سيرة طالب 100] اللطف الخفي
الشيخ علي الفرج
مؤمنٌ متصل بالله، يحفظ من القرآن الكثير، من الوجهاء القديحيين المتديّنين حقًا وحقيقة، هو الحاج أحمد حسن آل موسى (أبو موسى)، من مواليد 1367 السابع من ربيع الأول، تعلم على يد المرحوم الملا مهدي آل درويش، والمرحوم الملا عبدالله الزين، والمرحوم السيد علي الخضراوي، قارئ للقرآن بشكل مجيد،
وعمل في العديد من المهن، آخرها بائع في سوق الخضار.
وسوف أروي لكم قصتين مؤثرتين، سمعتهما على لسان هذا الرجل المؤمن، حفظه الله وأيده، فيقول:
القصة الأولى
لما اقترب زواج الأولاد وجمعنا مبالغ قليلة، تسرّب من يدي كلّ ما كنت قد جمعته، وأحسست بالضغوط المادية.
وذات يوم قريب كنت أقود سيارتي فوقع حادث مع سيارة أخرى وكانت النتيجة أنّ الخطأ كان عليَّ كاملًا، وقرر المرور غرامة تقرب من عشرة آلاف ريال، فتضاعف همّي وغمّي.
فاتصلت بأحد أبنائي، ورجعنا المنزل، وكلّ همومي سوف ألقيها على الملهم الرؤوف بالتوسل والتسليم إليه.
فجمعت المبالغ من هنا وهناك إلى أن اكتملت، وذهبنا إلى المرور، وفتحوا الملف، فقالوا لي: المبلغ مسدّد كاملًا.
فقلت لهم: الظاهر أنّ في الأمر خطأً؛ لأنّي إلى الآن لم أسدّد شيئًا.
قالوا: بالتأكيد المبلغ مسدّد في ملفك.
قلت: أنا أقول لكم من الممكن أنّ شخصًا أراد أن يسدّد مبلغًا لشخص آخر فأخطأ، وعلى كلّ حال فهذا رقم هاتفي المحمول إذا كان الشخص الذي سدّد المبلغ مشتبهًا فإنّي سوف أعطيه المبلغ كاملًا.
وفي اليوم الثاني ذهبت إلى المرور فسألتهم عن الحال، فقالوا: كما قلنا لك، قد سدّد المبلغ فلا حاجة للمراجعة.
وأريد أن أقول (والكلام للمؤمن الموسى):
لم يعلم أحدٌ بشخصية الرجل الذي سدّد المبلغ سوى المسؤولين، وإلى الآن لم يتصل بي أحد، وهذا من لطف الله وإحسانه.
القصة الثانية
قبل سنوات طويلة؛ هبطنا في مطار طهران أنا وزوجتي، والهوى كلّ الهوى هو مدينة مشهد التي نقطع المسافة إليها من طهران عشر ساعات أو أكثر بالسيارة، وفي يد زوجتي حقيبة صغيرة، وفيها محفظة المعروفة بـ (البوك)، فيها بعض الأموال وأوراقنا الرسمية.
ونحن والزوار الذين معنا ملتزمون بحملة خاصة من بلدنا، لذلك فإنّ الحقائب الكبيرة مشحونة في الحافلة لا في الطائرة، إلى مدينة مشهد، وإنما اهتمامنا نحن بالحقيبة التي نحملها بأيدينا.
ذهبنا أولًا إلى جنوب طهران، إلى قرية الري، وهناك مقام (الشاه عبدالعظيم بن عبدالله الحسني)، وهو من كبار العلماء، وأحد أصحاب الأئمة: علي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي (عليهم السلام جميعًا).
بعدها سافرنا إلى مشهد حتى وصلنا لننام نوم أهل الكهف من شدّة الإرهاق.
وفي صبيحة اليوم الثاني قبل أن نذهب لزيارة الإمام الرضا (ع)، أعيد شريط ذاكرتي فأحسست إحساسًا ظنيًا أنّ حركة خفية ونحن في طهران قد سرقتنا، وتمت السرقة في حرم شاه عبدالعظيم بالتحديد، فسألت زوجتي:
هل يوجد في الحقيبة الصغيرة أوراقنا الرسمية والأموال أم سرقنا؟!.
فبحثت عنها في الحقيبة فلم تر المحفظة (البوك).
فقالت لي: أنا لم أترك الحقيبة أبدًا إلّا في الصلاة، فلا أدري، هل سرقنا!!
فقلت لرئيس الحملة: أنت أعرف بحالنا، فانظر إلى حلّ هذه الأزمة.
فاتصل بخدمة شاه عبدالعظيم ومطار طهران والباص الذي نقلنا إلى مشهد، فاتفقت كلمتهم على: لا يوجد شيء.
وذهبنا إلى حرم الإمام الرضا (ع) وقد هجمت علينا الهموم والأحزان.
مشيت وأنا مشتت الفكر، إذ لاحت لنا القبة المذهبة فانفجرت بالونة الهموم المعلقة في صدري، فتحولت إلى هواء نقي.
مباشرة توجهت إلى الله عند حرم الإمام الرضا، توجهًا خالصًا لا يخيب، فخشع قلبي وسال دمعي، فاستيقنت أنّ الله سيحلّ لنا هذه العقدة.
خرجنا من الحرم، ودخلنا شقتنا، فأسرعت إلى الحقيبة فإذا بالمحفظة موجودة فيها، وفتحتها وإذا بكل أوراقنا موجودة بحالها، ولكنّ المبلغ مفقود، فحمدت الله حمدًا كثيرًا.