سيرة طالب ٩٤] العودة إلى العمامة العمامة مرة ثانية
الشيخ علي الفرج
من الأمور الجميلة المحفورة في ذاكرتي كلوحة فنية ولا تُنسى من غبار الأفكار، أنني كنت قبل أن أعاني من المرض رجلًا معمّمًا، وفي الوقت نفسه نشيطًا في الحركة الشبابية، فكبوت وعثرت بالمرض، فترجلت عن حصان التعمّم.
وبعد سنة تقريبًا من المرض اقترح عليَّ صديقي وحبيبي أبو منتظر، محمد الجنبي، أن أتعمّم مرة ثانية، وأن تكون هذه المناسبة متزامنة مع مناسبة مولد من مواليد أهل البيت (ع)، وأظنّ أنه مولد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فوافقت.
وقبل أيام المولد ذهبت مع أبي منتظر إلى من يخيط الصايات، ثم أخذنا قماشاً من العمامة، وفي الليلة الاحتفالية المزهرة ذهبت مع أبي منتظر إلى حسينية الإمام السجاد (ع)، والناس يحتفلون بالأناشيد والشعر وربما حتى محاضرات المناسبة، ويعتبر هذا الاحتفال الأول في البلد في تلك الليالي الحاضرة، ويبلغ عدد المحتفلين في هذه الحسينية مئة شخص، وربما مئتين أو يزيد.
دخلنا في هذه اللحظة فتفاجأ الناس.. وغمرهم السرور والفرح زيادة على المولد الشريف، ولذلك وقف الجميع وقوفًا غير متوقع، تهليلًا وتبجيلًا لطالب العلم الذي عاد إلى الحياة مرة أخرى.
وهذه من اللحظات الجميلة التي انطبعت في ذاكرتي.
عرف الطير وكره
من الأمور التي طارت من يدي أو أفلتتها يد القدر من بداية المرض هي كتابة الشعر، وما أدراك ما الشعر، كنت قابضًا على عجينته من قبل، ولكن بعد المعاناة في مدة سنة أو أكثر بقليل عرف الطير وكره القديم، وتنغّمت شيئًا من الشعر الهادئ، فأول فضفضة شعر بعد المرض هذه الأقصوصة، وهي من قصيدة النثر، وكان عنوانها (داخل الأرق):
رجلٌ يتجرّد
وذاكرة الروح تفتح أبوابها
أراد الرجل أن يغتسل في نومه
يكون الكون
رائحة النوم تتفاقم
ياه يا شفافة البكر
الساكتون بأجسامهم
يتفاضلون .. يتحاورون
فجأة ..
انحدر بروحه
وتنازل الكون
يختنق الأرق
افتح فلسفتك أيّها المصطلح
ركام يكبح
عندما يفيق مرة سابعة.