سيرة طالب 93] أنا حجة الله عليكم
الشيخ علي الفرج
بعد مرور سنة على معاناة المرض حاولت أن أدرب نفسي على قراءة بضع كلمات وصفحات في الكتب المنوعة البسيطة، وكثيرًا ما كنت أقرأ صفحات من كتب الأخلاق والفقه، ولكن بصعوبة مرهقة، فضلًا عن أن أتعدّى بعض الجمل الطويلة، وأكرّرها مرات ومرات، وأفشل في فهمها في كثير من الحالات.
ولا أبالغ إذا قلت إنّ محاولاتي وتدريباتي في القراءة تأخذ ساعة كاملة في صفحة أو صفحتين، أما كتب علم الأصول ففيه رموز مغلقة لا يفكها هذا المسكين.
ولا ريب أنّ مناسبات أهل البيت (ع) تضيء لي الدرب الكؤود في تدريبي وتطوري، ربما تقول إنّها مبالغة، ولكني أقول إنني ألمس هذا الإحساس، ولا أدري ما هو السبب.
والأمر أنني كلما سافرت إلى المدينة أو مكة لا بُدّ أن أشرب من ماء زمزم المهيأ في برادات الحرمين الشريفين، وأشربه بقصد العلم والشفاء، ومن الأمور الجميلة جدًا يوجد حديث:
(ماء زمزم لما شرب له)، معناه: هو نافع لكلّ مراد، حتى لو شربه الإنسان ليكون عالمًا صار عالمًا، أو ليكون تاجرًا صار تاجرًا، ولما قرأت هذا الحديث صار في جميع الأيام وأنا في الحرم، أشربه شربًا أشبه بالفريضة، والنتيجة أنني أحسّ وألمس فائدة عظيمة لا توصف، وبالتحديد نية العلم.
وبهذه المناسبة كلّما سافرت إلى المدينة المنورة إلى يومنا هذا أقرأ في صحيفة القرآن، كأنّما هي فريضة عليَّ، وفيها شرط واحد هو الاستنتاج، فلا ينفع أن تتعبّد بمجرد تلاوة آيات القرآن، وإنما يكون عملك لفتح المعنى ثم السلوك، وإحساسي وأنا في الحرم وأقرأ القرآن الذي نزل بالوحي على قلب هذا الرجل المدفون في صحن القبة الخضراء، وأحسست بإلهامات عظيمة، تفتح فيها الأقفال المغلقة، لذلك أتأسف في يوم الوداع، لأنّها ليست فقط فراق الأحبة، بل أحسّ بفقد نور العلم وإفاضات تشع فيها جسد الوحي.
بعد ذلك أقول:
على كلّ حال، حاولت القراءة والكتابة بيدي اليسرى ما استطعت إلى ذلك سبيلًا، ومرت السنوات حتى استقام القلم، وكتبت بصعوبات بالغة مشاريع كتب، فمثلًا:
كتاب العباس بن علي (ع) بين الأسطورة والواقع، وقبول الأعمال هل هو بالولاية أم بغيرها، وكتاب جولة حول المذهب الآخر، وكتاب مرجعية القرآن، وغيرها، فأنا حجة الله على كلّ الناس، الذين لا يحركون ساكنًا بمحاولة الكتابة، وخصوصا طلاب العلم وهم يعيشون أحسن ما يكون بصحة وعافية، وهذا المسكين يحاول ويحاول بإصرار فينتهي من تأليف كتاب ويشرع في آخر.