هل كان مثقفاً نصّاباً..؟ أم نصّاباً مثقفاً..؟
حبيب محمود
لعلّ أخطر خبر واجهه الوسط الثقافي السعودي، طيلة العام الجاري وربما طيلة العقد، هو الخبر الذي نشرته هيئة مكافحة الفساد، عن تورّط مواطنٍ بالحصول على تمويل غير شرعي، وصلت قيمته إلى 493 مليون ريال..!!
هيئة مكافحة الفساد كشفت هوية المواطن المتورط في جريمة فساد كُبرى. ولعلّ هذا البيان هو الأول من نوعه الذي يتضمن “تشهيراً” بمتهمين بالفساد، منذ التشهير الذي أطاح بمدير الأمن العام السابق. لكنّ المواطن الأخير كان صاحب “النطحة” الأعلى مالياً.
أيها الناس؛ إنها 493 مليون ريال. يكاد المبلغ يضرب سقف نصف مليار. إنه أنقص منه بـ 7 ملايين فقط، يعني “فكة”..!
المهمّ؛ هو أن الرجل حصل على أفضل تسويق ثقافي رديء لمؤلفاته في تاريخ المملكة العربية السعودية. حوّله المغردون والتواصليون إلى وليمة سخرية سلخت سيرته “الثقافية” سلخاً، ونكثت حتى مخّ عظام كتاباته، واستعادوا نشر صوره وصور مؤلفاته وصور مقالات نشرها في صحيفة محلية بإمكانه تأسيس 10 صحف مثلها من المال الضخم الذي حصل عليها تواطؤاً مع آخرين..!
أيها الناس.. لقد حصل على تمويل يضارع ميزانية وزارة..! يضارع ميزانية دولة من دول العالم الثالث.
فهل كان الرجل مثقفاً نصّاباً..؟ أم كان نصّاباً مثقفاً..؟
وما الفرق بين الرجلين..؟
قبل كلّ شيء؛ المثقف كائن بشريٌّ، مُهدّد طيلة وجوده، بالغرائز والرغبات والمطامع، مثله مثل أي إنسان آخر. وليس في العلم ولا الثقافة ولا الإبداع؛ ما يضمن أن يضع أحداً في محلٍّ أرفع من بني البشر الآخرين. وفي التاريخ ما يُقنعنا بذلك. وفي الواقع ما يعزّز هذه القناعة.
وصاحبنا الذي تشفّى به كثير من الناس في التواصل الاجتماعي؛ لم يكن ليصمد أمام نصف مليار ريال. لا هو، ولا أنا، ولا أنت. ولا داعي للتشفّي بأحد؛ طالما أننا خارج الاختبار، وعلى مبعدةٍ من الإغراء، وناجون من صدمة قد تهبط بقلب أيٍّ منا إلى نقطة “السكتة”، لهول ضخامة المبلغ..!
إنه نصف مليار.. نصف مليار؛ تطلّب الحصول عليه عملية ضخمة ومركّبة من التحايل والتزييف وخداع نظام بنكي، ونظام حكومي، وإغراء رجال أمن. وتطلّب الكشف عن العملية تدخل أقوى جهاز أمني في الدولة.. جهاز أمن الدولة الذي لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها..!
وعلى الرغم من علوّ المخاطرة؛ أقدم الكاتب/ الروائي/ المثقف على الانخراط في مشروع النصب الكبير، وحوّل قرابة خمس المبلغ إلى الخارج، وغسل 100 مليون ريال بـ “شراء عقارات وتسجيلها بأسماء أقاربه بهدف إخفائها”، على حدّ تعبير بيان “نزاهة”..!
ثقافياً؛ ما الذي تعنيه كلّ هذه المبالغ أمام رواية أدبية لم تصل تكلفة طباعتها إلى 5 آلاف..؟
بصرف النظر عن قيمة الرواية، وقيمة المقالات، وقيمة القِيَم التي تصدّى صاحبنا للحديث عنها؛ فإن القصة لا علاقة لها بنصّاب ادّعى الثقافة، ولا مثقف انزلق إلى النصب والاحتيال. إنها جريمة محضة عبّر عنها بيان “نزاهة” على النحو المعتاد في التعامل مع المتهمين..
“مواطن” تورط في جريمة كُبرى، وهذا هو اسمه، وهذا ما صنعت يداه..!
ودورنا أن نُصدم بالتأكيد، ثم نستمرّ في حياتنا.
لا فرق ان يكون مثقفا نصابا أو نصابا مثقفا، فالنتيجة واحدة.. أشار الأستاذ حبيب في مقالته الجميلة إلى أن المثقف مثله مثل غيره في غرائزه ورغباته، وبما معناه أن العلم والثقافة والإبداع قد لا تشكل رادعا للمثقف من الإنزلاق.. قد يكون هذا صحيحا في حالات ان ينظر المثقف إلى ثقافته وكتاباته أنها مجرد مهنة ووسيلة للكسب والإرتزاق.. لكن، ألا يفترض أن تشكل الثقافة وعيا بالمواطنة بما تعنيه من أمانة وإخلاص، ورادعا للإلتزام بما هو أخلاقي وإنساني؟..