المهارات الناعمة.. ونجاح دورة الحياة
ترجمة: عدنان أحمد الحاجي
المهارات غير الإدراكية، أو ما تعرف “بالمهارات الشخصية الناعمة soft skills”
(1)] والقدرات الإدراكية “المهارات الصلبة” (2) تساهم في مستوى التحصيل التعليمي – أي عدد سنوات الدراسة الرسمية التي يكملها الشخص – وتؤدي إلى النجاح في دورة الحياة، وفقًا لدراسة جديدة من فريق دولي بقيادة باحثين في كلية ميلمان للصحة العامة في جامعة كولومبيا، وجامعة تكساس في أوستن، وجامعة ڤريجي Vrije بأمستردام.
يزودنا البحث بدليل على فكرة أن وراثة الجينات التي تؤثر في أشياء أخرى غير القدرة (المهارات) الإدراكية مهمة لمعرفة الاختلافات في مخرجات الحياة [ومنها التحصيل الأكاديمي]. حتى الآن كانت هناك أسئلة تتعلق بماهية هذه المهارات غير الإدراكية (المهارات الناعمة) ومدى أهميتها لمخرجات الحياة. نُشرت النتائج في مجلة نتشر جينتكس Nature Genetics (3)
القدرات (الإدراكية (القدرات الصلبة) والقدرات غير الإدراكية (المهارات الناعمة (4)
بدأت الدراسات الجينية على مستوى التحصيل الدراسي بهدف التعرف على الجينات التي تؤثر في القدرات الإدراكية. لقد حقق الباحثون بعض النجاح في القيام بذلك. “لكن اتضح أنهم تعرفوا أيضًا على جينات تؤثر في مجموعة من المهارات والخصائص (السمات) الأخرى،” كما قال الدكتور دانيال بيلسكي الأستاذ المساعد في علم الأوبئة. “أكثر ما أدهشني بشأن نتائجنا هو أن هذه المهارات غير الإدراكية ساهمت بالضبط بنفس القدر الذي ساهمت به القدرات (المهارات) الإدراكية في قابلية توريث مستوى التحصيل الدراسي” من إجمالي التأثير الجيني على مستوى التحصيل التعليمي، الذي يشار إليه بقابلية التوريث heritability، فسرت القدرات الإدراكية 43 في المائة، والمهارات غير الإدراكية فسرت 57 في المائة منه.
مشابهةً لوراثيات (جينتكس) القدرات الإدراكية، فإن وراثيات المهارات غير الإدراكية كانت لها علاقة بإنجازات خارج التعليم المدرسي، بما في ذلك شغل وظائف مرموقة وكسب دخل عالِ، وعمر أطول. وأظهرت الجينات المرتبطة بالمهارات غير الإدراكية علاقة بالمخرجات الحياتية الأخرى التي كانت قوية أو أقوى من العلاقات التي شوهدت في وراثيات المهارات الإدراكية. “هذه النتائج كانت فقط إثبات مفهوم proof if concept مهم (5)”، كما لاحظ بيلسكي Belsky، الذي يعمل أيضًا في مركز روبرت بتلر للشيخوخة التابع لجامعة كولمبيا Robert N. Butler Columbia Aging Center . “لقد أثبت الباحثون لنا أن وراثيات المهارات غير الإدراكية لها آثار مترتبة على الاقتصاد والصحة العامة مشابهة لآثار وراثيات القدرات الإدراكية.”
استخدمت الدراسة طريقة تسمى “دراسة الترابط الجينومي الكامل(6) “GWAS، لدراسة ما يسميه الاقتصاديون بـ “المهارات غير الإدراكية”، والتي تُعرّف على أنها سلوكيات وقدرات لا تُقاس باختبارات معدل الذكاء التقليدي، ولكن يُعتقد أنها تساعد الناس على أن يكونوا ناجحين أكثر في مدارسهم وفي وظائفهم وفي الحياة بشكل عام. الدراسة تبني على نتائج دراسة سابقة استخدمت الترابط الجينومي الكامل GWAS على مستوى التحصيل التعليمي. طبق الباحثون طريقة إحصائية جديدة لتطوير فهم مادة المهارات غير الإدراكية، وكيف تَباعَد التلازم الجيني مع المهارات غير الإدراكية عن التلازم الجيني مع القدرات الإدراكية، كما قُيِّست باختبار معدل الذكاء IQ الطبيعي التقليدي.
“استعارة استراتيجية من الاقتصاديين الذين درسوا أشخاصًا لديهم نفس القدرات الإدراكية، ولكن لديهم سنوات مختلفة من التعليم مكننا من ربط التباينات في المستوى الذي يصل إليه الأشخاص في الدراسة بما يتجاوز ارتباطهم بأدائهم في الاختبار الإدراكي (8)، لقد تمكنا من إجراء هذا النوع من التحليل باستخدام طريقة جديدة طورناها تسمى بنمذجة المعادلات الهيكلية الجينومية (8)، وهي طريقة دمج البيانات من عدد من دراسات الترابط الجينومي الكامل GWAS في نفس الوقت، “قال ميشيل نيڤارد، الأستاذ المساعد في علم النفس البيولوجي في جامعة ڤريجي في أمستردام والقائد المشارك للدراسة. “تسمح لنا هذه المقاربة بالاستفادة من قوة قواعد البيانات الجينية العملاقة كقاعدة بيانات بايوبانك في المملكة المتحدة UK Biobank لدراسة وراثيات السمات والسلوكيات التي لم تُقاس بشكل مباشر في المشاركين في البحث.” باستخدام هذه الطريقة المستجدة، تمكن الباحثون من إجراء دراسة الترابط الجينومي الكامل GWAS للمهارات غير الادراكية على بيانات من مئات الآلاف من الأشخاص.
“دراسة الترابط الجينومي الكامل GWAS التي أجريناها حددت 157 موضعًا مختلفًا في الجينوم البشري تتعلق بالمهارات غير الادراكية،” كما قالت بيرلاين ديمانج Perline Demange طالبة الدكتوراه حينئذ في علم النفس البيولوجي في جامعة ڤريجي Vrije بأمستردام والمؤلفة الرئيسية للورقة البحثية مع مارغيرتا مالاشيني Margherita Malanchin، المحاضرة في علم النفس في جامعة كوين ماري في لندن. “دراسة GWAS التي قمنا بها تعرفت على إشارات من جينات نشطة بشكل غير متناسب في أنسجة الدماغ، شبيهة بما وُجد في وراثيات القدرات الإدراكية.”
الارتباطات الجينية للشخص التي اكتشفتها دراسة GWAS صغيرة جدًا من حيث الحجم. أوضحت مالانشيني أن “أي متغير (متحور) جيني له تأثير ضئيل بالفعل قي النمط الظاهري” (9)، “ومع ذلك، بإضافة هذه الارتباطات الصغيرة معًا، يمكننا إستحداث مقاييس مركبة تسمى الدرجات متعددة الجينات polygenic scores، هذه المقاييس يمكن بعد ذلك تطبيقها على البيانات الجينية من المشاركين في الدراسة لتقدير مدى احتمالية إظهار شخص ما مخرجات معينة (أو نمط ظاهري معين).” في هذه الورقة، درجات الجينات المتعددة اُستحدثت في ست مجموعات بيانات في المملكة المتحدة ونيوزيلندا من أشخاص ولدوا في أزمنة مختلفة على مدى القرن العشرين في هولندا والولايات المتحدة ونيوزيلندا. قام الباحثون أيضًا بحساب التلازمات الجينية بين المهارات غير الإدراكية والأنماط الظاهرية(9) الأخرى التي كانت محور دراسات ارتباطات الجينوم الكامل GWAS الكبيرة، كالدراسات التي أجريت على السمنة والتدخين والأمراض النفسية.
بشكل عام، وراثيات المهارات غير الإدراكية قُرنت بتحمل أكبر للمخاطرة (للمجازفة)، واستعداد أكبر للتخلي عن الإشباع الفوري [أي تأخير الاشباع، وهو القدرة على كبح السلوك والرغبات العاجلة من أجل الحصول على ميزة أكبر أو أفضل آجلًا]، وسلوكيات أقل خطورة على الصحة. لاحظ الباحثون أيضًا أن وراثيات المهارات غير الإدراكية كانت مقترنة بكوكبة من السمات الشخصية المرتبطة بالنجاح في العلاقات والعمل، مثلًا، أن يكون الشخص فضوليًا ومتلهفًا للتعلم، وأن يكون أكثر استقرارًا عاطفيًا، وأن يكون أكثر اجتهادًا وتنظيمًا.
“كان هناك الكثير من الجدل حول ماهية المهارات غير الإدراكية وأفضل طريقة لقياسها. الدافع والمثابرة والعزيمة والفضول وضبط النفس وعقلية النمو – هذه ليست سوى عدد قليل من الأشياء التي اقترحها الناس على أنها مهارات غير إدراكية مهمة، كما لاحظت بيج هاردن Paige Harden ، برفسور علم النفس بجامعة تكساس في أوستن وقائدة الدراسة المشاركة – وزميلاها بيلسكي ونيڤارد. “بالنسبة للشخصية وسلوك المجازفة، وجدنا العلاقات التي توقعناها؛ “وراثيات المهارات غير الإدراكية كانت مقترنة بسلوك مجازفة أقل وسمات شخصية قرناها بالنضج والجدارة الاجتماعية والمهنية” كما قالت هايدن. لكن نتائج الصحة العقلية كانت مفاجأة بالنسبة لنا.”
وجد الباحثون أن وراثيات المهارات غير الإدراكية المقرونة بمستوى التحصيل الدراسي كانت أيضًا مقرونةً بزيادة احتمال الإصابة بالفصام والاضطراب ثنائي القطب واضطراب الوسواس القهري وفقدان الشهية العصبي (10) “هذا مثال على ما يسميه علماء الوراثة بالأنماط الظاهرية المتعددة pleiotropy” ، (11) كما أوضحت هاردن. “نتيجتنا تحذرنا من وجهة نظر تبسيطية للمتغيرات (للمتحورات) الجينية سواء أكانت جيدة أم سيئة. نفس المتحور الجيني الذي يهيئ شخصًا للتقدم في الدراسة قد يؤدي أيضًا إلى زيادة احتمال إصابته بالفصام أو اضطراب عقلي خطير آخر”.
أصدر المؤلفون أيضًا الأسئلة الأكثر تداولًا وأرفقوها بورقتهم التي تحذر من استخدام نتائج هذه الدراسة – أو أي بحث جيني – كدليل على أن الأداء التعليمي للأطفال أو المهارات غير الإدراكية لا يمكن تحسينها عن طريق التدخلات أو السياسات أو التشريعات. هاردن تحذر، “التأثير الجيني يجب دائمًا أن يُفهم من خلال عدسة التاريخ والبُنى الاجتماعية. هذه النتائج تخبرنا بما هو موجود وليس ما يمكن أن يوجد. لا شيء في دراستنا يجب أن يثبط الاستثمار في ضمان وصول جميع الأطفال إلى أقصى إمكاناتهم “.
ــــــــــــــــــــــــ
مصادر من داخل وخارج النص
1- “المهارات غير الادراكية أو المهارات الشخصية الناعمة soft skills هي التي تتعلق بالتحفيز والنزاهة والتفاعل البيني مع الناس. قد تنطوي أيضًا على الفكر، ولكن بشكل غيرمباشر وغير واعِ من المهارات الادراكية. ترتبط المهارات الناعمة بشخصية الفرد ومزاجه ومواقفه. وبالنسبة لجميع الوظائف تقريبًا، يحتاج الموظف إلى المهارات الناعمة المرتبطة بالعمل للعمل بشكل جيد وبفعالية مع الأشخاص الآخرين في بيئة العمل. “ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:
http://www.act.org/content/dam/act/unsecured/documents/WK-Brief-KeyFacts-CognitiveandNoncognitiveSkills.pdf
2- ” تعرف المهارات الإدراكية على أنها قدرة الفرد على القيام بالعديد من الأنشطة العقلية المرتبطة بالتعلم وحل المشكلات، و يمكن تعريفها أيضا بأنها المهارات الأساسية التي يستخدمها العقل للقيام بالأعمال اليومية سواء في الدراسة أم في العمل أو في الحياة بشكل عام كالتفكير والقراءة والتعلم والتذكر وغيرها، والقاسم المشترك بين جميع الأفراد هو امتلاك تلك المهارات منذ الولادة ولكن بنسب مختلفة كما تحتاج تلك المهارات كغيرها إلى تدريب دائم للتغلب على الصعوبات التي قد تواجه بعض الأفراد، مثل صعوبات التعلم والانتباه وغيرها، وبحسب دليل اليونيسف للمهارات الحياتية يوجد أربع مهارات ادراكية مهمه لكل فئات الأطفال من سن 10 إلى 24 عام وبعدة مستويات وهي: التفكير الابداعي والتفكير النقدي واتخاذ القرار وحل المشكلات.” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://www.naqla.com/posts/what-are-the-cognitive-skills
3- https://www.nature.com/articles/s41588-020-00754-2
4- https://cookwithkathy.wordpress.com/2021/01/19/noncognitive-skills-distinct-from-cognitive-abilities-are-important-to-success-across-the-life-course/
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/إثبات_المفهوم
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/دراسة_الترابط_الجينومي_الكامل
7- https://ar.wikipedia.org/wiki/اختبار_معرفي
8- https://labs.la.utexas.edu/tucker-drob/genomic-sem/
9- https://ar.wikipedia.org/wiki/نمط_ظاهري
10- https://ar.wikipedia.org/wiki/فقدان_الشهية_العصابي
11- https://ar.wikipedia.org/wiki/تعدد_النمط_الظاهري
المصدر الرئيس
https://www.publichealth.columbia.edu/public-health-now/news/noncognitive-skills—distinct-cognitive-abilities—are-important-success-across-life-course