1] فضائح ابن بطُّوطة في القطيف وبلاد البحرين القديمة سارق مكشوف أغار على كتب سابقيه وادّعى زيارة أماكن لم يرها قط
عدنان السيد محمد العوامي
يكاد لا يخلو مؤلف من المؤلفات التي تناولت تاريخ القطيف من النقل عن ابن بطُّوطة قل – ذلك النقل – أو كثر، فحتى أستاذنا الكبير مؤرخ القطيف غير المدافع؛ الأستاذ محمد سعيد المسلم (رحمه الله) نجد قائمة المصادر في كتابيه: (ساحل الذهب)، و(واحة على ضفاف الخليج- القطيف) مزدانة بوهج (رحلة ابن بطُّوطة)، ناهيك عن غيره من الكتاب، ولهم كل الحق في ذلك؛ فابن بطُّوطة ليس كغيره من الجغرافيين الأوائل، بل هو نسيج وحدَه.
الكتاب.. السارق
فبقدر الدقة والصدق التي امتاز بها غيرُه من الجغرافيين القدماء؛ كابن خُرْداذْبَه (205 – 300هـ)(3)، في كتابه: (المسالك والممالك)(4)، والهمداني (280 – بعد 344هـ)(5)، في كتابه: (صفة جزيرة العرب)(6)، وابن حوقل النصيبي (. . . ت: 367هـ)(7)، في كتابه: (صورة الأرض)(8)، والأصطخري (346هـ)(9)، في كتابه: (مسالك الممالك)(10)، والمقدسي البشاري (ت نحو: 380هـ)(11)، في كتابه: (أحسن التقاسيم في معرفة الأقليم)(12)، وأبي عُبيد البكري (431 – 487هـ)(13)، في كتابه: (معجم ما استَعْجَم)(14)، وكتابه الثاني: (المسالك والممالك)(15)، والشريف الإدريسي (493 – 560هـ ،1100 – 1165م)(16)
صاحب كتاب: (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق)(17)، وياقوت الرومي (574 – 626)(18)، المشهور بياقوت الحموي، وله كتابان في الجعرافيا – الأول: ( معجم البلدان)(19)، وهو المشهور، والثاني: (المشترِك وضعًا، والمفترِق صَقْعًا)(20)، وابن المجاور: محمد بن مسعود النيسابوري (كان حيًّا سنة 626هـ، 1228م)(21)، في كتابه: (تاريخ المستبصر)، وأبي الفداء، الملك المؤيد (672 – 731هـ)(22) في كتابه: (تقويم البلدان)(23).
المسالك والممالك.. كتاب البكري.. المسروق منه
وغيرهم من المؤرخين الثقاة، نجد ابن بطوطة – على خلافهم – يختبط، ويسرق ويشوِّه، هذا كله في ما يتصل بما دوّنه في رحلته عن خنج إلى سيراف مرورًا بمغاص اللؤلؤ، فالبحرين والقطيف نجده ينقل سارقًا متعمِّدًا عن كتاب البكري (المسالك والممالك)، وقد ضبطناه متلبسًا بالجرم المشهود، وعن سابق إصرار وتقصد، كما يقول المحامون في عصرنا، ففي ما دوَّنه من صفة البحرين الكبرى، رأيناه ينقله من (البحرين الكبرى)، التي حددتها كتب الجغرافيا القديمة من البصرة شمالاً إلى عمان جنوبًا ويحصره في جزيرة البحرين المعروفة – آنذاك – بـ(ـجزيرة أوال)، ولكي لا أُتَّهم بالتجنِّي على الرجل أنقل إليك ما كتبه دارسوه قبل أن ألج بك إلى رحلته التي وسمها بـ (تحفة النظَّار في غرائب الأمصار).
فيليب حتي.. من المشككين في صدق ابن بطوطة
لقد استوقفت هذه الرحلة عددًا من الباحثين، فشكَّ فيها ابن خلدون، وابن حجر العسقلاني، من المتقدمين، وفيليب حتي، وأحمد العوامري، ومحمد أحمد جاد المولى، من المعاصرين. كما شك فيها أيضًا بعض المستشرقين(24).
ومع وجاهة تلك الشكوك فإنَّ شارح الرحلة الأستاذ طلال حرب قلل من شأنها، متجاهلا تعليقاته هو نفسه أو غيره على أغلاط وتخبطات ابن بطُّوطة، منبهرًا بما حشى به الكتاب من الغرائب والعجائب، غير مفرِّق بين القصص والحكايات كقصص (ألف ليلة وليلة) مثلاً والرحلات التي هي وصف للواقع الذي شاهده وعاشه الرحالة.
على كل حال لن أكون آخر المتشككين في هذه الرحلة؛ خصوصًا في ما زعمه من سياحته في بلدان الخليج؛ فهي – بدون ريب – تحمل على اليقين – لا الظن وحده- بأنه إنما نقلها نقلاً مشوَّهًا من كتاب البكري لا مشاهدة، فحتى وصفه لمزروعات البحرين هو دليل إضافي على أنها من المصدر ذاته الذي نقل معلوماته منه، فإليك ما كتبه بالنص:
بلاد البحرين القديمة.. ابن بطوطة لم يزرها.. بل سرق.. وكذب
الطريق
يهمنا من الكتاب الحيز الخاص بـ(ـجزيرة البحرين، ومدينة القطيف، والغوص على اللؤلؤ فقط، وأما باقي البلدان فأهلها أولى ببيان حقيقتها، فـ(أهل مكة أدرى بشعابها) كما يقال في المثل.
في الفقرة (7) من الفصل الخامس تحت عنوان: (من هرمز إلى البحرين، وبعد ثلاث صفحات، وسطر واحد، وثلاث كلمات وصف فيها رحلته من بلاد عمان إلى هرمز الجديدة، وهي متصلة بموضوعنا، بحسبانها منطلق الرحلة، قال:
“ثم سافرنا إلى مدينة (خنج بال) بضم الخاء المعجمة، وقد يعوَّض عنها بهاء)، وبها سكنى الشيخ أبي دُلف الذي قصدنا زيارته، وبزاويته نزلنا، ولما دخلت الزاوية رأيته قاعدًا بناحية منها على التراب، وعليه جبة صوف خضراء بالية، وعلى رأسه عمامة صوف سوداء، فسلمت عليه، فأحسن الرد، وسألني عن مقدمي وبلادي وأنزلني، وكان يبعث إليَّ الطعام والفاكهة مع ولد له من الصالحين، كثير الخشوع والتواضع، صائم الدهر، كثير الصلاة، ولهذا الشيخ؛ (أبي دلف) شأن عجيب، وأمر غريب فإن نفقته في هذه الزاوية عظيمة، وهو يعطي العطاء الجزيل، ويكسو الناس، ويركبهم الخيل، ويحسن لكل وارد وصادر، ولم أر في تلك البلاد مثله، ولا يعلم له جهة إلا يصله من الأصحاب والإخوان حتى زعم كثير من الناس أنه ينفق من الكون … “؟!
فما رأيك؟ المدينة التي سماها (خنج بال) هي: في الحقيقة مدينتان؛ مدينة خنج، ومدينة بال، أو (فال)، وفال توجد على بعد ستين ميلا غربي خنج”(25). نتابع:
“ثم سافرنا منها إلى مدينة قيس، وتسمى أيضًا بسيراف، وهي على ساحل بحر الهند المتصل ببحر اليمن وفارس، وعدادها في كُوَر فارس، مدينة لها انفساح وسعة، طيبة البقعة، في دُورها بساتين عجيبة، فيها الرياحين والأشجار الناضرة، وشرب أهلها من عيون منبعثة من جبالها. وهم عجم من الفرس أشراف، وفيهم طائفة من عرب بني سفاف، وهم الذين يغوصون على الجوهر”(26).
وهذه كسابقتها؛ فقيس لا تسمى سيراف؛ وهما – في الحقيقة – اثنتان، الأولى وهي قيس جزيرة تبعد كثيرًا عن سيراف، وإن كانت تقابلها، وسيراف مدينة على الساحل الشرقي من الخليج، في بر فارس، وصفها الإدريسي(27)، وهذا وصفه لها بالنص: “… مدينة سيراف وهي على ساحل البحر الفارسي، وهي مدينة كبيرة، وبها تجار مياسير، وأهلها مولعون بكسب المال واستجلابه على أي وجه أمكن، وهم أكثرعباد الله تغربًا وتجولا في الآفاق، حتى إن الرجل منهم يتجوَّل العام والعشرين ولا يرجع إلى أهله، ولا يكترث بمن خلفه، وسيراف فرضة فارس، ومبانيها بالساج، وأبنيتهم طبقات مشتبكة البناء، كثيرة الأهل، ولأهلها همم في نفقات الأبنية ، وضروب التحسين والتحصين. . . “(28).
ووصفها ياقوت بعده بأنها: “مدينة جليلة على ساحل بحر فارس، كانت قديمًا فرضة الهند(29)، أما قيس كما أسلفت، أو (كيش) فجزيرة في بحر عمان(30)، لكن ابنَ بطوطة لم يميِّز بينهما، وعدَّهما مدينة واحدة، وهذا خطأ آخر لم يقع فيه أحدٌ ممن كتب عن الخليج – حسب اطلاعي – غير ابن بطوطة، فياقوت الحموي، متقدم على ابن بطُّوطة، بما ينيف على قرن ونصف؛ توفي ياقوت سنة 626هـ، وابن بطوطة ولد سنة 703، وتوفي سنة 779هـ، وبدأ رحلته من طنجة – حسب زعمه – في الثاني من رجب سنة 725 هـ، ودخل الحجاز قادمًا من الأحساء – حسب زعمه – سنة 732، وانتهت رحلته في فاس في ذي الحجة سنة 750 هـ، ثم قام برحلة أخرى بين عامي 753-754، ودوَّن رحلته سنة 756هـ، وتوفي سنة 779هـ(31).
ــــــــــــــــــ
(1)ابن بطوطة: محمد بن عبد الله اللواتي، الطنجي، ولد في طنجة من بلاد المغرب، يوم الإثنين 17 رجب عام (703هـ، 25 شباط 1304م، وتوفي سنة 779هـ، 1377م) تحفة النظار في غرائب الأمصار، ص: 7-10، والمنجد في الأعلام، لجنة من المتخصصين، نشر دار المشرق، المطبعة الكاثوليكية، الطبعة الحادية عشرة، بيروت، د. ت.
(2) رحلة ابن بطُّوطة المسماة (تحفة النظار في غرائب الأمصار)، شرحه وكتب هوامشه طلال حرب، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1407هـ، 1987م. ص: 289 – 291
(3)أبو القاسم، عبيد الله بن عبد الله بن خرداذْْبَه، المنجد في الأعلام، دار المشرق، بيروت، الطبعة الحادية عشرة.
(4)ليدن، طبعة بريل، 1889م.
(5)الحسن بن أحمد بن يعقوب.
(6)تحقيق محمد بن علي الأكوع، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، دار الآداب، بيروت، الطبعة الثالثة. رمضان 1403هـ، حزيران 1983م.
(7)محمد بن حوقل البغدادي الموصلي النصيبي. المنجد في الأعلام، سبق ذكره.
(8)نشر دار صادر، بيروت، مصورة عن طبعة ابريل، مدينة ليدن، هولندا، 1938م.
(9)أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد الفارسي، الإصطخري، المعروف بالكرخي. المنجد في الأعلام، سبق ذكره.
(10)نشر دار صادر، بيروت، مصورة عن طبعة بريل، مدينة ليدن، هولندا، 1927م، ص: 19، 26 – 27.
(11)محمد بن أحمد المقدسي البشاري. المنجد في الأعلام، سبق ذكره.
(12)نشر دار صادر، بيروت، مصورة عن طبعة بريل، مدينة ليدن، هولندا، 1909م، ص: 93 – 94.
(13)عبد الله بن عبد العزيز، المنجد في الأعلام، سبق ذكره.
(14)حققه وضبطه مصطفى السقا، نشرعالم الكتب، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1403 هـ 1983م، جـ 1/228.
(15) حققه وقدم له أدريان فان ليوفن، وأندري فيري، الدار العربية للكتاب، بيروت، والمؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات (بيت الحكمة)، بيروت – قرطاج، تونس، 1992م.
(16) أبو عبد الله محمد بن محمد بن إدريس الحمُّودي الحسني، جغرافي ورحالة عربي ولد في سبتة قرب طنجة بالمغرب العربي، وتلقى العلوم في قرطبة. قام برحلات واسعة في أسبانيا، والمشرق، قبل أن يستقر في بلاط روجر الثاني في بلرم في صقلية. صنع كرة فلكية من الفضة، وخريطة للعالم، حفرت على إسطوانة من الفضة. موسوعة المورد، منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت الطبعة الأولى، 1981م. جـ5/171.
(17)نشر مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1422هـ، 2002م، ص: 385 – 391.
(18) الشهير بالحموي، جغرافي وكاتب سِيْر عربي، رومي الأصل. لقب بالحموي لأنه كان مولىً لرجل من أهل حماة. أشهر آثاره: معجم البلدان، وهو موسوعة جغرافية ضخمة، وإرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، الشهير بمعجم الأدباء، ترجم فيه لأعلام الأدب واللغة، وكذلك المشترِك وَضْعًا، والمفترق صَقْعًا، وهو معجم جغرافي دوَّن فيه ما اتفق من أسماء البقاع والبلدان لفظًا وخطًّا، وافترق مكانًا ومحلا. موسوعة المورد، منير بعلبكي، مرجع سابق، جـ10/181.
(19)ياقوت الحموي، دار صادر، بيروت، د. ت.
(20) المشترِك وضعًا، والمشترِك صقعًا، ياقوت الحموي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثانية، 1406هـ 1986م، مصورة عن طبعة غوتنجن، ص: 14.
(21)تاريخ المستبصر، لم يذكر المؤلفُ إلا اسمَ والده، وهو: محمد بن مسعود بن علي بن أحمد البغدادي النيسابوري، راجعه ووضع هوامشه ممدوح حسن محمد، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1996م ص: 331.
(22) المنجد في الأعلام، سبق ذكره.
(23)تقويم البلدان، عماد الدين إسماعيل بن عبد لله، أبو الفداء صاب حلب، در صادر، بيروت، مصور عن طبعة باريس، عام 1840م.
(24)طلال حرب (مقدمة) ص: 22.
(25) الهامش (72) تعليق طلال حرب عن علي المنتصر، ص: 303.
(26)تحفة النظار في غرائب الأمصار،)، ص: 290.
(27)جغرافي ورحالة عربي ولد في سبتة قرب طنجة بالمغرب العربي (1100 – 1165م، 493 – 960هـ)، وتلقى العلوم في قرطبة. قام برحلات واسعة في أسبانيا، والمشرق، قبل أن يستقر في بلاط روجر الثاني في بلرم في صقلية. صنع كرة فلكية من الفضة، وخريطة للعالم، حفرت على إسطوانة من الفضة. موسوعة المورد، منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الأولى، 1981م، جـ5/171.
(28)نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، محمد بن محمد بن عبدالله بن إدريس الجتمودي الشهير بالأدريسي، مر ذكره. ص: 410.
(29)معجم البلدان، جـ3/294.
(30)معجم البلدان، جـ4/433.
(31)تحفة النظار في غرائب الأمصار، مرجع سابق. ص: 8 – 15، و292.
بحث شيق وممتع ومفيد ..شكرا جزيلا للكاتب ولصبرة..نتأمل المزيد مثل هذا الاثراء
عندي اقتراح للصحيفة …
بعد تدوين عدة تواربخ في الموضوع هذا !
لماذا لا تسجل تواربخ الاخبار وترك حساب عدد الساعات والأيام ..
وحسب تفكيري البسيطه ممكن البرنامج الذي بشغل الصحيفة يتعب او يخربط من كثرة الحساب .. وهذا مالاحظته في بعض الصحف والاحبار !
ولانني بالأمس جلست اتصفح بعض الأخبار إلى ماقبل ثلاث سنوات قسم الرسائل (وكان اخر خبر قبل ١٠٧٠ يوم إذا ما كان اكثر) ؛ وقلت في نفسي هذا الخبر او الواقعة متى حدثة وفي أي تاريخ !!!
المهم هنا أنا وجدت تميز الصحيفة بقسم الرسائل للجمهور وتنوع الأخبار المهمة العالمية اامختصرة وكذالك قسم الوجوه وناس وان كانت متقاربة ؛
وبشكل عام عندنا في القطيف صحيفة أخرى تتميز بذكر اخبار الوفايات مع تسجيل تاريخ كل وفاة ولكن الصعوبة في الفهرس للرجوع لها بتسجيل الاسم المتوفي !
ولكن الغالبية لا تذكر تاريخ الخبر بل عدد الايام !!!
ويوجد صحيفة تهتم بالاخبار المحلية الشاملة وكل خبر يوجد علامة برقم لاي تعليق موجود ؛ بحيث تسهل على القارىء قراءة التعليقات الموجودة والتي ممكن يكون فيها بعض التوضيحات او الاراء !
وقبل سنوات فقدة الاتصال بأحد الزملاء للعمل السابقين … قبل كورونا …
ولم أعرف انه توفى الا بعد تصفح اخبار الوفايات وبعد سنة ونصف من وفاته يعنى تعبت في تصفح القسم وكثير ممن اختفوا من سوق الحراج وجدت اسماءهم حيث لم اعرف اسماؤهم كاملة الا بعد عرض صورهم في القسم !
والله يرحمنا ويرحم موتى ألمؤمنين والمؤمنات ويعطيكم ألف عافية ويوفقكم في عملكم ويعطيكم خير الدنيا والاخرة !!!