سنة البطاقة.. أرامكو تركت النفط وربّت البقر في الظهران أمريكي اتفق مع "شايب" على جلب 1000 رأس من اليمن سيراً.. ونجحت المحاولة
القطيف: صُبرة
حرفياً؛ لم تترك آبار النفط التي تدفقت قبل أقلّ من 5 سنوات وقتها. ولكن شركة أرامكو وجدت نفسها في أزمة عالمية خطيرة، وسط معارك الحرب العالمية الثانية، وحصار البحار والمحيطات. وفوق ذلك؛ وصلت قذائف بعض دول المحور إلى أرض الظهران فعلاً، وصارت الظهران جزءاً من الأحداث الخطيرة.. في غمرة ذلك؛ اضطرّت شركة النفط العربية الأمريكية إلى تربية البقر بالقرب من آبار نفط الظهران.. حرفياً.
ليس في القصة خيال مطلقاً، بل هي حقيقة كشفت عنها أرامكو بنفسها، حين احتفلت بمرور 75 سنة على تأسيسها. وهكذا؛ ظهرت مزرعة أبقار وأغنام وجمال ودجاج وأرانب وحمام؛ بالقرب من حقول النفط في الظهران. والداعي إلى ذلك؛ هو أن شركة النفط العالمية واجهت أزمة صنعتها أحداث الحرب العالمية الثانية.
وأغرب ما في القصة هي أن رئيس التموين في الظهران، وقتها، ستيف فيرمان اتفق مع رجل يمني على شراء 1000 بقرة، يأتي بها من اليمن، سيراً على القوائم، لمسافة تزيد على 1000 ميل..! فكانت رحلة أسطورية عاشها “الشايب” اليمني وابنه المراهق..!
مدينة الظهران في بداية تكوينها في الأربعينيات
الظهران تحت القصف
بدأت القصة في أحد أيام الحرب العالمية الثانية، حين تسبَّب اندلاعها في مشكلات واضطرابات وحالة من الذعر اجتاحت أرجاء العالم. ولم يسلم من تداعياتها أحد، بما في ذلك الدول المحايدة، ما حدا بالجهات المعنية أن توزِّع المؤن بموجب بطاقات، وقد عرفت تلك السنة محلياً بسنة “المطاقة”، ويقصد بها البطاقة.
وبسبب الأوضاع العسكرية التي تضررت منها حركة الملاحة البحرية، بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة، واستئثار الحرب بجميع الموارد العالمية المتوافرة، وجدت المملكة والعاملون في اتفاقية الامتياز السعودية أنفسهم يعانون شحاً في الموارد، وأخذت الآلات والمواد والاحتياجات التموينية تتناقص يوماً بعد آخر، وبدا الأمر وكأن النقص يشمل كل شيء، بما في ذلك الطعام. لقد كان بالإمكان توفير الحلول البديلة والمبتكرة للسيارات والآلات، ولكن لم يكن إطعام الناس سهلاً في مواقع إنتاج الزيت والمرافق التابعة لها.
فوق ذلك؛ حاول الإيطاليون ـ وهم من دول المحور ـ قصف حقول النفط في الظهران، ونجحوا في إسقاط قذائف وقنابل، لكنها جميعاً لم تُصب أحداً. إلا أنها نبّهت الولايات المتحدة ـ وهي من دول الحلفاء ـ إلى وجود خطر جدي على حقول النفط وعلى رعاياها، وشيئاً فشيئاً راح تجليهم إلا بلادها، قدر ما استطاعت.
من الحفر التي أحدثتها القذائف الإيطالية في الظهران
اللحوم مطلوبة.. فوراً
وتحت هذا الضغط أوجد ستيف فيرمان، رئيس مخزن التموين وقتها، حلولاً إبداعية ومبتكرة. وكانت أولى خطواته إنشاء مزرعة للخضراوات، في الموقع نفسه الذي تقع عليه اليوم “مزرعة الهوايات الأصيلة”. وأنتجت مزرعته البصل والجزر والطماطم والفاصوليا والبازلاء والذرة. غير أن مزرعة الخضراوات لم تكن تحتوي على الكرنب، وقد كان ذلك النوع من البقول متوافراً في كل وجبة. وتروي الشائعات الطريفة أن فيرمان كان يمتلك إمدادات من الكرنب المعلَّب في مستودع مخزن التموين، وأن تلك الإمدادات كانت كافية لمدة 125 سنة. وقد اعتاد موظفو أرامكو على تناول الكرنب في أشكال مختلفة وفي جميع وجباتهم. بل إن بعضهم ادّعى أنه قدَّم لزملائه كعكاً مصنوعاً من الكرنب.
وعلى الرغم من توافر الخضراوات، فإن العاملين في الحقول والمكاتب الإدارية كانوا يحتاجون إلى اللحوم التي كانت نادرة. والسعوديون – ومثلهم الأمريكيون – يهتمون بتناول اللحوم. وبسبب شحّ اللحوم شعر الجميع بهذا النقص. وفي حال من اليأس، تجاسر فيرمان على إنشاء حظيرة حيوانات، واشترى أرانب ودجاجاً وحماماً، وقطيعاً من الماشية المحلية والإبل، مكوِّناً قطعاناً تُمدّ العاملين بالحليب واللحوم.
أحد ملاجيء الظهران في الحرب العالمية الثانية
فقّاصة بيض
كما اهتمّ بتعليم المزارعين طريقة جديدة عندما أنشأ حاضنة لبيض الدجاج. فقد كان مزارعو الدواجن السعوديون لا يعرفون سوى الأسلوب الطبيعي للحصول على بيض الدجاج، وهو أسلوب يستغرق حضانة تمتد لـ 21 يوماً، في حضن دجاجة أم. ولم يكونوا يتصوّرون أن الصوص يمكن أن يخرج من البيضة من دون حضن الدجاجة. ولذلك بدا لهم الأمر أشبه باللغز المحيِّر، حتى إن بعضهم جلس في إحدى المزارع يحدق في آلة الحاضنة لمدة 4 ساعات حتى فقست البيضة الأولى..!
ستيف فيرمان يتمشى في مزرعة الحيوانات التي أنشأها في الظهران
رحلة الربع الخالي
إلا أن دهشة الأمريكيين وإعجابهم كانا أكبر، ليس بسبب حاضنة الدجاج التي يعرفونها من قبل، بل بسبب الرحلة التي قطعها قطيع من الأبقار، وتخطى طولها ألف ميل، من السفر الطويل مشياً من اليمن إلى الظهران. كان عملاً بطولياً يضاهي جميع ما سمع عنه الأمريكيون في الرحلة الأسطورية لقافلة تشيزلوم في فترة الغرب القديم.
حدث ذلك في شتاء 1941-1942م، حين عرض شخص اسمه مطلق – وهو شيخ طاعن في السن متغضن الوجه معتد بنفسه – ومعه صبي صغير أن يحضرا القطيع إلى الظهران من اليمن، سيراً على الأقدام على أطراف أكبر صحراء رملية في العالم “الربع الخالي”. كانت الفكرة أسطورية، وقد وافق فيرمان عليها، وتم الاتفاق على الدفع بناءً على عدد القطيع الذي يصل إلى الظهران. وليس غريباً أن يمر بخاطر فيرمان أنه لن يدفع أي مبلغ، فالرحلة ليست سهلة. إلا أن المفاجأة هي أن “مطلق” وابنه وصلا بقطيعهما إلى الظهران بعد 3 أشهر.
جلد على عظم
وعلى الرغم من أن القطيع وصل هزيلاً جداً وكأنه جلد على عظم، إلا أنه وصل حياً. وهي نتيجة دعت الجميع إلى الإنصات إلى تفاصيل قصة المغامرين اللذين عبرا كلّ هذه المسافة، من بئر ماء إلى أخرى، ومن مرعى إلى مرعى. ولو لم يكن القطيع الهزيل حياً ليشهد على صدق الرواية، لتراءى للناس أن المعاناة في سبيل الوصول إلى واحة الخرج الواقعة جنوب الرياض، أو المصاعب التي واجهها مطلق في أصعب أجزاء الرحلة، وهي السفر من الهفوف إلى الظهران، هي مجرد خيالات وأساطير.
بعد وصول الأبقار الهزيلة الواهنة بدأت العناية بها وإطعامها، وإدخالها في برنامج تكاثر يموِّن العاملين باللحوم بشكل مستمر.
ليس في كل مرة
وقد أغرى نجاح المغامرة الأولى بتكرار الصفقة، وجلب قطيع آخر في السنة التالية. لكن النتيجة لم تكن كما كانت في المرة الأولى. فقد أدت ندرة الأمطار في تلك السنة إلى جفاف عدد كبير من الآبار وتضرر المراعي أو اختفائها، فنفق عدد كبير من القطيع قبل أن يصل به مطلق وابنه إلى الخرج، ومات عدد آخر في الطريق إلى الهفوف. وهو ما اضطر أحد المهندسين لإرسال إشارة بالراديو لفيرمان مفادها أنه إذا أراد الحصول على بقرة واحدة حية من القطيع فعليه القدوم ونقلها بالشاحنة.
عندها قام فيرمان بنقل باقي القطيع الذي نجا، وكان عددها 30 بقرة. ومرت شهور كثيرة دون أن يأتي مطلق لاستلام أجرته، فقد كان خائب الأمل لأنه لم يقم بإيصال الأعداد التي وعد بها. ولكن الموجودين في الظهران لم يكن أمامهم إلا الدهشة من رحلة هذا الشيخ الكبير وفتاه الشاب التي امتدت لألف ميل وجلبت قطيع الأبقار والأمل في خضم الحرب المتواصلة وفي طرف من أطراف أكبر صحراء رملية في العالم.
من المصادر:
نشرات لشركة أرامكو السعودية.
سلسلة تغريدات مردعومة بالصور نشرها يوسف الملا.
في معلومة مغلوطة وهي قول الكاتب بان المزارعون السعوديون استغربوا من ان البيض يفقس في الفقاسة بعد 4 ساعات بدل 21 يوم .والصحيح أن البيض حتى في الفقاسة لا يفقس إلا بعد 21 ، ولكن دور الفقاسة هو توفير الجو المناسب لنجاح التفقيس.
ظروف الطقس في الجزيرة العربية تختلف عن بقية العالم بالنسبة لي ارى هذه القصة ليست قصة عادية بل هي أسطورة واعني بذلك قصة نقل الشايب اليمني لألف بقرة من اليمن إلى الظهران ..اتمنى جمع بعض اركان القصة وإنتاج فلم يليق بهذا البطل اليمني .
موضوع الفقاصه غير صحيح ان الصوص يخرج خلال يوم من وضعه فيها.
السلام عليكم
ليعلم الجميع ان هذه النهضه. والازدهار والرفاهيه التي ننعم بها الآن لم تكن وليدة الصدفه وإنما أساسها قام على أيدي وأكتاف الكثير من من ثابروا وضحوا من أبناء الوطن وغيرهم من أجل كسب لقمة العيش أولا ومن أجل بناء وازدهار هذا البلد الغالي والعزيز على قلوب الكثير من الناس فاشتغلوا في جميع المهن بدون استثناء تحت ظروف وأحوال ليست مشابهه بأيامنا هذه فجزاهم الله عنا كل خير ورحم الله من توفاه الله وأمد الله عمر من بقي منهم بعافيه وعلى طاعته .
اشكر الجميع و على راسهم الزميل يوسف الملا على هذه المعلومات الجميله و الغريبه في نفس الوقت… و لي ملاحظه واحده حول فقس البيض بعد عدة ساعات في الحاضنه و هذا أمر يتنافى مع الحقيقه العلميه في مدة تخلق و تكوين إلى فقس و خروج الصوص و التي تستمر حوالي 21 يوما سواء كانت في الطريقه التقليديه او ما بالفقاسات…
جميلة القصة….. تنقصها. صور الرجل اليمني. و ابنة…