سوق الخميس.. متى يعود التاريخ بصيغة مستقبلية..؟ أقدم وثيقة ترصد معروضات السوق قبل 212 سنة في مذكرات ضابط بريطاني

القطيف: صُبرة

تُشير معلومات مؤكدة إلى أن سوق الخميس في محافظة القطيف؛ بات قاب قوسين أو أدنى من عودته، عملياً، في صيغة استثمارية جديدة، استكمالاً لما طرحته بلدية المحافظة، في 11 سبتمبر من العام الماضي 2023.

اقتصاد.. من التاريخ

على امتداد قرون؛ كان سوق الخميس القلب التجاري للساحل الشرقي من الجزيرة العربية. وهو ما جعله جزءاً أساسياً في اقتصاديات المنطقة، في تعاقب الدول التي حكمتها، بما فيها الدول السعودية الثلاث، وما قبلها. وبعد دخول القطيف الحكم السعودي سنة 1331هـ؛ استمرّ السوق على وضعه الحيوي المؤثر في الحياة التجارية.

وساعد على ذلك؛ وجود ميناء دارين الذي لعب أدواراً تاريخية كبيرة في اقتصاد التصدير والاستيراد، ومعه ميناء القطيف الذي كان يقع على مقربة من القلعة، حيث يلتصق بها سوق الخميس، متشاركاً مع 5 قرى أخرى؛ هي: الشريعة، المدارس، مياس، الكويكب، الدبابية.

كان السوق يتوسّط المساحة الواقعة بين القرى الست قبل أن تندمج جميعها وتتكوّن مدينة جديدة، هي مدينة القطيف الآن.

صورة مدخل السكة (الصكة) أو القيصرية

تحوّلات العمران

سوق الخميس هو القلب النابض للحياة التجارية في الشطر الساحلي من المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية. استمرّ كذلك حتى منتصف الثمانينيات الهجرية (الستينيات الميلادية)، حيث بدأت تحوّلات كثيرة في القطيف، بدأت بإزالة سوق “الصكة”، ثم سوق “الجَبَلة”، والبراحات المحاذية لها. وتتناثر محلاته على مواقع “تجارية” جديدة، أبرزها “سوق مياس” التي ما زالت قائمة.

عام 1406؛ نُقل سوق الخميس مؤقتاً إلى ساحة خاصة بالبلدية بمحاذاة طريق أحد. وبعد إتمام مشروع بناء السوق غرب المدينة بمحاذاة شارع الملك فيصل؛ نُقل الباعة كلهم إلى هناك. وهو الموقع الذي استُعمَل طيلة 6 سنوات ماضية مكاناً مؤقتاً لأسواق الخضار.

سوق الخميس.. سوق السبت

بعد صدور الأمر الأمر الملكي، بتغيير العطلة الأسبوعية من “الخميس والجمعة” إلى “الجمعة والسبت” في بدءاً من 20 شعبان 1434 الموافق 29 يونيو 2013م؛ انتقل العمل في سوق الخميس إلى يوم السبت، لكنّ الاسم الأصل بقي كما هو، في إشارة إلى ثبات “القيمة المعنوية” في النشاط والمكان.

سوق الخميس في موقع مؤقت في الثمانينيات

سوق خضار.. مؤقتاً

تراثي..؟ أم تاريخي..؟

ومطلع الأسبوع الحالي؛ أخلى باعة أماكنهم ليعودوا إلى “سوق النفع العام” في حي الشريعة، وهو المشروع الذي نُقل من عهدة البلدية إلى عهدة وزارة البيئة والمياه والزراعة.

عاد سوق الخميس إلى سوق الخميس من جديد، وبات الترقب مركّزاً على مستقبل “المكان” ومستقبل “الاسم” الذي يُعامل أحياناً بكونه “تراثياً”، وأحياناً بكونه “تاريخياً”. وأيّاً كانت التسمية؛ فإن بلدية المحافظة أعلنت في 11 سبتمبر من العام الماضي 2023؛ أنها طرحته فرصة استثمارية في مجال الإنشاء والتشغيل.

يومها؛ شرح رئيس البلدية المهندس صالح بن محمد القرني، أن الفرصة الاستثمارية تتمثل في إنشاء وإدارة وتشغيل سوق الخميس التراثي بمساحة تبلغ 24463 متراً مربعاً، وبنسبة بناء تصل إلى 60%، ومدة عقد تبلغ 25 سنة.

وسبق أن نشرت البلدية سلسلة من الصور المستقبلية لما سوف يكون عليه السوق، ليكون في صيغة مستقبلية. وتُشير بعض المعلومات المؤكدة إلى أن مشروع الاستثمار دخل مرحلته الأخيرة السابقة للترسية، وهو ما يضع بشارة خير لواحد من معالم محافظة القطيف.

ونحن في الانتظار

مظلات سوق الخميس بعد رحيل باعة الخضار

من التاريخ..

سوق الخميس يوم 24 يونيو 1819

تحليل مضمون وصف الضابط الإنجليزي، فورستر سادلير، لما دوّنه عن سوق “الخميس” في القطيف، 212 سنة هجرية (205 سنوات ميلادية)؛ يمكن استنتاج ما يلي، مقارنة بالوضع الراهن:

1 ـ الوصف جاء ضمن مشاهدات يوم 2 رمضان 1234 هـ، أي 24 يونيو حزيران 1819، ومن الطبيعيّ ألّا يكون الرطب من ضمن مشاهداته. فالموسم يبدأ في أواخر يونيو حزيران، أو بداية يوليو تموز. وأنّ ما شاهده هو من محصول بداية الصيف المتنوّع من الفواكه والخضروات. لذلك ذكر سادلير التمرَ، والأرجح ـ ظاهراً ـ أنه لم يكن يعني الرطب.

2 ـ تتوفّر في السوق كمية كبيرة من لحم الضأن. ولم يذكر سادلير لحم البقر. وهذا خلافُ ما درجت عليه العادة الغذائية في القطيف بعد ذلك. فلحوم الأبقار هي الأكثر انتشاراً واستهلاكاً من لحوم الأغنام.

3 ـ وطبيعي أن تتوفّر كميات كبيرة من الأسماك، فالقطيف تقع على شاطيء بحر غني بالثروة السمكية.

4ـ يُزرَع في القطيف البطيخ بكميات وفيرة، وقد يصل وزن البطيخة الواحدة إلى 13 كيلوجرام. لكنّ الوقت الراهن يقول غير ذلك، فالبطيخ الأصفر بالكاد يُزرع، وغير وفير تجارياً.

5 ـ يُزرع القمح والشعير بكميات قليلة. وحالياً لا يُزرع مطلقاً.

6 ـ يُزرع الرز بوفرة، وسبب ذلك كثرة المياه المنتشرة في القطيف، وهو ما يُساعد على زراعة الرز. وحالياً لم تعد زراعة الرزّ موجودة مطلقاً.

7 ـ يُزرع المشمش والمنجا والرمّان والعنب والبرتقال والليمون وقتها. أما حالياً؛ فلا وجود للمشمش والبرتقال بشكل تجاري على الأقل. أما العنب فهو شبه غير موجود تجارياً، والرمان قليلٌ تجارياً. والمنجا يُزرع في البيوت وبعض المزارع. والوحيد الذي حافظ على موقعه التجاري الاستهلاكي هو الليمون.

8ـ يُزرع الباذنجان والبصل والفاصولياء واللوبياء والفول. ولا أعرف وجوداً لزراعة الفول في الوقت الراهن، في أيّ من مناطق القطيف.

هذا ما يُمكن استنتاجه من تقرير الضابط الإنجليزي الذي زار القطيف، قبل قرنين. ومن الواضح أن ما ذكره لم يكن حصراً لكلّ شيءٍ، بل هو تمثّل وتذكر لما رآه، على الأرجح، وحسبما قاله سادلير نفسه عن ذاكرته “المعيبة”.

زيارة القطيف كانت ضمن مهمة استخبارية لصالح “بريطانيا العُظمى”، كلّفه بها حاكم بومباي وقتها نيبيان عام 1819م. وقد بدأت المهمة من ساحل القطيف وامتدّت حتى ينبع على ساحل البحر الأحمر.

وقد سجّل قائد الفوج الإنجليزي الـ 47 تقارير زيارته، في سيرة مذكرات مؤرخة يومياً. وللمذكرات طبعة عربية أصدرتها الهيئة المصرية للكتاب، عام 2013، بترجمة أنس الرفاعي. ولها نسخة BDF في الشبكة العنكبوتية. كما أن له طبعة عربية أخرى أنجزها الشاعر الباحث عدنان العوامي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×