سيرة طالب 85] عن مؤمن تنبّأ بسنة وفاته
الشيخ علي الفرج
في الحلقة السابقة تكلّمت عن تميّز مسجد الإمام الحسين (ع)، وفي هذه الحلقة أتكلّم عن أشخاص متميّزين من إشعاع المسجد.
فعندنا شخصية متميزة إيمانًا وسلوكًا، وهو المرحوم الحاج عبدالله بن علي ناصر العَلَو (أبو علي).
كان هذا الحاج مداومًا على صلاة الجماعة في جميع الأوقات، وكان كثير التردد على أداة فريضة الحج والزيارة، ومداومًا على أداء صلاة الليل، بحسب ما نقله لي بعض أبنائه.
وكثيرًا ما يصطحب أبناءه لأداء صلاة الصبح في المسجد، فقد كانت حياته التي دامت 84 عامًا عامرة بالإغراقات الإلهية.
أسرد إلى القارئ الكريم قصتين، واحدة جميلة والأخرى غريبة، بخصوص هذا الرجل المؤمن الذي كان نموذجًا حيًّا لحديث (عبدي أطعني، تكن مثلي …)، فقد منحه الله نفسًا شفّافة تمكّن بها من التنبؤ بالسنة التي ينتقل فيها إلى الدار الآخرة، وصدق في تنبؤه.
قرّة عيني
في أواخر أيام حياته، كان يرافقه ابنه للمستشفى، فيرقد فيها أيام على السرير الأبيض.
ولما تماثل إلى الشفاء وأذن الطبيب المعالج له بالخروج لقضاء فترة نقاهة في بيته، كان وقت دخوله القديح وقت أذان المغرب، فطلب من ابنه أن يتوقف عند أحد المساجد لأداء الصلاة جماعة.
فأخبره ابنه أنه ما زال متعبًا لا يقوى على أداء الصلاة جماعة، وأنّه ما زال مرتديًا الملابس التي كانت عليه أيام وجوده في المستشفى.
ولأنّ الصلاة معراج كلّ تقي، وهو – رحمه الله – كان واحدًا منهم، أصرّ على رغبته، قائلًا لابنه:
إذا تريد راحتي، وقّف عند باب المسجد.
لم يكن بوسع ابنه سوى الاستجابة لطلب والده، سيّما وأنه بها كان مثالًا للولد البارّ بوالده، فبورك في الوالد والولد.
أسبغ الحاج المؤمن الوضوء في المسجد بمساعدة ابنه، وصلّى جماعة اطمأنت نفسه بها، فالراحة في الصلاة لا تكون إلّا لمن كان قلبه خاشعًا فيها، وكان ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): “وجُعِلَت قُرَّةُ عَيني في الصَّلاةِ” مستقرًّا على صفحة قلبه، فهنيئًا لكلّ من تعلّق قلبه بالصلاة وأدّاها بخشوع، ليجنيَ ثمار الطاعة بحياة حافلة بالسعادة.
قصة غريبة
ذات يوم خرجت من مسجد الإمام الحسين (عليه السلام) بعد انتهاء صلاة العشاء، فرأيت الحاج الورع أبا علي العَلَو يتوكأ على عكازه، وذكر الله على شفتيه.
سلّمت عليه وحيّيته، فقال لي:
يا شيخ.. أنا أتوقع سنة موتي، سوف أموت بعد خمس سنوات.
دعوت له بعمر طويل يرفل فيه بثوب الصحة والعافية.
فكرّر عليَّ:
أنا أعلم بسنة موتي.
ابتسمت في وجهه، وأنا متعجّب مما أسمعه منه فيما يعلم أو يتنبأ به، فقلت في نفسي:
سنرى إن كان تنبؤك صادقًا أو مخالفًا لما تخبّئه الأقدار.
وبعد مرور ثلاث سنوات على هذا الموقف، بينما كنت أمشي في شوارع بلدة القديح برفقة صديقي وحبيبي الشيخ عبدالعزيز الثويني، فرأينا الحاج العَلَو وهو خارج من إحدى الحسينيات، فقلت لصديقي الشيخ:
هذا الرجل الذي يتعكّز قال لي ذات مرة أنه سيموت بعد خمس سنوات، والآن مرّت ثلاث، وبقيت له – بحسب توقعه – سنتان، ليموت.
ومن العجيب، أنّه بعد مرور سنتين، انكسر قلم الحياة كما تنبأ.