تباين قطيفي أحسائي..!
حبيب محمود
بقليلٍ من استخدام “أفعل التفضيل” بين الأحساء والقطيف؛ تُظهر العلاقة بين الحاضرتين شراكة أعمقَ مما تبدو عليه، وعلى نحو يقود إلى إقرار حقيقةٍ غير قابلة للنقاش؛ هي أنّهما أصلب حواضر الشطر الشرقي السعودي صموداً على امتداد التاريخ.
ليس في هذا الجزء من بلادنا حاضرةٌ لها من العُمق التاريخي والامتداد الثقافي والتمثُّل الحضاري مثلما للأحساء والقطيف، على الإطلاق..!
:
العامل الأهمّ، في رأيي، هو الزراعة، بوصفها أساس الحضارة، وضمانة الاستمرار الديموغرافيّ. ومن غير المُتاح دراسة أيّ منهما بمعزلٍ عن الأخرى، على الرغم من وجود فاصل صحراوي بينهما يمتدّ قرابة 170 كيلومتر.
لقد تبادلتا الأدوار، عبر تاريخٍ سحيق، وتداخلت ظروفهما السياسية، بحكم ما تملك كلٌّ منهما من الثروات الخضراء. فما إن تنضم إحداهما إلى لواء دولة من الدُّول؛ إلا وتصير الأخرى رديفتها.
:
وعلى ذلك؛ ثمة تباينٌ لا مناصَ من ملاحظته، في حال المقارنة بين الحاضرتين العريقتين.
الأحساء أكثر اتساعاً وامتداداً من الناحية الجغرافية، وبالتالي أكثر تعداداً وتنوّعاً من الناحية الديموغرافية والثقافية. لكنها ريفية في الغالب الأعمّ، في حين كانت القطيف ريفية وبحرية معاً. إلا أن الموروث الزراعيّ يكاد يكون متطابقاً حتى النهاية.*
الأحساء؛ احتفظت بكونها المركز الإداري. على الأقلّ منذ نقل القرامطة عاصمة دولتهم من القطيف إلى الأحساء. ففي العهد العثماني؛ جُعلت الهفوف مقرّاً لـ “المتصرفية” التي تُشرف إدارياً على كامل حواضر المنطقة بالإضافة إلى قطر. وبقيت كذلك قرابة 40 سنة بعد دخولها الحكم السعودي سنة 1331م.
:
واحتفظت الأحساء بكامل حدودها التاريخية تقريباً، واتسعت مساحاتها العمرانية ضمن حدودها الإدارية، لتبقى في مقدمة المحافظات السعودية من حيث المساحة.
:
وعلى العكس من ذلك؛ تآكلت القطيف القديمة جغرافياً وإدارياً، بعد نقل عاصمة المنطقة الشرقية من الأحساء إلى الدمام سنة 1950م. وبعد أن كانت أكثر حواضر الساحل الشرقيِّ عمراناً وأوسعها إدارياً؛ تقلَّصت إلى مساحة محصورة في قوس بحري يمتدُّ من الدمام إلى راس تنورة. لقد صنع النفط معجزاتٍ. وُلدت مدنٌ من الرمال. تغيّر كلُّ شيءٍ. في عقودٍ قليلة؛ تحوّل الشطر الشرقيّ السعوديّ إلى حاضنٍ اقتصادي جذب إليه السعوديين من كلّ المناطق.
:
على الأرجح؛ فإن المقارنة بين الأحساء والقطيف تصبُّ في صالح الأولى، أخذاً باعتباراتٍ كثيرة، بيئية وبشرية. بيد أن ما يهمُّ ـ في النهاية ـ هو كونهما توأماً حضارياً تاريخياً، تمايز كلٌّ منهما بما يُكمله في الآخر.
———
* مما يؤكد التطابق؛ كتاب “معجم البيئة الزراعية لواحة الأحساء”، للدكتور محمد الدّوغان. فقد راجعتُ 1700 مصطلح في طبعته الأولى، فوجدت السواد الأعظم فيه مستخدماً كما هو في القطيف والبحرين. وأخبرني المؤلف أن للكتاب ثلاث طبعات.