في القطيف.. حتى “التسجين” تطوّر.. وتخلّى عن “العافية” و “بناتها” المنشار الكهربائي يحلّ مشكلة الوقت.. والجهد الجهيد

القطيف: صُبرة

“العافية”، في لهجة القطيف والأحساء، لا تعني “الصحة” بالضرورة. بل تعني أداةً للضرب العنيف.. و “بنات العافية”؛ لسن من النساء، وإنما هي قطع خشبية صُلبة تُضرب بـ “العافية” من أجل فلق جذوع النخيل.

سُكّان الأحساء يسمّونها «عيال العافية»، وليس ثمة فرق إلا فرق التذكير الحساوي والتأنيث القطيفي..!

وتُستخدم “العافية وبناتها” في “تسجين” النخيل، وتحضير جذوعها في شكل فلقات، كلّ جذعٍ يُفلق إلى 4 قطع متساوية. وهذه القطع كانت تُستخدم في أسقف المنازل.. وأسقف القبور.

فيديو

اليوم الأحد؛ انتشر مقطع فيديو يوثّق عملية “تسجين” يمارسها متطوعون من القطيف في بلدة التوبي. وغاية عملهم هو توفير الجذوع للمقابر، حيث ما زال أكثر الناس يحرصون على استخدامها في دفن موتاهم.

والجديد، في الموضوع، هو أنهم لم يعودوا يبذلون جهداً بدنياً كبيراً في إسقاط النخيل، وتسجينها، بل حلّ المنشار الكهربائي محل “العافية وبناتها”، لتسريع عمليات التسجين.

هذا يعني أن تطوراً جديداً شهده تسجين النخيل في القطيف.

زمن النخلة

حين كانت النخلة مادّة أساسية في حياة الإنسان الخليجي؛ كانت جذوعها مادّة بناءٍ أساسية في البيوت الطينية، كما هو الحال في البيوت الخوصية المختلفة. ولصلابة الجذوع؛ استُخدِمت للأسقف والجسور والأعمدة والوصلات أثناء البناء. وحتى يُستفاد منها؛ لا بُدّ من تقطيعها وتجهيزها بطرقٍ فنية خاصة. هذه الطرق هي ما يُعرَف -محلياً- بـ «التسجين» الذي يعني تقطيع جذع النخلة وتفليقه، وإعداد جُذوع طوليّة منها بالمقاسات المطلوبة.

مهنة «التسجين» كانت رائجة قديماً بحكم كون جذوع النخل سلعةً من السلع المطلوبة تجارياً لأعمال البناء. وصاحب المهنة يسمّى «مُسجِّن» و تُنطق عامياً «امْسَجِّنْ». وهناك أسر في المنطقة الشرقية حملت اسم هذه المهنة لأن بعض أفرادها امتهنوا تسجين النخيل وبيعه. ولأن النخلة كانت في مرتبة تُشبه مرتبة القداسة؛ فإنهم لم يكونوا يُسجّنون إلا النخلة الميتة، أو الساقطة، ولم يكونوا يتجرأون على إسقاط نخلة حية مُنتجة للحصول على جذعها. وفي الميثولوجيا الاجتماعية يحمل إسقاط النخلة الحيّة نذير شؤمٍ، بالذات في المجتمع الريفيّ.

هواية.. لا مهنة

راجت مهنة التسجين لأن الجذوع كانت مطلوبة في مواد البناء. أمّا اليوم؛ فلم تعد موجودة كمهنةٍ أو حرفة، بل كهوايةٍ تطوّعية يمارسها أفرادٌ يُسجّنون الجذوع لاستخدامها أسقفاً وشواهد للقبور. إذ لا تزال عادة تسقيف القبور بالجذوع مستمرّة في كثيرٍ من قرى المنطقة الشرقية.

عملية شاقة

بالتأكيد؛ فإن عملية التسجين شاقة تبعاً لصلابة النخلة. والقِطع المطلوبة منها يجب أن تُعدَّ بطريقةٍ فنيةٍ للحصول على 12 جذعاً مسجّناً على الأقل من جذع النخلة. وهذا يتطلّب تقطيع الجذع الطويل إلى ثلاثة أجزاء، ومن ثّمّ تقطيع كل جزء إلى 4 أجزاء طولية، ليصير كلّ جذع، في شكله النهائي، مثلث الشكل طويلاً، كما في الصور. الصعوبة الأساسية تكمن في التعامل مع خشبٍ قاسٍ صلبٍ عنيد من قشره ومن داخله. ولذلك يبدأ العمل بالتشقيق الطولي للجزء المستهدف، ثم تعميق الشق بالفأس، والاستعانة بقطع خشبية في ضبط كلّ شق، والضرب بـ «العافية» والفؤوس، وحشرها على امتداد الشقّ، وهذه العملية تفلق الجذع إلى فلقتين طوليتين.

بعد هذه المرحلة يتمّ فلق كلّ فلقةٍ إلى فلقتين أخريين، وهكذا يحصل المسجّن على 4 جذوع مسجّنة بالمقاسات التي حدّدها سلفاً.

ولهذا؛ أوجد المنشار الكهربائي حلّاً للعملية.

الصور التالية، من أرشيف الفوتوغرافي محمد الخراري

العافية وبناتها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×