سيرة طالب 106] القائدُ الملهَم

الشيخ علي الفرج

سافرت يومًا من الأيام مع عائلتي الكريمة إلى زيارة الرسول (ص).. إلى القبة الخضراء ثم إلى عمرة رجبية.

سافرنا بسيارتي الخاصة، والسائق أندونيسي، وهو محترف يلوّن بأحماض ذاكرته ولقطاته العجيبة.

أقصد بذلك إذا عبر شارعًا أو زقاقًا لأول مرة ترتسم خارطته في ذاكرته ولا تغادر بمرور الزمن.

فذات مرة انطلقنا من بلدتنا متوجهين إلى مكتبة جرير بالدمام، فوصل إلى موقعها بعد مروره بعدة طرق (دواعيس)، ولم يَعُدْ يحتاج مرة أخرى إلى خارطة الموقع، لأنها الصقت في ذاكرته.

وأتذكر أننا لما ركبنا معه في السيارة ومشينا قال لي أخي الأكبر:
إنّ السائق عفريت يعلم بجميع الطرق، فضحكنا.

وقد اختبرته عمدًا بطريق لم نذهب إليها ولا مرة، ووصفت المكان قبل أن يسير، بالإجمال لا بالتفصيل، ولم تكن إلّا بضع دقائق حتى وصلنا لأول نقطة بدقة.

وتناجينا مع أحدهم لما وصلنا بالسيارة إلى نقطة لا يعرفها بدون أن أشير إليها، فوقف في الموقع الذي نريد، فقال لي صاحبي: ليس بعيدًا أن يكون السائق ساحرًا أو تعلّمه الجنّ.

المهم وصلنا إلى الرياض فقلت له:
املأ خزان السيارة بالوقود، وإن كان نصفه ممتلئًا، قال السائق:
يوجد في سيارتنا أكثر من النصف، فاطمئنّ.

وسرينا في ليل حالك بعد مدينة الرياض، فانقطعت المحطات قبل الوصول إلى منطقة القصيم، في الوقت الذي أضاء مؤشر الوقود باللون الأحمر، إشارة إلى اقتراب نفاد الوقود، وهذه من أخطاء السائق التي لا تُغفر له، وإن كنت أغفر له؛ لأنه كولدي.

وتسير السيارة والإشارة حمراء، وزوجتي الفاضلة في هذا الليل الدامس هالعة لوجود الأطفال.. وتذكرت الذكر الذي علّمنا إيّاه السيد عبدالأعلى السبزواري رحمة الله عليه (*):
(لا إله إلا الله الحيُّ القيوم، ذو الجلال والإكرام، ربّ السماوات والأرض).

فكرّرته وأخلصت علاقتي الحميمة مع الله ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سُورَةُ القَصَصِ: ١٠].

فمشت السيارة ما يقرب من نصف ساعة هادئة، وإذا ببصيص نور كأنما هي محطة بعيدة.. نقترب.. ونقترب فتأكدنا هي المحطة بعينها، وسرّت العائلة بسرور متفايض، واقتربنا إلى المحطة فإذا في الشارع نقطة تفتيش، فوقفنا عند العسكري، وكلمنا فانطفأت السيارة تمامًا، فساعدنا العسكري – جزاه الله خيرًا – في إزاحة السيارة إلى جانب الطريق، وذهب السائق مشيًا إلى المحطة وعنده قنينة وعبّأها بالبنزين، وبعدها تحركت السيارة، وذهبنا بحركة القلب الملتهب بنور الله.

—————–
(*) ذكرت سابقا في الحلقات سيرة طالب في عدد (٨) (٩) (١٠) فراجع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×