموت حق بمعنى خير لنا، والموت قدر حتمي فهو من الله، وكل شيء من الله فهو يحمل الخير، أي متى مات الإنسان فهو أجله المسمى، إذا جاء الموت إلى الإنسان أحس بأن كل شيء انتهى، وكل الموجودات من حوله تسير في هذا الاتجاه، أي أنه يجب أن يموت من انقطاع الأرزاق وما إلى ذلك، بمعنى أن الموت يجب أن يدرك ذلك الإنسان في ذلك الوقت مهما اختلفت الأسباب والأزمان، فعندها ينتظر من محبيه ذلك العطاء الذي ينفعه في آخرته كالصدقة الجارية والصلاة والصوم، وما إلى ذلك، وإن شاء الله أخوان المرحوم المؤمنين الموالين وأولاده  المؤمنين البارين  ومحبيه لم يقصروا في ذلك العطاء المحتاج له الفقيد السعيد في قبره.

ويجب أن لا يتصور الإنسان أن سبب الموت مقترن بالموت ولو أن الإنسان اتقى هذا السبب لاتقى الموت، فهذه الفكرة باطلة، وكثيرون يموتون ولا يعرفون السبب وحتى الطب الحديث، أي الأسباب المادية والجسمية التي جعلتهم يموتون.

وعلى كل حال فالإنسان له أجل مقضي عندالله، إذن الناس لايموتون بطريقة واحدة، فمنهم من يموت على فراشه، أو ماشياً أو  راكباً أومريضاً بعد معاناة من المرض، أو حادث شنيع كالمرحوم أبو حيدر، فقد وافاه الأجل وأدركه الموت، نتيجة حادث مروع، وهكذا يكون حال الإنسان، تعددت الأسباب والكيفيات والموت واحد، والموت حق على العباد، وموضوعنا هذا المختصر هنا لكثرة الموت في هذه الفترة، كثير من الشباب والأطفال وكبار السن والأصدقاء والأحبة، وافاهم الأجل في هذه الفترة بدون مرض، وبدون سبب يحالفهم الموت بسبب أزمة نفسية أو سكته قلبية أو مرض أو حادث شنيع، لذلك تكلمنا حول تأثير كيفية الموت أو سبب الموت على الإنسان في حياته المستقبلية، فهل لكيفية الموت واختلاف سببه تأثير  ما في حسابه وحياته البرزخية والأخروية، وهل تكون ميته بحادث مثلاً أنفع له في الأخرة من ميتة طبيعية؟

الحقيقة أن تنوع أسباب الموت كسبب أو نوع في حد ذاتها ليس لها أي تأثير، فإذا مات الإنسان المؤمن نتيجة مرض أو غير مرض لا يفرق الحال بينه وبين غيره في نفع وخير، ولكن المراحل الأخيرة للحياة، وبمعنى أدق اللحظات الأخيرة وهي مرحلة الدخول في عملية الموت أي في ظرف الموت ليس في قبض الروح، هذه لها تأثير في العالم الأخروي، فالمرض المميت بالنسبة للمؤمن أو حادث غفران الذنوب، أي لحظات الحياة الأخيرة المتعلقة بظرف الموت هي التي لها تأثير، أما الموت بصورة عامة ككيفية فلا دخل له فيما ذكرت، ما من ساعة إلا ويموت فيها كثير من البشر، مؤمنون أم غير مؤمنون، وكل يأخذ طريقه إلى القبر في الحساب، والكل مرهون بعمله.

فالإنسان المؤمن يدعو بأن تكون خاتمته وعاقبة أموره على خير، وأن يحسن الله تعالى خاتمته، وأن لا يجعلها خاتمة سوء، والسوء والحسن أو الخير أمران معروفان إجمالاً، فالعقيدة الصحيحة والعبادات الإيمانية المتقبلة هي كذلك، ومن الحسن جداً أن يختم الإنسان حياته بالأعمال الصالحة، والصبر على قضاء الله وقدره، بل هذه أمنية كل إنسان مؤمن.

والمرحوم السعيد الفقيد المؤمن الموالي الهادئ الشاب الخير الصبور صاحب الإبتسامة حسين الدشيشي، لا يخاف ولا يرهب من الموت لأنه مؤمن بالله وبقضاء الله وقدره، وما دام المؤمن عطاءه في سبيل الله فهو لا يخاف ولا يرهب أي شيء، بل يرضى بما اختاره الله له، فإذا اختار له الموت فقد أحسن له في هذا الاختيار كما أحسن له في اختيارات قدرية سابقة، ثم إن (والدار الأخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) وبكيفية الموت والتفكير في رغائب الموت، نرجو أن يكون أهل البيت لهذا الشاب المؤمن شفعاء يوم القيامة، لأنه مؤمن  بقضاء الله وقدره، وكان يتحلى بالإيمان والتواضع والخلق الرفيع والبسمة الإسلامية، والدليل على ما رأيناه ولمسناه من التشييع المهيب والجموع الغفيرة التي حضرت ذلك التشييع، وهذا إنما يدل على إيمانه وموالاته وتمسكه بأهل البيت.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×