رحم الله الحاج منير الفرج
صالح مكي المرهون
الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى، ولكن هناك بوادر للرحيل، وخاصة عند الإنسان الهادئ المستقر في عمل الخير فأحياناً يشعر بوحشة قرب رحيله، هذه الوحشة ناتجة عن إطلاع الروح على مصيرها، فالروح وإن. كانت ستذهب إلى العدل المطلق وإلى الرحمة المطلقة وترغب في هذا إلا أنها في نفس الوقت لا ترغب جداً إلى الذهاب بسبب تلويثها وتنزيلها في هذه الدنيا فتكون قلعة مضطربة بعقلها الروحي أنها لا تنال الدرجة التي ترتاح منها. غيب الموت الشاب منير الفرج، إثر حادث شنيع من أصحاب سائقي السيارات المتهورين، عن أخوانه وأهله وأولاده وأقاربه، ومحبيه ومجتمعه.
كان يعمل العمل التطوعي لسنين طوال، صاحب التواضع الرفيع والبسمة الإسلامية الموالي لأهل البيت (ع) ولكن للإنسان أجل مسمى، فالأجل المسمى هو القدر المحتوم المعروف، والموت حق على العباد بمعنى أنه واجب وضرورة حتمية، فالقدر حق، والحق قدر، فالموت قدر حتمي الوقوع، وهو أن الحق سبيل الله وطريقه وسنته، وسنة الله هي النفع الأشمل والأعظم والأوحد للمجتمع البشري، فالموت حق بمعنى خير لنا، فالموت قدراً حتميا فهو من الله، وكل شيء من الله فهو يحمل الخير، أي متى مات الإنسان فهو أجله المسمى.
إذا جاء الموت إلى الإنسان أحس بأن كل شيء انتهى، وكل الموجودات من حوله تسير في هذا الاتجاه، بمعنى أن الموت يجب أن يدرك ذلك الإنسان في ذلك الوقت مهما اختلفت الأسباب والأزمان، فعندها ينتظر من محبيه ذلك العطاء الذي ينفعه في آخرته كالصدقة الجارية والصلاة والصوم، وما إلى ذلك، وإن شاء الله أخوان المرحوم المؤمنين الموالين وأولاده المؤمنين البارين ومحبيه لم يقصروا في ذلك العطاء، فلا يجب أن يتصور الإنسان أن سبب الموت مقترن بالموت ولو أن الإنسان اتقى هذا السبب
لاتقى الموت، فهذه الفكرة باطلة، وكثيرون يموتون ولا يعرفون السبب وحتى الطب الحديث لماذا ماتوا، أي الأسباب المادية والجسمية التي جعلتهم يموتون، وعلى كل حال فالإنسان له أجل مقضي عند الله، إذن الناس لا يموتون بطريقة واحدة، فمنهم من يموت على فراشه، أو ماشياً أو راكباً أو مريضاً بعد معاناة من المرض، أو حادث شنيع ومروع كالمرحوم منير الفرج ،ولقد وقع الحادث في الشارع المؤدي إلى العوامية في تقاطع الإشارة المؤدية إلى صفوى، هذا الرجل المؤمن الصبور الخير الموالي لمحمد وآل محمد (ع) الفقيد السعيد رحمة الله عليه هذا الشاب المؤمن الفرج، وافاه الأجل وأدركه الموت، نتيجة حادث مروع، وهكذا يكون حال الإنسان، تعددت الأسباب والكيفيات والموت واحد، والموت حق على العباد.
وموضوعنا هذا المختصر هنا لكثرة الموت في هذه الفترة، كثير من الشباب والأطفال وكبار السن والأصدقاء والأحبة، وافاهم الأجل في هذه الفترة بدون مرض، وبدون سبب يحالفهم الموت بسبب أزمة نفسية أو سكته قلبية أو مرض أو حادث شنيع، مثل المرحوم الشاب السعيد منير الفرج رحمة الله عليه، لذلك تكلمنا حول تأثير كيفية الموت أو سبب الموت على الإنسان في حياته المستقبلية، فهل لكيفية الموت واختلاف سببه تأثير ما في حسابه وحياته البرزخية والأخروية، وهل تكون ميتته بحادث مثلاً أنفع له في الأخرة من ميتة طبيعية؟
الحقيقة أن تنوع أسباب الموت كسبب أو نوع في حد ذاتها ليس لها أي تأثير، فإذا مات الإنسان المؤمن نتيجة مرض أوغير مرض لا يفرق أو حادث، الحال بينه وبين غيره المؤمن في نفع وخير من هذا السبب له، ولكن المراحل الأخيرة للحياة، وبمعنى أدق اللحظات الأخيرة وهي مرحلة الدخول في عملية الموت أي في ظرف الموت ليس في قبض الروح، هذه لها تأثير في العالم الأخروي، فالمرض المميت بالنسبة للمؤمن أو حادث غفران الذنوب، كالشاب المؤمن البار الخير الموالي منير الفرج ، رحمة الله عليه هذا الشاب المؤمن الصبور، أي لحظات الحياة الأخيرة المتعلقة بظرف الموت هي التي لها تأثير، أما الموت بصورة عامة ككيفية فلا دخل له فيما ذكرت.
ما من ساعة إلا ويموت فيها كثير من البشر، مؤمنين أم غير مؤمنين، وكل يأخذ طريقه إلى القبر في الحساب، وكل مرهون بعمله، فالإنسان المؤمن يدعو بأن تكون خاتمته وعاقبة أموره على خير، وأن يحسن الله تعالى خاتمته، وأن لا يجعلها خاتمة سوء، والسوء والحسن أو الخير أمران معروفان إجمالاً، فالعقيدة الصحيحة والعبادات الإيمانية المتقبلة هي كذلك، والمرحوم الشاب المؤمن البار كان يتحلى بكل الصفات الإيمانية رحمة الله عليه، ومن المحسن جداً أن يختم الإنسان حياته بالأعمال الصالحة، والصبر على قضاء الله وقدره، بل هذه أمنية كل إنسان مؤمن، والمرحوم السعيد الفقيد المؤمن صاحب الإبتسامة منير الفرج، لا يخاف ولا يرهب من الموت لأنه مؤمن بالله وبقضاء الله وقدره، وما دام المؤمن عطاءه في سبيل الله فهو لا يخاف ولا يرهب أي شيء، بل يرضى بما اختاره الله له، فإذا اختار له الموت فقد أحسن له في هذا الاختيار كما أحسن له في اختيارات قدرية سابقة، ثم إن (والدار الأخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) وبكيفية الموت والتفكير في رغائب الموت.
فهذا الفقيد الرجل المتطوع الاجتماعي المؤمن، لقد قضى فترة طويلة وهو يعمل في العمل التطوعي الخيري والإنساني وهي صيانة وتعديل القبور للمؤمنين، لأنه مؤمن بقضاء الله وقدره، وبالموت والتفكير في رغائب الموت، وكان يتحلى بالإيمان والتواضع والخلق الرفيع والبسمة الإسلامية، والدليل على ما شفناه ولمسناه من التشييع المهيب والجموع الغفيرة الذي حضرت ذلك التشييع، وهذا إن دل على إيمانه وموالاتة وتمسكه بأهل البيت، ذلك المؤمن صاحب الصفات الجليلة الخلقية والإيمانية، مفوضاً أمره لله، ومادام المؤمن محتسب في سبيل الله فهو لا يخاف ولا يرهب من الموت ولا من أي شيء، بل يرضى بما اختاره الله له، وبالقضاء المقدر له، والله ولي التوفيق.