أيا صوفيا”

تركيا: أمل سعيد

ربما سمع أغلبنا عن “آياصوفيا”، الشامخة في مركز إسطنبول، المكان الأشهر في تركيا، تلك التحفة البيزنطية الرائعة الجمال، إن لم يكن زارها، لكن الشيء الذي يجهله كثير أن لتلك التحفة شبيه في مكان يبعد عن الأصل ألف كم.

في لؤلؤة الشمال التركي طربزون يتربع مسجد “آياصوفيا”، تحفة معمارية أخرى، تشبه الأولى وتشترك معها في الاسم والتاريخ والدور الذي قامت به كلتاهما، حتى التفاصيل التي كست الجدران وامتزج فيها فن العمارة الغربية بسحر الشرق.

“آياصوفيا” طربزون

بالقرب من شاطئ البحر، وعلى بعد ميلين غرب حدود المدينة التي تعود للقرون الوسطى أقيم مبنى آياصوفيا في القرن الثالث عشر الميلادي، في عصر الإمبراطورية الطربزونية، وبالتحديد في عهد مانويل الأول بين عام 1238 وعام 1263.

وتعتبر واحدة من أفضل الأمثلة على العمارة البيزنطية، حيث الهيكل الأساسيّ له يشكّل نموذجاً من أجمل نماذج الكنائس البيزنطيّة المتأخّرة، يقوم المبنى على3 محاور رواقيّة في الشمال والغرب والجنوب، أمّا القبّة فهي مغطّاة بالقرميد ولها قاعدة بـ12 زاوية، بينما تتراصف السقوف بسماكات مختلفة نحو القبة ما يمنحها تدرّجاً جميلاً.

أمّا القسم الداخلي فهو مزيّن بلوحات فسيفسائيّة متعدّدة الألوان، تشكل تزاوجاً بديعاً بين الأثر البيزنطيّ والأثر الإسلاميّ.

وإلى الغرب من الكنيسة يوجد برج جرس طويل، يبلغ ارتفاعه 40 متراً، تم بناؤه عام 1427م ويضم كنيسة صغيرة في الطابق الثاني، تكتسي الجدران الداخلية بلوحات جدارية، واستُخدم البرج كمرصد من قبل علماء الفلك المحليين.

كنيسة أم مسجد

ما جرى في كنيسة آياصوفيا القائمة في طربزون يشبه إلى حد كبير ما حدث لكنيسة آياصوفيا في اسطنبول، وقد تقلّب المكانان ما بين كنيسة ومسجد مرات عديدة. 

فبعد احتلال اللاتين لاسطنبول أثناء الحروب الصليبية، هرب مانويل الأول المنحدر من الكومنينيون، وهي السلالة التي حكمت الإمبراطورية البيزنطية، إلى طربزون، وقام بتأسيس إمبراطوريّته فيها، وأصدر أمره ببناء الكنيسة بين عامي 1250م وَ 1260م، وأطلق عليها اسم “آيا صوفيا”.

بقيت كذلك حتى بعد فتح السلطان العثماني محمد الفاتح لطربزون عام 1461م، ثم تمّ تحويلها عام 1584م بأمر من السلطان إلى مسجد، وإضافة منبر ومكان للمؤذن.

وفي عام 1610م حكم مدينة طربزون الحاكم الروماني جوليان بوردور، واستخدمه الروم ككنيسة، ثم أهمل المكان حتى صار مهجوراً وظلّ كذلك لفترة طويلة، وبعد مضي سنوات من الإهمال قامت جماعة من المسلمين بالاعتناء به وإعادة إحيائه كمسجد.

لم يدم الوضع طويلاً؛ فحين اشتعلت الحرب العالمية الأولى استخدمه الروس الذين احتلوا طربزون كمخزن ومشفى عسكري حتى وضعت الحرب أوزارها، وبعد الحرب عاد مسجداً لفترة من الزمن، ثمّ أصبح متحفاً يؤمّه الآلاف من السيّاح كلّ عام، وظلّ كذلك مدّة 52 عاماً حتى افتتح للعبادة مجدّداً عام 2013م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×