سيرة طالب ٩٥] العبد الصالح الحاج عبدالله غزوي
الشيخ علي الفرج
في أيام مضت كان عمري المتفتح بالطفولة عشر سنوات، ذهبت إلى بقالة صغير ةفي منزل بجانب بيتنا، منزل والدي رحمه الله، ويسمّى المنزل المسلح، ولما دخلت إلى البقالة طلبت “سندويتشة” البيض المسلوق.. لفت انتباهي أن وجه البائع وهو الحاج أبو حسين الغزوي*، فيه عصابة مربوطة على جبينه، وفوقه “الغترة” البيضاء.
الحاج عبدالله غزوي
سألته قائلًا: ما السبب في ربط العصابة؟
قال لي: يا ولدي، ألم في رأسي شديد، ولو سألت عن السبب في هذا الألم، فأنا صليت اليوم صلاة الصبح قضاءً، ولا أدري ماذا فعلت قبل ذلك، حتى أُحرم الصلاةَ في وقتها.
ومضت سنوات طويلة، كبرنا ووعينا، وطلبنا العلم، وأصبنا بالمرض العسير، وحُرمت الدراسة الحوزوية قهرًا، فجلست جلسة الضنين في بيت والدي.
وفي يوم من الأيام ذهبت إلى مجلس الغزوي، في نفس البيت الذي تحدثت عنه وأنا غلام، وعلى كلّ حال فإنّ ذهابي للقراءة الحسينية، وخطيبهم ملا علي العوامي، واسمه الحقيقي الملا علي بن الملا محمد جواد المزيّن، من قرية العوامية، لقب “العوّامي في بلدة القديح، لزمه اللقب الواصف لمسقط رأسه، تمييزًا له عن “ملالي” القديح.
الملا علي المزين العوامي
وبعد القراءة سألت الحاج أبا حسين الغزوي قائلًا:
هل تتذكر أنّني سألتك منذ سنوات طويلة تقرب من ٣٥ سنة عن سبب وجود العصابة التي كانت على رأسك!
فقال: أتذكر، وكيف لا أتذكر!!. سوف أذكر لك حالي تفصيلًا:
كلّ عمري من بلوغي إلى يومنا هذا وأنا الآن عجوز، أحاول أن ألتزم بالصلاة في وقتها، ولكن صلّيت أربع مرات قضاءً في عمري كلّه.
واليوم الأول منذ أيام شبابي، كنّا نعمل في البحر، ونصطاد الأسماك ومعي أحد العاملين، وهو أحد الأصدقاء أيضًا، كنّا نعمل في وقت السحر، وفي يوم من الأيام سمعنا أذان صلاة الصبح، ونحن نغطس من رجلنا إلى صدرنا في هذا البحر الهادئ المقمر، فقلت له:
جاء وقت الصلاة، أنا سأذهب عنك، فقال لي:
اصبر قليلًا، وسنخرج معًا، وكرّرت كلامي، وهو يكرّر كلامه، إلى أن طلعت الشمس، ولم نصلِّ، ومقت هذا العمل، وبعد أن خرجت من البحر لم أدخل فيه أبدًا لهذا السبب.
وأما اليوم الثاني ونحن في حافلة، نخطف بسفرنا هذا إلى المدينة المنورة وقد جاء وقت صلاة الصبح، فقلنا للسائق: أوقف الباص، لنصلّي، فقال لنا: إن شاء الله.
وقد قرب طلوع الشمس ولم يوقفه، ونحن نكرّر عليه، حتى قرب بزوغ الشمس، فقال لنا: بصراحة لا أقدر أن أوقف الباص في هذا الوقت.
فبزغت الشمس ويا للأسف.
واليوم الثالث: هو كذا وكذا (لم أتذكر كلامه).
واليوم الرابع: وهو اليوم الذي لبست فيه العصابة، وهذه الأيام الأربعة لا أنساها أبدًا.
موعظة
هذه من القصص الغريبة جدًا، ولا أنساها في حياتي؛ لأنّها موعظة لي ولغيري، وهذا الرجل المؤمن هو مصداق واضح لقوله تعالى:
{رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [سور النور: ٣٧].
—————
* الحاج عبدالله حسن مهدي غزوي (أبو حسين)، من أهالي القديح، وهو من الرجال المؤمنين الورعين، توفي بتاريخ ٢٤ يوم الجمعة جمادى الأولى ١٤٤٢ الهجري.