الشيخ فيصل العوامي: الظاهرة الدينية لها إيجابيات.. وسلبيات

صفوى: أمل سعيد

“الظاهرة الدينية بين التجريح والترشيد” عنوان البحث الذي قدمه الشيخ فيصل العوامي في الليلة الثامنة من شهر محرم الجاري. وقبل أن يدخل في البحث مهد له بأربع عناوين:

الأول: صعود وتيرة الظاهرة الدينية في المجتمعات الإسلامية.

الثاني: كثرة المتخصصين في المجال الديني من العلماء والمفكرين.

الثالث: شيوع منهج التأصيل الديني.

الرابع: الاندفاع الهائل نحو الالتزام الديني.

وتدرج في بحثه إلى أن وصل إلى خلاصته والتي تهتم بأُس الموضوع، واكتنزها في سؤال جوهري:

لماذا يطرح هذا البحث؟

وأتت الإجابة لتكون الضوء الذي قد يتلمسه مهتم، أو يسترشد به باحث.

ونعود لنبدأ من إنطلاقة البحث صعوداً إلى خاتمته.

قال العوامي “في العقود الخمسة الأخيرة صعدت وتيرة الظاهرة الدينية في المجتمعات الإسلامية بشكل واضح ومشهود، ويمكن التعرف على ذلك من خلال ملاحظة مجموعة من العناصر والشواهد التي تبين أن ما حصل ليس مجرد حالات بسيطة، وإنما ظاهرة لها أبعادها وتأثيراتها وآفاقها”.

وقال “من الشواهد أو المعطيات الانفتاح على فكرة ضرورة الدين في إدارة الحياة وأن الدين له مدخلية وأثر ووقع في إدارة الحياة، وهذه كانت فكرة مجردة قبل تبلور هذه الظاهرة، تتناقل كتابيًا أو شفاهيًا. لكن بعد ذلك انفتحت المجتمعات على هذه الفكرة وتبنتها وتعلقت بها والتزمت بها وبمقتضايتها”.

وأضاف أن “الدين ضرورة لإدارة الحياة، ليس فقط على العقل الإنساني  أو التجربة الإنسانية، وإنما الدين ـ بنصوصه وسيرته وتجربته ـ له أثر وكلمة في إدارة الحياة، وأصبح هذا جزءاً من ثقافة الإنسان الملتزم بهذه الظاهرة.. يدافع عنها وينافح ويكافح من أجلها”.

توليد الاختصاصات

وتحت العنوان الثاني قال “قبل هذه الظاهرة أي قبل 60 إلى 70 سنة؛ كان الناس الذين يهتمون بالبرنامج الديني أعداداً قليلة في المجتمعات، لكن هذه الظاهرة ولدت أعداداً هائلة في هذا المجال.. فإذا العلماء ينتشرون في الأرض، وإذا المفكرون ينتشرون في الأرجاء، وكذلك المهتمون في الشأن الثقافي الديني، إلى درجة أن الكثرة ولدت اختصاصات.

كما “كان اهتمام رجل الدين بالشأن الديني اهتماماً عاماً، ولعلّ الضرورة تقتضي ذلك، لقلة المهتمين والمختصين بالشأن الديني. لذا كانت زيادة العدد سببًا في توليد الاختصاصات، فثمة من يختص بالأبعاد العقلية وثمة من يختص في الأبعاد الشرعية، ومن يختص في الأبعاد الكلامية، وهناك من يختص في البعد التاريخي وما إلى ذلك”.

كافي

ووصلت الكثرة إلى أن بدأت تصدر نداءات، وهي ليست نداءات مستنكرة، بل يبقى لها رأيها واحترامها.. وبرز في المجتمع من يقول “كافي علماء دين.. كافي مفكرين دينيين.. كافي مثقفين دينيين.. و”كافي” هذه من أبرز مظاهر نجاح الظاهرة الدينية، أي أنها وصلت إلى درجة الفيضان.

مع احترامنا لأصحاب هذه النداءات، سواء كانت مقبولة أو مرفوضة فذلك بحث آخر”.

التأصيل الديني

شيوع منهج التأصيل الديني، فلم يكن هذا المنهج واضحاً قبل الظاهرة، وإذا رجعنا إلى ما كتب في بداية القرن العشرين إلى منتصفه نلاحظ أنها لم تنحو نحو التأصيل، وإنما كانت تدعو إلى التمسك بالخيار الديني وتمجيد التاريخ الإسلامي، لكن الظاهرة الدينية أوصلتنا إلى مرحلة أخرى وهي إشاعة منهجية التأصيل الديني، وأصبح هناك توجه لمناقشة كل الأطروحات الحديثة بناء على منطلقات دينية.

فأي فكرة تطرح يبحث لها عن أصل ديني (مرجعيتها في النص القرآني والروائي وفي السيرة ومرجعيتها العقلية)، إلى درجة تبلور أطروحة في العالم الإسلامي تبناها البعض عُرفت بأسلمة العلوم وهي تعني تأصيل العلوم الإنسانية والنظر في الوجه الديني لها وتشذيبها بما يتوافق مع العلوم الدينية.

وهذه المنهجية شاعت وامتلأت المكتبات الإسلامية بالكتب المتعلقة بهذا الأمر، وهذا معطى مهم من معطيات الظاهرة الدينية.

كثرة المتدينين

الإندفاع الاجتماعي الهائل نحو التدين والإلتزام الديني على مستوى البنين والبنات والصغار والكبار، وهي من مظاهر الظاهرة.

كانت المحافل الدينية يرتادها عادة كبار السن فلما ولدت الظاهرة الدينية وجدنا أن المحافل مع كثرتها وضخامتها تكتظ بالطاقات الشابة والمراهقة في مظهر ديني واضح.

إيجابيات وسلبيات الظاهرة الدينية:

الإيجابية

  • صعود مستوى الإلتزام الديني.
  • صعود مستوى الوعي الديني.
  • صعود مستوى الوعي بالحياة.
  • صعود مستوى السؤال الديني.
  • صعود مستوى البناء الاجتماعي.

السلبية

  • الصراعات الدينية سواء بين المذاهب، أو داخل المذهب الواحد، أو داخل الدين الواحد وحتى بين الديانات.
  • الغلو، وهو تجاوز الحد المعقول في الإنتماء الديني، أو تشخيص موقعية الأشخاص والأفراد والرموز الدينية، سواء كانت قديمة كالأنبياء والأئمة أو رموز حديثة.
  • العنف داخل المجتمعات الدينية سواء في الكلام أو التصرفات أو الإدماء وبمبررات دينية.
  • التكفير، الذي لا علاقة له بالعقل الإنساني ولا التجربة الإنسانية، وإنما علاقته مرتبطة بالدين.
  • التمزق الاجتماعي، بسبب الانتماءات العقدية أو الانتماءات المرجعية.

لماذا يطرح هذا البحث؟

لتكون هذه القضية مادة علمية حيوية خاضعة للدراسة والبحث خصوصاً من المعنيين بهذه الظاهرة من القادة أو من المجتمعات.

قبل 50 إلى 70 سنه كان هناك كلام وآمال وتطلعات، لكن لم تكن هناك ظاهرة حتى يُنظر في فصولها ومعطياتها وعناصرها، كانت شعارات والآن أصبحت ظاهرة وطبقت على أرض الواقع، ويمكن للعقول الناضجة العميقة العلمية أن تنظر في حقيقتها، وتبدأ عملية النقد العلمي.

والناقد العلمي دقيق ومحقق ومفصل، بالذات، إذا كان من الذين أسهموا في صناعة هذه الظاهرة من بدايتها لأنهم أعرف بحيثياتها، وهم الذين يسعون قدر المستطاع للمحافظة عليها لأنهم يعرفون الفارق بين البداية والنهاية.

وهناك نقد شائع للظاهرة الدينية يرتكز على أمور:

أولاً: الغلو والإكثار في النقد.

ثانياً: التركيز الدائم على السلبيات.

ثالثاً: رسم صورة تشاؤمية للظاهرة.

رابعاً: تحميل الظاهرة الدينية الإخفاقات في المجتمع الإسلامي في العقود الأخيرة، وهذا مطب يمكن أن يقبل نسبياً.

الوظيفة المقترحة

1-   إعطاء الإيجابيات حقها من العناية وتأخذ حظها من التركيز، وهذا لا يعني أن نغفل السلبيات.

2-   اعتماد منهجية الترشيد البنّاء، فلا نتعاطى مع الظاهرة بمنهج التهريج أو التجريح ولا منهجية التبرير.

كيف يكون الترشيد؟

1-   مراجعة أصولها ومبانيها.

2-   تصويب الخلل الموجود في الظاهرة عبر المؤهلين حقيقة للحديث عنها، وهم الذين رعوها من بدايتها، هم أصحاب التجربة، وأصحاب القدرات العلمية.

3-   حث المعنيين بالظاهرة على التعمق العلمي، حيث أن قسماً من المؤاخذات على الظاهرة راجعة للضعف العلمي.

4-   أخذ النقد البناء بعين الاعتبار، للمساهمة في تطوير وترشيد هذه الظاهرة بناء على ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×