قميص من النسيان
علي مكي الشيخ
كنا يممنا الطريق من القطيف إلى البحرين.. لحضور حفل مسابقة “بيتًا في الجنة” بقرية عالي..
حيث تقام هذه المسابقة المنبرية في موسمها الثالث..
وكنت بمعية الشاعرين الجميلين
الأستاذ حسين الجامع
والأستاذ إبراهيم الزين
وكنت معتادًا في مثل هذه الطلعات أن أصطحب معي “قميصًا” احتياطيًا..
وفعلا وضعت القميص في المقاعد الخلفية للسيارة
وتشرفنا بحضور الحفل الختامي.. والتقينا بالأحبة الشعراء الأدباء من البحرين الحبيبة.. وبعد عودتنا.. نسيت القميص في سيارة الشاعر إبراهيم الزين..
وحين تذكرته..
انتابني شعور بالفقد
ودارت التساؤلات حول مصير هذا القميص الذي نسيته.. وما أنسانيهُ إلا الشيطان أن أذكره..
لأنها المرة الأولى التي فارقني هذا القميص..
ولأول مرة يبات خارج المنزل..
أين وكيف سيبات هذه الليلة!!
وإلى عشرات من المواقف، والتخمينات..
فانقدحت أبيات هذا النص.. حول هذا الشعور المؤلم..
ولا أدري كيف انهالت عليّ الكثير من الصور والمشاهد التاريخية والدينية لثيمة القميص..
ابتداءً من قميص يوسف وغيرها من المصاديق المتكاثرة
فجادت الحروف من حقيبة المجاز ما جادت
قميصي
بغيرِ الحبِّ لا يتزرّرُ
أعدهُ.. فما زالت حكاياهُ تكثُرُ
أعلّقُهُ
وقتًا على كلّ خطوةٍ
فيخدعُهُ غيبٌ، ويُغريهِ “مِشمَرُ”
وقالوا..
قميصٌ، ما الذي كان فاعلًا!!
فقلتُ بهِ ريحُ المجازاتِ تسْكرُ
قميصٌ..
وأطرافُ الهوى منْ خيوطِهِ
وفي جيبِهِ، مالا يقالُ، وأكثرُ
فكم قدّهُ
ليلٌ.. وأغوتْهُ فكرةٌ
وأصغى لهُ لحنٌ، وغنّاهُ مِزْهَرُ
بهِ يرتديني
العمرُ، ما كان وحدهُ
ولكنّهُ، رغم القياماتِ محْشرُ
يراني
كصلصالٍ، به الطينُ لازبٌ
فيلبسهُ شكلَ البداياتِ “قنبرُ”
على أنني
ما زلتُ، أطويه داخلي
وتنشرهُ فوق المسافاتِ “عبقَرُ”
يبادلني..
مالم يكنْ في ضميرِهِ
فيخلو ببعض الأنبياءِ ويسهرُ
إذا زرتُهُ
ضيفًا، أراقبُ ظلّهُ
وأسهو قليلًا خلف عينيهِ أبصرُ
أأصبحت..
فيهِ.. أم هو الآن مصْبحي!!
كلانا.. إذا ما أشتاق بالهجْرِ يكفرُ
ورجْعُ..
صداهُ الآن يرقصُ في فمي
قميصي، بغير الحبّ لا يتزرّرُ