صالح هليل.. ألم 13 سنة انتهى في أصعب 11 ساعة من حياته مرض نادر لازمه بلا تشخيص

الدمام: ياسمين الدرورة

صالح هليل العنزي ولد طفلاً طبيعياً مكتمل الخلقة، سرد تفاصيل قصته لـ “صُبرة” مع مرض نادر بقي معه بلا تشخيص، أعاق حركته برجفة مستمرّ في الرأس واليدين، مرض لطالما تمنى اختفائه الإ أنه لازمه أكثر من 13 سنة سالبًا إياه أجمل سنوات العمر.

طفولة سعيدة
يقول: “ولدت في إحدى أحياء الرياض وسط حي شعبي كبير، كنت الأخ الأوسط وعشت طفولتي بطولها وعرضها، ببراءتها ولحظات لعبها وضحكاتها سعيدًا محاطًا بحب والدي. في عمر الـ 17 بدأت أعاصير القدر تعصف بحياتي حين أصبت بمرض مجهول.

في البداية، كانت الأعراض بسيطة، مثل الرعشة وضيق الحركات، لكن مع مرور الوقت زادت الأعراض بشكل ملحوظ تاركةً إياي في معاناة أصبح من الصعب معها القيام بالأنشطة اليومية، أتذكر أن كل ذلك حدث في سنة واحدة فقط، أصبحت بعدها أعرف بـ (صالح المريض)”.

البحث عن إجابة
عبثًا حاولوا أهلي أن يظفروا بجواب عن سبب علتي في كل مكان؛ في أروقة المستشفيات وبين عيادات الأطباء وغرف الأشعة وعند المشايخ والمُقرئين، طرقوا كل الدروب سعيًا لخلاصي ولكن بلا فائدة.

قرار ترك الدراسة
بين رفضي ومقاومتي وبين الاستسلام لقدري اختفى كل من أعرفهم، واجتاحتني الوحدة وسكنتني التعاسة، كما صدمتني ابتسامات السخرية والتنمر من أقراني، وكثيراً ما تملكني الخوف والخجل من حالتي.

في وقت اشتدت وطأة المرض اهتز صوتي وتعثرت الحروف، لم تعد مخارج الكلمات واضحة ولساني ثقيل، وأصبحت الدراسة في نظري مستحيلة، فقررت الهروب والانزواء وحيدًا وتركت الدراسة.

رحلة خارج المملكة
اقترح أحد أخوالي أخذي لزيارة طبيب خارج المملكة قيل أنه حاذق ومتمكن وصاحب خبرة، هز الأمل قلبي من جديد لكن الطبيب صدمني حين قال أن ما يحدث معي مجرد أوهام ،فقدت بعدها الأمل وكذلك ثقتي بالأطباء.

لا أتذكر عدد نوبات بكائي الطويلة ولا عدد المرات التي تحطّمت الأشياء فيها على جدار غرفتي كلما تحطم الأمل في قلبي، لكن هذه المرة كانت الأشد، سكنت بعدها إلى صمت الخذلان أيام وأسابيع.

عالم التقنيات والتصميم
وسط هذا الانعزال والانطواء كانت انطلاقته في عمر أصغر من الـ 20 أخذه الفضول في التعلم فأصبح عشقه وعالمه والصديق الذي يأنس إليه. يقول: “كان هناك الكثير لا تعلمه بدأت تعلم صيانة الحاسب حد الإتقان وأصبحت ألقب بالخبير وخلال سنتين أجدت برامج التصميم وتعلمت إنشاء المواقع والدعم الفني حتى نسيت أمر مرضي”.

العودة بعد انقطاع عام
يقول كانت أمي أكثر شخص عاش الحزن معي وبكاء لبكائي إلا أنها كانت بطلة حياتي تواسيني تطمئني وتصبرني، وهي من أقنعتني بالعودة إلى المدرسة بعد عام من توقفي فكان لها ما تأمل، قررت ألا آبه لنظرات الرفض المؤذية و تسلحت بالصبر وآمنت بقدري المكتوب تمكنت بعدها من التخرج من الثانوية بنجاح.

رحلة البحث عن عمل
كانت سيرتي الذاتية تلقى قبولاً قبل أن تتعثر على أعتاب المقابلات أمام مسؤولي التوظيف، تعودت على الرفض لكني لم أقبله أبداً، تمسكت بحبل أمل خفي كنت أخشى أن ينقطع في أي لحظة.

الفرصة اخيراً
يقول: “جاء اليوم الذي أجريت فيه مقابلة كغيرها من المقابلات بلا آمال وبلا توقعات، وكانت مع مدير القسم بنفسه (مبارك الشلوي)، استمع إلي بانتباه، وأعجبته ثقتي الواضحة أخذت المقابلة تأخذ منحى إيجابي تبدد معه توتري وقلقي.

يكمل :”استغليت ذلك بجملة حازمة، أحتاج فقط لفرصة، فرد علي ببساطة لك كذلك، اندهشت من الرد وخرجت غير مصدق والأرض لا تكاد تسعني وقلبي يتراقص فرحًا”.

انكسار و استقالة
حاولت الحفاظ على هدوئي أمام النظرات المشككة في استمراري كل يوم جاءني زميل المكتب المجاور مستفهمًا لماذا تتعنى أعباء العمل في حين أنك تحصل على معونة مالية من الدولة، أتذكر أني جلست دون تعليق بملامح اللامبالي. لكني خرجت يومها منكسرًا عاقدًا النية أن لا أعود.

يضيف: “قدمت استقالتي في اليوم التالي لكن المدير فاجأني بالرفض مصرًا على فترة تجريبية اتّبعها بقول أنا أؤمن بالقدرات الشابة وأريد الاستفادة من إمكاناتك، خرجت تعلو وجهي ابتسامة الرضا، تدفعني خطوات قدمي بتفاؤل نحو قبول التحدي من جديد.

يقول :”مرت بعدها عشرة أشهر تعلمت فيها الكثير، وأدركت كيف أدير مشاعري وأحافظ على توقد حماسي”.

الأمل والحياة
يكمل: “بعدها تزوجت، نعم تزوجت ومنّ الله علي بنعمة الزوجة الصالحة الحنونة، صابرين اسم على مسمى أحبتني كما أنا ومدتني بالقوة والحياة وكل الأمل، وصبرت معي رغم التحديات.

إكمال الدراسة
“رغبت أن أكمل في تخصص الحاسب إلا أن نسبتي في الثانوية العامة لم تسعفني. فالتحقت بكلية الآداب تخصص علم اجتماع، وهو التخصص الذي جعلني أحب نفسي وأشعر بالفخر، عملت بعدها في العديد من الشركات بمسميات مختلفة أضافت لي الكثير، حتى تم تعيني إداري في وزارة الصحة”.

فحوصات طبية
في أحد الأيام لم يكن صالح يعلم أنه على موعد مع قدر سيغير حياته للأبد.. يقول: “كان مطلوب مني إجراء تحاليل طبية، أخذ بعدها الطبيب يسألني الكثير من الأسئلة الدقيقة ثم فاجأني بتشخيص مرضي الذي لم أكن أعرف له اسمًا، تمتمت في ارتباك (الرعشة الأساسية) رفع عينه نحوي بتعاطف موضحًا: هو اضطراب دماغي يؤدي إلى ارتعاش الرأس واليدين والصوت، إما لسبب عاطفي أو نشاط بدني أو قلة نوم أو لربما بسبب تناول مشروبات تحتوي الكافيين. كنت مذهولا من الصدمة خرجت أسير بلا وعي بعدها جلست أفتش بلا توقف عن كل شيء يتعلق بمرضي وعلاجه.

الطريق إلى الحرية
“وصلت مدينة الملك فهد الطبية بالرياض بمشاعر معقدة بين الخوف والحماس الترقب والأمل، كان الدكتور جراد بجوا والدكتور فهد السبيعي والأستاذ طارق محمد بانتظاري، أجريت الكثير من الفحوصات الطبية للتأكد من تشخيص مرضي، ثم وصفت لي الكثير من الأدوية ورغم شعور الغثيان والدوار كل تلك الأعراض الجانبية المزعجة إلا أني لم أهتم دام أن فيها خلاصي.

التدخل الجراحي
بعد أشهر كل تلك العلاجات لم تقهر خصمي، كدت أن أفقد صوابي، إحساس الانهيار وطعم الهزيمة، أخبرني الأطباء عن خيار بديل هو التدخل الجراحي لكنه خيار محفوف بالمخاطرة فعملية بالدماغ أمر ليس بالسهل قد ينتج عنها شلل أو فقدان للبصر أو ما هو أسوأ.

توقفت عند الاحتمال الأخير بفكر قلق مرت 6 أشهر قبل أن أعود للمستشفى، كان أصعب قرار في حياتي على الإطلاق، لكن رغبتي العارمة في العودة لصالح الطبيعي دفعتني للمجازفة أعلمت زوجتي عن عزمي وبعد نقاش أقنعتها بقراري، فدعمت اختياري بكل قوتها. أخفيت عن عائلتي خطورة الإجراء وطلبت الدعاء من والدي وسافرت.

يوم العملية
يكمل: “يوم العملية استلقيت تحت التخدير الموضعي موصولا بأقطاب كهربائية على كامل رأسي، كنت مستيقظا أسمع ضجيج المطارق والمنشار الذي صنع ثقبين على جانبي، رأسي بحجم الهللة ذلك الضجيج الذي يصل إلى النخاع والألم الذي يوقف القلب والبرودة التي تجمّد الأطراف، انتهت العملية بعد 11 ساعة بحمد الله تبادل الفريق الطبي التهنئة فرحًا بسلامتي ونجاح العملية.

رحلة التعافي
نظرت إلى يدي وقد توقف ذلك الارتجاف إلى الأبد، استعدت جسدي المسلوب وقدرتي على التحكم بحركته ومعه شعور السعادة الذي افتقدته لفترة طويلة. فكرت سرًا وأنا أبتسم بإمكاني شرب القهوة دون أن أتمسك بالكوب خوفا من انسكاب نصفه علي وتأمل الأشياء دون أن يعتريها الاهتزاز.

على قيد الأمل
كل تلك التحديات التي وقفت في طريق صالح كتبها بين طيات قصته “على قيد الأمل” سرد فيها الكثير من الحوارات مع مرضه متسائلاً عنه، أفكار ظلت حبيسة ذاكرته وصف فيها مشاعره المتأرجحة بين التفاؤل والتشاؤم حتى حررها وأذن لنفسه بالرحيل ومضي قدمًا تاركًا إياها كذكرى من الماضي وجزءًا لا يتجزأ من معاناته التي وصفها أنها سبب نجاحه.

وفي الفصل الأخير وصف تفاصيل معركته الأخيرة ونجاته التي كانت أعظم انتصاراته، اليوم صالح خريج ماجستير علوم اجتماع يعمل في وزارة الصحة بمؤهله الجامعي زوج محب وأب حنون.     

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×